ندوة: الدين والعلم من منظور فلسفي
فئة: أنشطة سابقة
نظمت "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" ندوة علمية دولية بعنوان "ندوة الدين والعلم من منظور فلسفي"بشراكة مع مختبر "التاريخ والعلم والمجتمع"، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، بمشاركة عدد من الباحثين المختصين. وقد تضمّنت الندوة أربع جلسات علمية قدمت خلالها أربع عشرة مداخلة.
وانطلقت الندوة، التي التأمت أشغالها بفضاء مدرج مركز دراسات الدكتوراه، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة الجديدة المغربية، يومي 1 و2 أبريل2015، بجلسة افتتاحية تناول فيها الكلمة كل من السيد عميد الكلية السيد حسن قرنفل والمدير العام لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، السيد محمد العاني؛ ومدير مختبر "التاريخ والعلم والمجتمع"، السيد عبد النبي مخوخ؛ الذين بينوا في كلماتهم أهمية موضوع الدين والعلم في الدراسات الفلسفية القديمة والمعاصرة، وضرورة الاهتمام به من طرف المفكرين والباحثين العرب في واقعنا العربي الراهن، وأوضحوا أن الندوة تتنزل في هذا الإطار من الاهتمام المشترك بين كل من المختبر والمؤسسة بهذه المسألة بالغة الأهمية.
هذا وقد رحب كل من السيد العميد والسيد مدير المختبر بالضيوف من باحثين وأكاديميين، بعد توجيه الشكر الجزيل لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" على دعمها الكبير لهذا النشاط، والتعبير عن رغبتهما في أن تكون هذه الندوة مقدمة لأنشطة مشتركة مقبلة. وقد كان المنسق العام للندوة، الأستاذ عبد النبي الحري ، قد ركز في كلمته المقتضبة على الإشارة إلى أهمية المحاور العامة التي ترمي أعمال الندوة إلى طرحها؛ فهي تبدو واعدة بإثارة أسئلة عديدة أخرى على المفكّرين والباحثين.
وتضمن اليوم الأول من الندوة، جلستين علميتين؛ ترأس الجلسة الأولى الأستاذ محمد مزوز، وقدمت خلالها ثلاث ورقات علمية؛ الأولى للأستاذ عبد النبي مخوخ (المغرب) بعنوان " العلم واللاهوت في فلسفة نيوتن الطبيعية"، والثانية للأستاذ بناصر البعزاتي (المغرب) بعنوان " الإيمان الديني والعلم:
إسحاق نيوتُن والألوهية مثالاً"، والثالثة للأستاذ محمد لشقر (المغرب) وعنوانها " علاقة الدين والعلم عند برتراند راسل".
وقد سعى الأستاذ عبد النبي مخوخ، في مداخلته، إلى معالجة إشكالية العلاقة القائمة بين العلم واللاهوت في فلسفة نيوتن الطبيعية، حيث عمل على بسط جملة من الأفكار، منها:
_ خلافا للموقف الوضعاني الذي نظر إلى اللاهوت النيوتني بوصفه مجرد انشغال هامشي أو ملحق لا يتوافق مع عقلية نيوتن ومنهجه العلمي، سنحاول إبراز أن نيوتن انشغل كثيرا باللاهوت على مدى حياته العلمية. الشيء الذي يسمح بالقول إنه يشكل جزءا لا يتجزأ من فلسفته الطبيعية.
_ لم ينشر نيوتن إلا النزر القليل من كتاباته اللاهوتية؛ بل إن النصوص المنشورة تتسم، في مجملها، بالبساطة والسطحية ولا ترقى إلى مستوى النصوص التي ظلت مخطوطة. وخلافا لموقف سائد في الأبحاث النيوتنية، يرجع عزوف نيوتن عن نشر كتاباته اللاهوتية إلى بنيته النفسية؛ إلى ميله لتفادي الجدالات المؤرقة، سنحاول إبراز أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير. إنه يعود بالأساس إلى عوامل فكرية وسياسية ودينية.
كما عمل على إبراز أن اللاهوتي النيوتني يرتبط ارتباطا صميميا بعلمه. إنهما يرتبطان ببعضهما البعض بعلاقة جدلية.
أما الدكتور بناصر البعزاتي، فقد وقف عند مثال الفزيائي إسحق نيوتن (وف 1726)، الذي لم تكن علاقتُه مع الكنيسة على أحسن ما يرام، والذي اختلفت في شأنه وجهاتُ النظر، من منطلقات إبِستِمولُوجية مختلفة. ولكن نيوتن استند في مواقفه من المعتقد الديني إلى أجيال من المفكّرين قبله. وقد كان فعلاً في خلاف مع التصوّر السائد في نطاق الكنيسة حول الألوهية والنبوّة، لكن لم يكن ضدّ الإيمان الديني جملة. وربّما كان مِثله أبو بكر الرازي (وف 313/925)، الذي رُمي بكل التُّهم (!)، وسِرڤيتُس
(- 1553) الذي أحرِق.
وقد عاد إلى الماضي للكشف عن كون الخلاف لا يوجد بين العلم والدين فحسب، بل المذاهب الدينية بالذات في خلاف بيّن حول تصوّر الألوهية ومسألة النبوّة؛ فالمسيحية عرفت خلافات بين الموحّدين والمثلّثين خلال قرون عديدة، وعرف الإسلام خلافات بين المنزّهين والمجسّمين. والخلافات لا تنتهي بانتصار تصوّر على آخر؛ إذ التصوّر المنهزم يطوّر أفكاره ويتكيّف مع المستجدّات، في الهوامش على الأقلّ.
وقد استنتج أن الإيمان الديني لا يتعارض مع الفاعلية العلمية، إذا حُدّدت مجالات القول بناء على توزيع معقول. غير أن الواقع يرينا أن الصراع بين المعتقدات الدينية يستمرّ في الاحتداد، ولكن ليس لأن العلم ذو شأن في ما يجري، وإنما لكون الدين ينخرط في صراع سياسي واضح.
وأما الأستاذ محمد لشقر، فقد أوضح أن البشرية لم تعرف فصلا حقيقيا بين العلوم الطبيعية والعلوم الماوراء طبيعية إلا خلال القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا، ومع التراكم الكبير في الإنجازات العلمية، طرح السؤال حول مكانة الدين عموما ومدى نجاعة النظرة الدينية للعالم خصوصا.
وقد وقف في ورقته عند الفروقات المتحققة من جهة، والقواسم المشتركة الممكنة من جهة أخرى، ما بين العقيدة الدينية والنظرية العلمية. وذلك مع التركيز بالكلية على إسهام فيلسوف معاصر شغلته قضية علاقة الدين بالعلم ليخصها بمؤلف مفرد. سنحاور إذن، برتراند راسل من خلال مؤلفه "علم ودين"، والذي يلقي من خلاله الرجل بعضا من الضوء حول خفايا علاقة أسالت الكثير من المداد خلال تاريخ الفكر الإنساني.
والتأمت الجلسة العلمية الثانية تحت عنوان " الدين والعلم في عصر الثورة العلمية والتقنية " برئاسة الأستاذ بناصر البعزاتي، قدم خلالها الأستاذ طارق أوبرو (فرنسا) ورقة بعنوان " العلم والدين من منظور معاصر"، ناقش فيها مجموعة من القضايا التي ترتبط بعلاقة الإسلام بالعلم والإعجاز العلمي في القرآن وغيرها من المسائل التي تطرح عند المسلمين المعاصرين والمرتبطة بعلاقة العلم والدين.
وتناولت ورقة الأستاذ مراد زوين (المغرب) بالدرس "الإسلام والعلم". وقف فيها عند محطتين أساسيتين: في المحطة الأولى، والتي تشمل القرون الأربعة الأولى للهجرة ، حاول التركيز على استعراض المحطات العلمية الكبرى والمكانة التي تمثلها الممارسة العلمية في فضاء الثقافة العربية الإسلامية، والغايات الأساسية كالدفاع عن الإسلام من المذاهب الدخيلة كالغنوصية وغيرها، وحاجيات المجتمع الإسلامي والمدينة الإسلامية.
وفي المحطة الثانية، حاول التركيز على أهم جدال في أواخر القرن التاسع عشر، بين مفكرين عربيين يشتركان في الانتماء إلى نفس الحضارة( الحضارة العربية الإسلامية) ويختلفان في العقيدة، واحد يعتنق الإسلام دينا وهو محمد عبده، والثاني يعتنق الديانة المسيحية دينا له وهو فرح أنطون. سنهتم بجدالهما من خلال أجوبتهما عن السؤال المحوري: أيهما كان أكثر تسامحا مع العلم والعلماء، الإسلام أم المسيحية؟
والمحطتان معا، يبغي من ورائهما الباحث تبيان العلاقة بين الإسلام كحضارة وتاريخ والعلم كأداة لسبر أغوار الطبيعة وقوانينها، بهدف خدمة الإنسان والمجتمعات البشرية، وهو الهدف الذي يسعى إليه كل من الدين والعلم، بعيدا عن الغلو والتطرف في هذا الاتجاه أو ذاك.
واختتمت الجلسة العلمية الثانية بورقة علمية للأستاذ عبد الواحد العلمي (بلجيكا)، وجاءت بعنوان " إشكالية العقل والروح والمادة داخل العلوم المعرفية والعصبية: نقد التفسير العلموي للدين"، حاول فيها التعريف بالاتجاهات الأساسية لمقاربة الدين داخل العلوم المعرفية والعصبية من خلال إشكالية ثنائية الروح/العقل والمادة مبينا الأصول الدينية والفلسفية للإشكال منذ أفلاطون مرورا بديكارت إلى العلوم المعرفية.
ثم حاول في قسم ثان من الدراسة تبيان النقد الابستمولوجي والفلسفي والعلمي الذي وجه للاتجاه المادي داخل العلوم المعرفية والعصبية.
وافتتح اليوم الثاني من الندوة بجلسة علمية ثالثة، التأمت تحت رئاسة الأستاذ مراد زوين بعنوان "الدين والعلم إشكالات وتحديات" قدمت خلالها ثلاث ورقات علمية: الأولى مشتركة بين كل من الأستاذ محمد الأمين الركالة والأستاذ كريمة حليم (المغرب) بعنوان " إشكالية العلاقة بين الإسلام والعلم الحديث عند العلماء الجدد"؛ والثانية للأستاذ إدريس هواري (المغرب) وجاءت بعنوان " العلم والدين ومسألة القيم"؛ والثالثة أحمد كازا(المغرب) عنوانها "الدين والعلم أية علاقة".
وعمل الأستاذان، محمد الأمين الركالة وكريمة حليم، في مداخلتيهما، على مساءلة، من جانب، مواقف باحثين غربيين؛ هما ليف ستنبرغLeif Stenbergوستيفانو بيغليارديStefano Bigliardiمن مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند بالسويد، من الاجتهادات التي تتفاعل داخل الحقل المعرفي الإسلامي خاصة قضية أسلمة العلوم.
كما عملا، من جانب آخر، على تحليل تصور العلاقة بين الإسلام والعلم الحديث عند من أصبح يطلق عليهم اسم العلماء المسلمين الجدد ممثلين في فيزيائيين فلكيين؛ هما عبد الحق برونو كيديردونيAbd-al-Haqq Bruno Guiderdoniمدير مركز البحوث والدراسات الفلكية بليون – فرنسا، ونضال قسوم البروفيسور ومساعد العميد في كلية العلوم والفنون في الجامعة الأمريكية بالشارقة بالإمارات العربية المتحدة.
وقد ركزت ورقة الأستاذ إدريس هواري على بيان أن سؤال القيم العلمية والقيم الدينية يصبح سؤالا راهنا بالنسبة إلى لمجتمعات التي تعرف تأخرا في تاريخها، لأنها تعيش تمزقا وجوديا بين ما تملكه من قيم وما يوجد في سوق القيم.
وقدم الأستاذ أحمد كازا قراءة تنطلق من القضية التالية، وهي أن الصراع ليس بين العلم والدين، بل بين العلم واللاهوت ( رجال الدين ) .
القراءة الموجهة للدين هي ما أجج الصراع ما بين الخطابين ( العلم والدين )؛ النموذج التاريخي في هذا السياق هو الموقف الرافض للنظرية الكوبرنيكية، ودواعيها أو تجلياتها في تاريخ العلم مع جاليلي : فرجال الدين حاربوا ورفضوا التحولات العلمية والمواقف النيرة نتج عن هذا ظهور محاكم تفتيش،
ومعاقبة العلماء .
وأما الجلسة العلمية الرابعة والأخيرة، فقد جاءت بعنوان "الدين والعلم: مقاربات فلسفية متعددة"، وقدمت خلالها أربع ورقات علمية؛ الأولى للأستاذ محمد مزوز(المغرب) بعنوان " من مفهوم الواحد إلى مفهوم العلم؛ والثانية للأستاذ سعيد البوسكلاوي (المغرب) بعنوان " تكامل المعرفة والدين في فلسفة يحيى النحوي "؛ والثالثة للأستاذ محمد نعيم (المغرب) بعنوان " كيمياء جابر بن حيان: علم في أحضان الدين"، والرابعة للأستاذ عبد الهادي مفتاح بعنوان "نقد المفهوم الديني للعلم"
وقد انطلق الأستاذ محمد مزوز من فرضية مفادها أن ظهور مفهوم العلم في ثقافة معينة يرتبط بمفهوم آخر يسبقه أو يتزامن معه، ألا وهو مفهوم الواحد. ففي الثقافة اليونانية، ارتبط مفهوم العلم بتصور الحكماء الطبيعيين الأوائل لمفهوم الواحد، وذلك حينما اعتبروا أن "الواحد هو الكل". أما في مجال الثقافة الإسلامية، فقد ظهر تصور آخر لمفهوم الواحد، ألا و هو مفهوم الواحد في صيغته الإلهية. ولذلك جاءت العلوم التي نشأت في حضن هذا المفهوم مطبوعة بخصائصه، ونعني بها علوم الحديث والتفسير، وعلوم الفقه وأصوله، وعلوم أصول الدين، وعلوم التصوف. لقد اعتبر المسلمون أن العلم قد اكتمل، وأن المهام المطروحة عليهم تكمن في تبويبه وتدوينه فقط.
وعندما وفدت علوم الأوائل إلى حقل الثقافة الإسلامية، وقع نوع من الصدام بين نظامين معرفيين متباينين، حددهما المرحوم محمد عابد الجابري في: نظام البرهان من جهة ونظام البيان من جهة أخرى، لينضاف إليهما نظام العرفان فيما بعد. ولذلك، وجد الفلاسفة المسلمون أنفسهم في موقع الدفاع والتبرير: الدفاع عن الفلسفة، وتبرير الخطاب البرهاني. وهذا ما عرف في تاريخ الفلسفة الإسلامية بإشكالية التوفيق، مما استدعى ضرورة "فصل المقال" بين خطاب العقل وخطاب النقل. وما كان لهذا الاصطدام أن يحدث لولا وجود طبيعتين مختلفتين للعلم، يخترقهما مفهومان للواحد يتباينان كل التباين. فكان "التكفير" المتبادل، ووقعت "محنة" الفيلسوف والمتكلم والفقيه، وكان "التهافت" و"تهافت التهافت".. وغيرها من أشكال الصدام الذي عرفته الثقافة الإسلامية، بمختلف فروعها المعرفية الأصيل منها أو الدخيل.
وقد رام ابن رشد جسر الهوة الفاصلة بين خطاب الحكمة وخطاب الشريعة، من خلال استبعاد علم الكلام الذي يشوش عقائد الجمهور، بيد أن هذه المحاولة لم تبرح زمانها (القرن الثاني عشر ميلادي)، ولا مكانها (الأندلس). فكانت حصيلة الاصطدام، تآكل مكونات الثقافة الإسلامية: علوما شرعية وعلوما وضعية سواء بسواء.
أما الأستاذ سعيد البوسكلاوي (المغرب)، فقد عمل على الكشف عن بعض جوانب التجديد العلميّ والكلاميّ لدى الفيلسوف والمتكلّم النصرانيّ الإسكندرانيّ يحيى النحوي، الذي عاش في القرن السادس الميلاديّ، مع التركيز على إبراز بعض عناصر تفاعل الإيمان والعلم في فلسفته، حيث حاول الجواب عن السؤال التالي: ماهي أهمّ القضايا التي أبدع فيها الفيلسوف المتكلّم الإسكندرانيّ يحيى النحوي وكيف تضافر الإيمان والعلم في إتيان الجديد فيها؟ وإن كان قد ركز أكثر على تبيان كيف أنّ الإيمان لعب دورا في تحرّر يحيى النحوي من الأفكار العلميّة السائدة في عصره (وخاصّة منها الأرسطيّة في مجالات الديناميكا والكوسمولوجيا والبصريّات وغيرها)، ومن ثمّ فتح له آفاقا رحبة نحو التجديد العلميّ من خلال شرحه على السماع الطبيعيّ وكتاب النفس إلى جانب مؤلّفاته السجاليّة في الردّ على برقلس والردّ على أرسطوطاليس، ولم يفوت الباحث أيضا الفرصة لبيان كيف ساهم المنطق في تسهيل تحرّره من الأفكار العقديّة السائدة (أفكار القائلين بالطبيعة الثنائيّة للمسيح كما من أفكار القائلين بالطبيعة الواحدة معا) وفتح له آفاقا جديدة في تفسير النصّ المقدّس وتجديد الفكر الدينيّ من خلال كتابي الحَكَم وفي خلق العالم.
أما الأستاذ محمد نعيم، فقد بسط في ورقته مجموعة من الأفكار الخاصة بكيمياء جابر بن حيان وفصّل القول فيها بالكشف عن الهوية الإبستمولوجية لعلم الكيمياء العربية والوقوف على التشابكات التي تجمعه مع الدين ومحاولة تقويمها على ضوء تاريخ العلوم عموما وتاريخ الكيمياء على وجه الخصوص.
واختتم الأستاذ عبد الهادي مفتاح أعمال الجلسة العلمية الرابعة، بالتأكيد على قدم العلاقة بين العلم والدين؛ فقد نشأ العلم كممارسة دينية وتطور في أحضانها إلى حين ظهور العلم الحديث، ولأنها كانت علاقة هيمنة وإخضاع، فقد أعاقت مسيرة تطوره إلى أن حقق استقلاليته النسبية إبان عصر الأنوار، لاسيما بالنظر إلى اختلاف منطق كل منهما، ذلك أن غاية الدين هي الإيمان، بينما يسعى العلم إلى فصل الممكن من المستحيل وإنجازه علميا. أما الثقافة العربية الإسلامية التي يشاع عنها أنها تحض العلم، فلم تكن بأفضل حال، ذلك أنها بخّست الفلسفة والعلم، وتبنّت مفهوما أحاديا وضيقا لكل من العلم والعقل، فأعلت من شأن العلوم الشرعية ونبذت العلوم الطبيعية، باعتبارها بضاعة كاسدة وفاسدة كما تشهد على ذلك معظم النصوص التراثية. مما كان له انعكاس خطير على تاريخها ماضيا وحاضرا، فهي لا تزيد عن كونها حضارة فقه ونقل أكثر مما هي حضارة علم وعقل .