ندوة: المسلمون في الغرب وأزمة الهوية... تحديث الإسلام أم أسلمة الحداثة
فئة: أنشطة سابقة
استضاف مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي (إحدى مؤسسات مؤمنون بلا حدود) بمقر الأبحاث بالقاهرة يوم الخميس الموافق 30أبريل 2015م، الدكتور عاصم حفني أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ماريبورج الألمانية، في لقاء عرض فيه تجربة ذاتية غنية، وطرح العديد من الأفكار الجريئة والمعلومات شديدة الأهمية عن واقع المسلمين في الغرب، وهو ما استدعى الكثير من الأسئلة والنقاش من قبل الجمهور الذي حضر اللقاء الذي أدار تفاصيله الباحث محمد عزت.
في البداية، كان السؤال متعلقًا بالتجربة الذاتية للدكتور عاصم حفني كشاب أزهري، غادر بلاده، ليبدأ تجربة الاندماج والنجاح في المجتمع الألماني، وعن أبرز التصورات الخاطئة التي كان يحملها عن المجتمع الغربي، عاد الدكتور عاصم بالحضور إلى الماضي لتكتمل الصورة، حيث نشأ حفني في قرية صغيرة بصعيد مصر ودرس بكلية اللغات والترجمة واختار اللغة الألمانية بالصدفة البحتة، ولم يكن يعرف عن ألمانيا سوى بعض أسماء لاعبي كرة القدم، وكان عنده حلم الحصول على منحة للسفر إلى ألمانيا لأسباب اقتصادية بحتة، بالتالي حدثت الصدمة الحضارية له على مراحل؛ في البداية كان الأساتذة في الكلية قد سافروا إلى ألمانيا، فكانوا ينقلون للطلاب بعض المعلومات عن الثقافة الألمانية بإيجابياتها وسلبياتها، ومع هذه المعلومات بدأت بعض التصورات القبلية تتلاشى، لكن بقت بعض الصور الذهنية عالقة بالذهن وترسخت، حتى مرحلة الانتقال الفعلي إلى ألمانيا، كانت أبرز ملامح تلك الصور المغلوطة هي صورة المرأة وصورة العلاقات المنفتحة وصورة الحضارة الغربية، باعتبارها حضارة مادية بحتة، وبعض الأساتذة في الجامعة كان يدرس اللغة دون أن يذكر شيئًا عن ثقافة البلد نفسها، وهذا هو الاعتقاد الخاطئ الذي ينطوي على إيمان بإمكانية تعليم اللغة دون فهم الثقافة الحاضنة لها، مؤكدا أن بعض هؤلاء الأساتذة كان يحاول أسلمة اللغة، عبر تجنب استخدام كلمات متعلقة بالخمر أو لحم الخنزير.
وعن الصدمة الحضارية التي تعرض لها فور وصوله إلى ألمانيا، أكد الدكتور حفني أنها كانت صدمة مادية، ولم تكن صدمة معرفية؛ فالصدمة كانت متعلقة بجودة الحياة في ألمانيا، أما الاحتكاك التالي الذي غير الصور النمطية الباقية في ذهنه، فكان حين ذهب للحصول على درجة الدكتوراه بأحد أهم معاهد الاستشراق هناك، وهو معهد جامعة لايبتسج، حيث كان أستاذ الشريعة هناك "لا أدريًا"، وكانت صدمة إيجابية متمثلة في اكتشاف رجل يفهم كل هذا الفهم في أمور الشريعة الإسلامية ويدرسها للطلاب، وهو غير منتم لأي دين، وبدأ يلمس نجاح الألمان في تنظيم علاقة الدين بالسياسة، وفق نموذج "العلمانية المحايدة"، وكيف أن الإنسان من الممكن أن تتمثل فيه أرقى القيم بدون الانتماء إلى دين بعينه، وعليه بدأ ينظر إلى المنتج المعرفي بدون أحمال التصورات المسبقة، فبدأ يرى كيف أن العلاقات بين الجنسين في ألمانيا شديدة الانضباط والالتزام الأخلاقي بقدر ما تتمتع به من حرية، وكيف يحافظ القانون على الحياء العام، ويقنن في نطاق الحريات كل القيم الإنسانية والأخلاقية .
وحين سئل حفني عن إعجابه بهذا النموذج العلماني المحايد، وإلى أي حد أثرت رحلته في الاندماج مع المجتمع الألماني على تصوراته التي كان يحملها معه، عندما غادر وطنه الأم عن النموذج الأمثل لإدارة الدولة وعلاقتها بالدين، أجاب بأنه حين كان في مصر كان مصطلح "الدولة الإسلامية" يمثل له هدفًا وأملًا، لأنه لم يكن يفهم معنى المصطلح، لكنه أدرك أن ارتباط كلمة الدين بأي شيء تنظيمي سلطوي مؤشر سيئ للغاية، وأن مفهوم الدولة لم يكن واضحا عنده؛ فالدولة نظام إدارة وليست شخصا له عقيدة أو دي،ن ولابد لها أن تكون محايدة تجاه كل الأديان والعقائد، وهناك فرق كبير بين مفهوم الدولة كمفهوم إداري ومفهوم الدولة، باعتبارها الشعب، وأكد أن النموذج العلماني المحايد هو الذي يوفر أرضا خصبة للسلم الاجتماعي بعكس النموذج الفرنسي اللائكي المتميز بالفصل الحاد بين الدين والدولة، لأن هذا النموذج يمهد لتوغل الدولة في حياة الأفراد.
وعن رأيه في الدراسات الاستغرابية في الشرق، والتي تواجه الاستشراق بالاستغراب، وتركز على نقد الحداثة وتجلياتها، أجاب بأن هذه الدراسات مهمة، لأن ليس كل ما هو غربي هو جيد بالضرورة، ولا نستطيع أن ننكر أن هناك مركزية أوروبية في النظرة للكون تعتبر أن أوروبا هي مركز القيمة، وكل ما عداها هو أطراف، لكن الأمر يتعلق أيضًا بالنظر للغرب، باعتباره مستعمرا استغل الاستشراق لتحقيق أغراضه الاستعمارية، لكن هذا الأمر تغير كثيرا الآن، ولم يعد الاستشراق على هذا النمط .
وعن أهم التحديات التي تواجه المسلم في الغرب في رحلة تعرفه على ذاته وهويته ومعنى حياته في ظل الأنظمة العلمانية، أكد أن المشكلة عميقة ومتجذرة تتمثل في شعور المسلم بأنه مهما فعل، لن يستطيع أن يحصل على الاعتراف الكامل في المجتمع الغربي، لأن تكوينه يخالف الثقافة السائدة وهذا يفسر بحث المسلم في الغرب دائمًا عن هويته ليشعر أنه موجود، فمهما كانت درجة إيمانه وتحرره، نجده يذهب إلى المسجد على الأقل في الأعياد، فهو لا يجد حضارة حديثة في بلاده الأصلية يحتمي بها ويفاخر بها في الغرب، لذا يجد ملجأه في الهوية الدينية، والمسلمون ليسوا كتلة واحدة في الغرب؛ فهناك المسلمون التابعون لحركات تنظيمية أشهرها الحركة السلفية من حيث العدد والحركة الإخوانية من حيث التنظيم والتمويل، وهناك حرية كاملة في التظاهر والتعبير عن الرأي، حتى أن بعضهم خرج مطالبا بتطبيق الشريعة الإسلامية.
وعن تنظيم الإخوان المسلمين، أكد أنه يتمتع بدينامية وبراجماتية شديدة تمكنه من مسايرة الحياة في الغرب، على عكس التيار السلفي الرابض عند حدود النص لا يفارقه، واستعرض أهم المواقف والتحركات التي تؤيد رأيه هذا.
وواصل الضيف حديثه لأكثر من ساعتين، مستعرضا أهم المحاور الإشكالية التي يواجهها المسلمون في الغرب، وقضايا الهوية والاغتراب والدين في مجتمع علماني يفتح أبوابه للجميع، لكنه يطبق القانون بصرامة، ودون تباطؤ، ثم استمع الدكتور عاصم إلى أسئلة الحضور، ودار نقاش أثرى الحوار، وانتقل به لقضايا غاية في الأهمية.
والدكتور عاصم حفني هو أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية، ومستشار أكاديمي بجامعة ماربورج بألمانيا، ومدرس بكلية اللغات والترجمة /جامعة الأزهر، حصل على درجة الماجستير من كلية اللغات والترجمة في موضوع استخدام المصطلحات الإسلامية عند الأديب الألماني كارل ماي، وعلى الدكتوراه من معهد الدراسات الشرقية بجامعة ليبتسج بألمانيا في موضوع "المصطلح الديني السياسي وفهم المسلمين للسلطة، له عدد كبير من المؤلفات بالعربية والألمانية والإنجليزية، وله تحت الطبع بالعربية: "فصل المقال في ما بين الشريعة والعلمانية من اتصال"، عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، وصدر له بالألمانية : "الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق ـ ترجمة وتعليق"، الإسلام والسلطة، القانون المدني الإسلامي على المذهب الحنفي – ترجمة وتعليق لمدونة القانون المدني لمحمد قدري باشا، وصدر له بالإنجليزية الأزهر والدساتير"، ضمن كتاب "التغييرات الدستورية بعد الربيع العربي – آمال وقضايا وتحديات"، عن جامعة أكسفورد ومعهد ماكس بلانك، و"الشريعة الإسلامية وحرية تكوين الجمعيات والمنظمات"، ضمن كتاب (الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان)، بالإضافة إلى عدد كبير من الترجمات والأبحاث والدراسات باللغات الثلاث، وهو عضو في مجلس الخبراء الاستشاري في هيئة الهجرة والاندماج بمدينة شتوتجارت الألمانية، وعضو مجلس إدارة جمعية دراسات الشريعة الإسلامية وقوانين البلاد العربية، بالإضافة إلى عضوية اتحاد دعم وتنشيط الدراسات الشرقية بجامعة ليبتسج، ومجلس إدارة اتحاد الدارسين والأكاديميين العرب في مدينة ليبتسج ومسؤول عن الحوار الديني والثقافي.