ندوة: الصوفية والجهاد

فئة: أنشطة سابقة

ندوة: الصوفية والجهاد

انعقدت ندوة ''الصوفية والجهاد'' بمقر مؤمنون بلا حدود وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بتونس العاصمة، يومي الجمعة والسبت 9 و10 ديسمبر الجاري، بالاشتراك بين مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث والجمعية التونسية للدراسات الصوفية. وقد افتتحت بكلمة ترحيبية ألقاها باسم المؤسسة د. نادر الحمامي، ثم قدم د. صابر سويسي المشرف على وحدة الدراسات الصوفية بالمؤسسة كلمة افتتاحية، تلاه د. توفيق بن عامر، منسّق أعمال الندوة، بمداخلة تمهيدية بعنوان: "أطروحات حول الصوفية والجهاد" عرّج فيها بصفة إجمالية على كل ما يتعلّق بالمسألة الصوفية من هوامش ومسائل، مثّلت مجالات منفتحة بشكل متواصل على إمكانيات البحث والتقصي لتحقيق معرفة أكثر دقة بالتراث الصوفي، واستلهام القيم التي قامت عليها الصوفية، باعتبارها جامعة بين جانبين يلخصان قيمة الإنسان ووجدانيته؛ وهما الجانب الروحي والجانب الإنساني، وأشار في متون ذلك إلى مسألة الجهاد في الإسلام وعلاقاتها بالجوانب الصوفية، وما يثيره ذلك من أسئلة تعتبر منطلقات ضرورية للتفكّر والنقاش.

وانطلقت من ثم أعمال الجلسة العلمية الأولى بمداخلة د. محمد بن كيران (المغرب)، بعنوان ''موقف الصّوفية من الجهاد بين المقتضيات المنهجية والشواهد التاريخية''، الذي أشار بداية إلى أن قضية "الجهاد" عموما وعند الصوفية على وجه الخصوص، هي إحدى القضايا التي تتميز بالكثير من الأهمية، وتثير جملة من الإشكالات المعرفية والمنهجيّة والتاريخية، المرتبطة من ناحية بالتصوّف إنتاجا معرفيا لم يحظ بالقراءة الموضوعية والمنصفة، ثم بالظرفية الحالية التي يعيشها العالم الإسلامي الآن من ناحية أخرى. وأكّد من ثم على الشروط المنهجية الواجب التقيد بها أثناء النقاش تلافيا لما يقع عادة في موضوع التصوف من التجني وتحريف الحقائق. واعتبر أن المقصود بالمقتضيات المنهجية في هذا العرض هو هذا الإطار المنهجي الصارم الذي لا يسمح بغير التناول الموضوعي والمثمر للاستنتاج الصحيح والسليم. وركز المحاضر على أهمية النموذج الصوفي في هذه القضية بالنظر إلى أمور كثيرة أبرزها؛ اختصاصه بمهمة التربية، وقيامه بتأطير المجتمع الإسلامي فكريا وأخلاقيا لقرون طويلة. وأشار ثانيا إلى أن هذا الاختصاص لم يأت من فراغ، وإنّما هو نتاج مؤهّلات وخصوصيات يتمتع بها هذا النّموذج ويتميّز بها عن غيره. ودعا إلى تحديد التمثيلية الحقيقية للتصوّف في هذه القضية كما في غيرها من القضايا تنظيرا وتطبيقا، وذلك لأن النقاش ينحرف منذ البداية حينما يحاكم التصوف بتهم يقترفها ''الأدعياء والجهلة'' ممن يحسبون عليه أو هكذا يراد. وأكد على ضرورة بحث القضية في إطار المركب المفاهيمي العام، والقاعدة التصوّرية الشمولية عند الصوفية، إلى جانب ضرورة المزاوجة بين الأخلاقي والعلمي في تناول هذه القضية في تراث الصوفية، لأن كثيرا من القراءات المناهضة للتصوف تعاني من أزمة في هذين الجانبين، حيث يغدو التحامل والهوى والانتقائية والأحكام المسبقة وغير ذلك، يتحكم في الاستنتاجات والقرارات. وخلص بالتالي إلى اعتبار ضرورة القراءة الواعية والمنصفة والمستوعبة للوقائع التاريخية في هذه القضية، والعمل على تحليلها بغرض الاستفادة منها واستثمارها في اتجاه إعادة إنتاج النموذج، وتجاوز التخلف المريع الحاصل في هذا المجال.

وقدّمت الأستاذة هالة بن إبراهيم (تونس)، مداخلة بعنوان ''المنهج الفقهي في تعريف الجهاد''، سعت فيها إلى إبراز علاقة الفقه بالجهاد باعتبار الجهاد مفهوما فقهيا أقره الفقهاء على أساس تعريف مخصوص للمفردة يتجاوز التعريف اللغوي، وهذا التعريف الدلالي ينهض على جملة من الوظائف تؤصّل بالرجوع إلى النص في بعديه القرآني والحديثي. وبينت تبعا لذلك معنى الاجتهاد من منظور فقهي؛ أي الحد ثم الأصناف والوظائف، لتتساءل بعد ذلك عن مدى حجية ما أقره هؤلاء من أحكام تعد من متعلقات الجهاد، وتكتسي بعدا عمليا وأخلاقيا ملزما. واعتبرت أن مناقشة هذا المفهوم كما رسخه الفقهاء لا يمس جوهر النصوص الأصول المعتمدة (قرآن – حديث...) بل يتعلق بطرق قراءة هذه النصوص الأصول وسبل تفسيرها ومناهج الاستدلال المعتمدة في التعامل معها. وتوصّلت إلى اعتبار أن فهم سبل التّعامل الفقهي مع "النص" يقتضي فهم الأنساق الفكرية التي حكمت هؤلاء، وهي انساق تخشى تصدّع الوحدة العقدية والسّلوكية داخل المجتمع الإسلامي، ومن ثم تساءلت عن مدى وفاء هذا المفهوم الفقهي لأهم مقومات الدين الإسلامي في جوهره، ومدى وفائه لمنهج التعامل مع الآخر ومع الذات. وتساءلت عن منزلة الجهاد اليوم في وضع كوني حرج تنتظمه مقولات متضاربة، فمن حداثة وعولمة في إطار حواري بين الأنا والآخر إلى بناء معرفي مغلق قوامه الانكفاء على الذات والسعي في صد الآخر، بل في تقتيله وتدميره باسم الجهاد.

وقدّم د. زعيم خنشلاوي (الجزائر) مداخلة بعنوان ''الوظيفة الوقائية للمؤسسة الصوفية في الديار المغاربية''، استهلها بالإشارة إلى أن الجهاديّ في مفهومه السامي ليس قتاليا، اعتمادا على مجموعة من النماذج والتفاصيل عن المنطقة المغاربية من أجل بيان الوظيفة الوقائية للمؤسسة الصوفية، ودعا إلى ضرورة النظر إلى مفهوم الجهاد في بعدية الفاعل والمنفعل، واستجلاء التكامل والتشابك بين البعدين في مستوى الوظيفة التي تعلنها المدرسة المغاربية. وقد أشار إلى أن الحركات الصوفية كانت بمثابة الدرع الواقي للمجتمع، حيث جاهدت التيجانية، مثلا، ضد المستعمر، كما ذكر موقف عبد القادر الجزائري من المسيحيين في الشام، وكيف أنه حاربهم في الجزائر لا لاعتبار انتمائهم العقدي، بل لاعتبارهم غاصبين ومستعمرين، وذكر إلى جانب ذلك مراوحة الرباطات بين حاملي السلاح وحاملي المعرفة، وقال بأن هذا التكامل ضروري حتى لا يقع انحراف.

ثم قدّم في الجلسة الثانية د. محمد بن الطيب (تونس) مداخلة بعنوان ''العلاقة بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر''، أشار فيها إلى أن من أشهر الأحاديث التي يعتمد عليها المتصوفة في التأصيل لمذهبهم والتشريع لطريقتهم، حديث منسوب إلى الرسول مختلف في تخريجه وفي درجة صحته، وهو أنه قال في عودته من إحدى غزواته: «رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر. قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ فقال: جهاد النَّفس»، وعمّق المُحاضر البحث في هذين المفهومين المركزيين في التجربة الصوفية، وبيّن طرائق أقطاب الصوفية في التنظير لهما ووجوه استدلالهم على تقديم جهاد النفس (الجهاد الأكبر) على جهاد العدوّ (الجهاد الأصغر)، واستجلى في الأخير وثاقة العلاقة بين هذين المفهومين عندهم وكيف أبرزوها، وتبين مدى صحة اتهام خصومهم إياهم باتخاذهم جهاد النفس ذريعة للقعود عن جهاد العدو، وذلك بالاعتماد على نماذج ممثلة من نصوص أعلام التصوف قديما وحديثا.

وقدّمت الأستاذة. أسماء خوالدية (تونس)، مداخلة بعنوان ''في الفتوة الصوفية أسّا للجهاد من كبت رعونات النفس إلى بذلها هدايا ونذرا''، أشارت فيها إلى أن الجهاد وفْق المنظور الصّوفيّ يعتبر جهادا سلوكيا عمادُهُ تنقية النفس من شوائبها وكبت رعوناتها وذلك استنادا إلى معاني الإيثار والنجدة والتعفّف... واعتبرت أنّ الفتوّة هي القيمة الأُمّ التي صاغت مفهوم الجهاد وشكّلته وذلك وفْق سيرورة نامية ما انفكّت تتلوّن بحسب الوقْتِ سِلما أو حربا، وبحسب الحال خوفا أو بَسْطًا، وبحسب المقام ومراتبه... وقد بيّنت أنه لئن ارتبطت الفتوّة بالفروسيّة والإقدام في ظاهرها فإنّها أبانت باستمرار عن سماحة في البذل ورغبةٍ في العطاء غير مشروطة، سواء أكان الإيثار بالخدمة أو السمعة أو المهجة... واستندت إلى ذلك لتقول بأن الجهاد صار من أمارات الرجولة وصارت الفتوّة من صفات الرجال.

وقدّمت الأستاذة. سعاد الجوني (تونس) مداخلة بعنوان ''التصوف والجهاد في الفلسفة: ابن سينا نموذجا''، أشارت فيها إلى اهتمام ابن سينا بمبحث التصوّف في مصنّفات مختلفة، توزّعت بين رسائل متفرّقات وقصص رمزيّة من جهة، وفي واحد من أمّهات كتبه، من جهة ثانية، هو كتاب الإشارات والتّنبيهات. وبنت على ذلك انشغاله بالمسألة في كامل نسقه، وقالت بأن التصوّف ليس من المسائل العرضيّة التّابعة واللاّحقة لغيرها، وإنّما هو مبحث أصيل ويمثّل قسما من أقسام فلسفة الشّيخ. واعتبرت أن هذا الانتشار يُحيل أيضا على منزلة التصوّف في الفلسفة عموما، وعند ابن سينا على جهة التّحديد. وعملت من ثم على الإحاطة ببعض وجوه التّلازم والتّنافر بين بعدي التصوّف والجهاد عند ابن سينا، باتّجاه النّظر في كيفيات تناول الشّيخ لمفهوم الجهاد بالنّظر إلى أسلافه فلاسفة ومتصوّفة. وقد حاولت الوقوف عند طبيعة القراءة الفلسفيّة لحدّ مصطلح عُرف بنِسبته إلى التصوّف. والكشف من ثمّة عن منزلته عند الفيلسوف مقارنة بالمتصوّف. وتساءلت من ثم: هل شرّع ابن سينا للجهاد على النّحو الذي وجده عند المتصوّفة أم أنّ له تمثّلا مُغايرا للمفهوم يؤكّد من بعض الوجوه طرافة التصوّف عند الفيلسوف؟ واعتبرت في الختام أنّ المقوّمات النظريّة هي المحدّد الأساسي لقراءة مسألة الجهاد في التصوّف، واستنادا إليها يتسنّى فهم موضِعه من الفلسفة.

وقدّم د. عبد السلام حمدي (تونس): ''الجهاد في مؤلفات الطريقة الحسنية''، انطلق فيها من اعتبار الحسنية طريقة صوفيّة تندرج في إطار ما تسمّيه بعض الأوساط الطّرقيّة بـ «تصوّف الإرادة»، وتعني اتّباع شيخ تربية من الأحياء، وهو بالنّسبة إلى هذه الطّريقة حسن الهادي العكريمي أصيل قرية بئر الحفي من منطقة سيدي بوزيد. وبيّن أن لهذا الشّيخ وبعض أتباعه من المؤلّفات المنشورة والتّدوينات الإلكترونيّة ما يتيح الوقوف على رؤاه وآرائه، ولاسيّما المتعلّق منها بالقضايا الرّاهنة الحارقة، وفي مقدّمتها قضيّة الجهاد. وقال إن لهذه القضيّة حضورا في الخطاب الحسنيّ، ضمن المشار إليه من المؤلّفات والتّدوينات، يلفت النّظر بسياقاته اللّغويّة وحيثيّاته غير اللّغويّة، واعتمد على هذه الحيثيّات وتلك السّياقات لإزالة السّتار عن دلالات الجهاد، في المنجز القوليّ الصّوفيّ الآنيّ، وأبعادها المعرفيّة والاعتقاديّة والاجتماعيّة، وانتقل من ذلك إلى التساؤل عن: مدى تقيّد الطّريقة الحسنيّة، في تناولها القضيّة، بمقوّمات التّصوّف من الأسس النّظريّة، وعن حظّ خطابها من الرّاهنيّة في ظلّ ما يشهد محيطها الاجتماعيّ من نزعات مرتبطة بمفهوم محدّد.

  وقدّمت الأستاذة. مريم جاب الله (تونس)، مداخلة بعنوان ''جهاد المعرفة في التصوّف عبر آلية التأويل''. تناولت مسألة جهاد المعرفة في التصوّف، ونظرت في هذا الموضوع من خلال رحلة الصّوفي نحو المعرفة، وهي تتمّ عبر حركتين؛ رحلة حقيقية تتمّ عبر التنقل والسفر، ورحلة مجازية تتمّ عبر تأويل النّصوص والإلهام وتحويله إلى كتابة للوصول إلى كشف الحجب؛ أي المعرفة المطلقة الالتقاء بالذات المطلقة أي الذات الإلهية. وبيّنت المحاضرة التّشابه بين الجهاد، باعتباره حركة فيها المكابدة والجهد والرغبة في الشهادة لملاقاة الله والجهاد في المعرفة كحركة بحث وتأمّل وسفر وتعبّد للاتصال بالذات الإلهية، أي المعرفة في جوهرها عبر الانكشاف وعبر تجلي الكائنات في والأشياء في العالم في كنهها؛ لذلك انقسم بحثها للمسألة إلى قسمين؛ الأول جهاد المعرفة رحلة الحقيقة والمجاز والقسم الثاني جهاد المعرفة والإحالة على مفهوم الانكشاف والتماهي مع المعرفة المطلقة. 

وفي إطار الجلسة الثانية، قدمت الأستاذة منى بعزاوي (تونس)، مداخلة بعنوان ''الخانقاوات ودورها في تفعيل الجهاد: خانقاه سيدي عون أنموذجا''، أشارت فيها إلى أهميّة التصوّف في تحقيق قوة روحيّة، منفتحة على تحكيم الحق في كل عمل، من أجل نصرة الإسلام والنهوض بالمسلمين، في إطار مكافحة الفكر الظالم، ومقاومة المستعمر. لذا كانت الخانقوات الصوفيّة فضاءات دينيّة وعلميّة واجتماعية وسياسيّة، تمارس أنشطتها بشكل يوميّ وموسميّ، ماديّ ولا ماديّ، وقد امتد تاريخها منذ القدم إلى اليوم. وفي هذا الإطار، ركّزت على الخانقاوات في التصوّف العربيّ الإسلاميّ، خانقاه "سيدي عون بولاية سيدي بوزيد" أنموذجا، بما هي فضاء مغلق أو شبه مغلق. واعتمدت الباحثة على هذا الأنموذج، لوصف بعض هذه الفضاءات في الجمهورية التونسيّة، والكشف عن مدى أهميتها في تأسيس نمط فكريّ إنسانيّ واجتماعيّ ودينيّ، بينت أنه أسهم إلى حدّ كبير في بلورة أسس الجهاد، والسعي إلى دراسة هذه الفضاءات دراسة وظيفيّة نتبيّن من خلالها أدوارها في محاربة الفكر الظلاميّ داخليا وخارجيا، وختمت مداخلتها بالإشارة إلى تمثل المجتمع لهذه الفضاءات والمتعايشين فيها وتصوّر علاقاتهم بها، ولا سيما أمام تغلغل الفكر "الداعشي" الدخيل بينهم.

وقدّم الأستاذ. محمد العزيز بن زاكور (تونس)، مداخلة بعنوان ''الطرق الصوفية بتونس والجهاد زمن الاستعمار الفرنسي''، أشار فيها إلى أن المجتمع التونسي كان زمن حلول المستعمر الفرنسي سنة 1881م مجتمعا طرقيّا بالأساس بحكم تجذّر الطرق الصوفية فيه واستيعاب النظام الطرقي الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية  والاقتصادية، وقال بأن الطرقية كانت متشكلة في تلكم المؤسسات المنتشرة والمتكاثرة في كل أنحاء البلاد والمسمّاة حسب الاصطلاح التونسي "الزوايا" تتمتع بكثرة المال ووفرة الأتباع من الرجال، وهي مؤسسات دينية بالأساس تأخر ظهورها عن ظهور الرّباطات التي اتخذها الصوفية فضاءات تجمع بين مجاهدة النفس الأمّارة بالسوء ترقّيا بها في مدارج العرفان ومعارجه وبين مجاهدة الأعداء، ولاحظ أن دراسة تاريخ الطرق الصوفية في تونس منذ فتراته المتقدمة يبيّن أنّ العديد من شيوخها قد جمعوا بين جهاد النفس وجهاد العدوّ المتربّص، لكنّ المفارقة تبدو جليّة عند ولوج جنود الاستعمار في الأراضي التونسية، فقد انقسمت الطرق الصوفية إلى شقين متباينين: شقّ أوّل متمثّل في طرق جاهدت وتصدّت وأظهرت للمحتل العداء الجليّ. وشقّ ثان متمثل في طرق تغاضت عن هذا الاحتلال، بل أيّدته وأبدت له الولاء في كثير من الأحيان. ومن هذا المنطلق تساءل عن الأسباب الكامنة وراء هذه المفارقة. وعمد إلى تبيّن مظاهر التأييد والموالاة أو التنديد والمعاداة.

وقدّمت د. ريم بالطيب (تونس)، مداخلة بعنوان ''معنى الجهاد داخل الجماعة الصّوفية الشاذلية في الولايات المتّحدة الأمريكية''، وركّزت فيها على كيفية فهم أتباع الطريقة الصّوفية الشاذلية بالولايات المتحدة لكلمة الجهاد وممارستهم لها. وأشارت إلى طُرُق فهم المجتمع الصّوفي لكلمة الجهاد في علاقتها بتعاليم الصوفية كما لقّنها الشيخ الراحل الفضيلة محمد سعيد الجمال الرفاعي، والزعيم الروحي للطريقة الصوفية الشاذلية وقائد المجلس الأعلى الصوفي بالقدس. في مرحلة أولى، وعرضت ما قالت إنها قامت به من جمع معلومات شخصية لأربعين متصوّف من أتباع الطريقة الشاذلية عبر استبيان إلكتروني. يتضمن الاستبيان أسئلة خاصة بعمرهم وجنسهم وجنسيتهم وبلدهم، وعدد سنين اتِّباعهم لهذه الطريقة الصوفية، وإجابات عن أسئلة متعلقة بفهم كلمة الجهاد، ومعنى إدماجه في الحياة اليومية وكيفية فهمه بالمقارنة مع متصوفين آخرين. وأشارت إلى المصادر والمحاضرات التي كان لها تأثير على مفهوم الجهاد بالنسبة إلى هذه الجالية. واعتبرت أنّ الجهاد عند أتباع الطريقة الشاذلية في الولايات المتحدة ممارسة مرتبطة بالإيمان وتطهير النفس، وأنّ المحاضرات والكتب ونصائح المرشدين تلعب دورا مهما في الحلقات الصوفية الأمريكية. واستنتجت أنّ الممارسة الصوفية الأمريكية هي، بالدرجة الأولى، نتيجة ممارسة فردية وخاصة وحميمية للدين الإسلامي وروحانياته.

ثم قدّم د. محمد النّاصر صدّيقي (تونس)، مداخلة بعنوان ''تعددية أدوار رباطات الغرب الإسلامي: بين المعرفة والجهاد الديني''، أشار فيها إلى ما لعبته رباطات الغرب الإسلامي من أدوار مهمة، تمثلت في دعم المقاومة الثقافية من أسلمة وتعريب، إضافة إلى ما اضطلعت به من دور جهادي تمثل في مراقبة السواحل ضدّ سفن الفرنجة الغازية، وكان لحراك المتصوفة وعلماء المناطق المختلفة في إفريقية والمغرب الأوسط والأقصى، حتى بلاد شنقيط الدور الأساس والمهم في ذلك. ولاحظ أن روافد التصوف المغربي بمرجعياتها المتأصلة في المعارف القديمة، أعطت للتصوف العرفاني مكانة ميزته عن فقهاء السلاطين وفتاويهم الخارجة عن فطرة الإنسان أو تلك الأدوار التي لعبوها بشبهة في خدمة أهداف لا تمت للدين والتدين بصلة. إضافة إلى أدوار المتصوفة التعليمي والتثقيفي، بل تجاوزه إلى نشر الإسلام وتدعيمه في مراحل عدّة من تاريخ المنطقة. فللزوايا الصوفية بمختلف مرجعياتها الفكرية الدور الأبرز في الحفاظ على هوية الغرب الإسلامي. وقال بأن طرق الإمداد التجاري هي ذاتها طرق الإمداد والتدفّق المعرفي، بين حواضر الشمال الإفريقي وبلاد السودان الغربي، فانتشرت الرباطات من سواحل البحر المتوسط إلى جنوب الصحراء وعبر المسالك الكبرى للمرابطة والإصلاح في فك حرابة قبائل الأعراب الغازية وتهذيب دورها من السلب والنهب إلى نشر التعريب والاستقرار وتحويل حرابتها من الداخل إلى العدو الخارجي. وقال بأن المرجعيات الصوفية تمايزت عن أدوار فقهاء السلطة في شرعنتهم للاستبداد وتواطئ السلطان في أكثر من محطة تاريخية، بينما كان لرجال المرابطة والزوايا الدور الجهادي في التصدي لأعداد الداخل والخارج وتبادل أدوارها بين التربية والإعداد إلى بناء المجاهدين.

واختتمت الندوة الدولية ''الصوفية والجهاد'' فعالياتها بمائدة حوارية بعنوان ''الصوفية والعنف، والحاجة إلى التصوّف اليوم''، أدارها د. توفيق بن عامر وشهدت مداخلات عديدة من طرف الباحثين والجمهور.