ندوة: "الدولة المدنية والدولة الدينية: خطوط الوصل والفصل"
فئة: أنشطة سابقة
أكاديميون يناقشون خطوط الفصل والوصل بين الدولتين المدنية والدينية
سؤال الدولة العربية الحديثة، وممكناتِ صعودها بصورة جديدة وفاعلة في ظل الواقع السياسي والاجتماعي العربي الراهن، هو سؤال اليوم، والتحدي الذي نواجهه على المستوى العربي، وفي هذا الصدد تحدث أكاديميون ومختصون في ندوة نظّمتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث ومركز شرفات لبحوث العولمة والإرهاب في العاصمة الأردنية عن علاقة الديني والإنساني بالسياسي وتأثيرهما في تشكيل رؤية لمفهوم الدولة الحديثة.
الندوة التي عقدت في الحادي والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2017 بعنوان "الدولة المدنية والدولة الدينية: خطوط الوصل والفصل" تحدث فيها من تونس الدكتور أنس الطريقي، ومن الأردن الدكتور عامر الحافي والدكتور ضرار بني ياسين، وأدار الندوة الأستاذ إبراهيم غرايبة.
وسؤال الدولة؛ دينية أو مدنية، سؤال جدليّ وراهن، وتلخصت أفكار الندوة حول التعريفات والعلاقات الواقعية الحالية والتاريخية للديني والمدني وأمثلة عن الرؤى والتجارب والتنظيرات المختلفة عالمياً، في ظل غياب الحديث عن تجربة عربية غائبة حتى اليوم ربما، عن نموذج لدولة، تبني سلطاتها وسيادتها على المعرفة، وعلى الحق المتمثل في إنتاج الإنسان العربي لمعارفه وأسئلته وماهيته، وعلاقته بنفسه وبالعالم.
مقارنة مصطنعة وغير عادلة
أكد أستاذ الحضارة الإسلامية والعلوم الإنسانية في جامعة القيروان، أُنس الطريقي، أن المقارنة بين مفهومي الدولة المدنية والدولة الدينية، هي مقارنة "مصطنعة وغير عادلة في الأساس"، مشيراً إلى وجود إشكالية في التفريق بين المفهومين، بوصفهما مفهومين بشريين.
وبين الطريقي أن إثارة النقاش حول هذين المفهومين، تجسد في لقاء الحضارة الإسلامية بالدولة الحديثة، ومن ثم المرور بمراحل متغيرة تتركز في الوضع السياسي العربي، والتغير الناتج عن صعود فكرة الصحوة الإسلامية بعد مخاضات زمنية عديدة مع أيديولوجيات مختلفة، مما فتح باباً لهذا الجدل الحاصل.
ومن ناحية أخرى، اعتبر الأكاديمي التونسي أن التفريق المعرفي ضرورة، قبل الخوض في الشكل والتطبيق وعقد المقارنات، وأن الأزمة العربية، تتمثل في كونها –ربما- أزمة تشكيل سلطة، لذا، فهنالك حاجة لتعريف الدولة أولاً؛ حيث إن هذا التعريف لأي من الدولة المدنية أو الدينية، يرمي إلى تحقيق هدف عملي على المستوى الفعلي لا التنظيري.
وأن تعريف الدولة وقع في عدة تخصصات علمية، منها القانوني والأنثروبولوجي والسياسي ..إلخ. ثم حدد تعريف المفكر العربي عبدالله العروي كتعريف ممكن ومرن، وهو أن الدولة "أدلوجة، وجهاز". والمقصود بالأدلوجة، وفق ما أشار الطريقي، هو وضع تصور للعالم، وبالتالي تحديد مصدر السيادة فيه، والأهداف من السياسة والسلطة والحق.
وأضاف الباحث أن الدولة المدنية جاءت، وفي العالم الغربي كمثال إن صح التعبير، تعويضاً للدولة الثيوقراطية أو الكنسية، وخلص إلى أن الفرق بين الدولتين يكمن في رؤيتهما للعالم؛ حيث ترى الدولة المدنية، أن الحقيقة ليست مسألة خارجة عن تدخل الإنسان، وبالتالي، الإنسان هو من ينتجها، وهو من يتحدث عنها ويصنعها. وبالتالي، فإن تفسير الوجود ينطلق من الأسفل إلى الأعلى، بداية من الإنسان. وفي المقابل، الدولة الدينية، تعتبر الحقيقة مسألة خارجة عن تدخل الإنسان، ولا ينجز الإنسان شيئاً لمعرفة الحقيقة الناجزة الجاهزة. وهكذا، لا يكون الإنسان بكل أفكاره وحاجاته، هو محور هذه الدولة.
الانخراط في المعرفة البشرية
من جانب آخر، تحدث أستاذ علم الأديان في جامعة آل البيت الدكتور عامر الحافي، عن التجربة الحضارية البشرية، وعن حالة عربية عامة، تتميز بخوفها من التعاطي مع المصطلحات والأفكار الحديثة، أو العَلمانية؛ حيث تثير هذه المصطلحات التي تتم شيطنتها الخوف في النفوس، وأن هذا يعود ربما، إلى بصمات قوية وضعتها العلاقة التاريخية مع الغرب الذي لا نريد أن نتعلم منه بعض الأشياء، بسبب وجود نوع من المواجهة، لأسباب استعمارية وسياسية مثلاً.
وأشار الحافي، إلى كتاب باروخ إسبينوزا: "اللاهوت والسياسة"، وكيف أن الكتاب انعكاس إنساني، مثل فيه الإنسان فكره الديني والاجتماعي، وهو ناتج عن عقل وتجربة الإنسان على الأرض، وكلاهما: الدين والسياسة، ناتجان عن الإنسان.
ورأى أن أحد أسباب انغلاقنا الديني والثقافي في حالات عديدة، سببه عدم انخراطنا في المعرفة البشرية؛ لأننا نعتقد بأننا خلصنا إلى كل المعرفة في هذا العالم، ولا نحتاج إلى جدل معرفي بعد، ومن زاوية أخرى، رأى أن فكرة تطبيق الشريعة بتفويض إلهي، فكرة لها وقعها وفعلها التاريخي منذ عهد الفراعنة، ومازالت آثارها قابعة فينا إلى اليوم. بينما أن العلمانية ليست مبتكراً غربياً كما نظن، بل هي تراث إنساني، لكن الشعور بالتميز، منعنا من الاقتراب من التجربة الإنسانية الكونية إن صح التعبير، علماً أن فلسفات البشر، أقدم من مجرد جهتين؛ شرق وغرب، بل هي متنوعة ومتعددة، وبالتالي، كيف نحسن التعامل مع الفقه الديني مثلاً، في ظل عدم قدرتنا على التعامل مع فقه الحياة والعلاقات البشرية الكونية، معرفياً وثقافياً ..إلخ.
وخلص الحافي إلى وجود رؤية تتمثل في أن الإنسان "ناقص والنص كامل"، وهذا يتناقض اليوم، مع حقوق إنسانية، باتت راسخة وكونية، منها حق الإنسان في التفكير وحق الاعتقاد، وحق حصوله على تمثيل في دولة عادلة أيا كانت معتقداته، منوهاً إلى أنه "لا توجد دولة عادلة، إن لم تمنح الإنسان مستوى حرية يمكنه من التفكير والإنتاج"، كما أن العدالة، تكمن في وجود خطاب إسلامي معاصر، يصهر التجربة الإنسانية الحديثة، على مستوى الفكر والدولة، في بوتقته؛ لأن المشكلة في الدولة، لا تنفصل عن مشكلتنا في التصورات الدينية الناجزة.
الوعي الشقي
من جهته، ركز رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية الدكتور ضرار بني ياسين حديثه عما أسماه "الوعي الشقي"، الذي مازلنا نعيشه منذ قرون عديدة؛ إذ رأى أن له وجهين، منها وجه التراث؛ إذ إننا ما زلنا نطرح نفس الأسئلة الأولى منذ قرون، مما يجعلنا نعيش عصاباً مع حاضرنا ومع ماضينا. ثم وجه الحاضر، الذي لا ننفك نشده إلى الوراء، وأعطى مثالاً عن الدول المتقدمة تكنولوجياً وصناعياً، والتي لم تقم بهدم معتقداتها الدينية كحاجة للتقدم.
ونوه بني ياسين إلى أن مقارنة بين دولة دينية ومدنية، يفضي إلى ارتباك معرفي، بسبب عناصرها المعقدة على أرض الواقع، وهي: الدين والسلطة والسياسة والتاريخ، وتوظيف كل هذا في عقد هذه المقارنة.
ومن ناحية تاريخية، فإن الإنسان في عصر التنوير، لجأ، وفق الباحث، إلى عقله، في محاولة شجاعة للانفصال عن الموقف الطبيعي، والاقتراب من الاجتماعي والسياسي، مبتعداً بشكل ما عن ارتباط الدولة بالدين. ومن ثم طرح أسئلة جديدة على مستوى الدولة والوجود.
وقال بني ياسين أن الفترة الحالية فيما بعد الحداثة، سمحت أيضاً بوجود نقد للعقل التنويري، وهذا ما جعلنا ننتهي من فكرة وجود عقل سياسي أو علماني بامتياز، أو عقل ديني بامتياز، وقد شهد العالم عودة للديني بعد نداءات عن الاعتصام بالعقل وحده.
وتساءل بني ياسين في ختام حديثه: هل تقتضي الحكمة اليوم تنحية الدين، في حال أنه يمثل نوعاً من الازدهار الروحي للفرد، أم أن قواعد الديمقراطية والحرية الحديثة، تضمن له صيغة تشاركية مع السياسة الوضعية، وأين حدود تعالق السياسة والسلطة والمجتمع المدني مع الدين، وأين نقاط افتراقهما؟ إذ يرى الباحث أنهما يتداخلان وينفصلان، حسب طبيعة المشروع الاجتماعي لممثلي السلطة في الدولة.