ندوة: "المنظومات القيمية على محك التغيير الاجتماعي"
فئة: أنشطة سابقة
جنجار والطوزي يفككان مفهوم منظومة القيم بالنظر للتغيرات الاجتماعية
انطلق المفكر المغربي والمتخصص في علم الاجتماع الدكتور محمد الصغير جنجار في مداخلته ضمن الندوة الفكرية التي احتضنها صالون جدل الثقافي التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بالعاصمة الرباط، يوم السبت الماضي 16 يناير /كانون الثاني 2016 ، والتي كانت حول موضوع "المنظومات القيمية على محك التغيير الاجتماعي"، من منطلق البحث السوسيولوجي وبحث العلوم الإنسانية والاجتماعية، وقياس التحول والتغير الاجتماعي، حيث رأى أنه وبقدر ما تطرح إشكالية تغير القيم أو المنظومة القيمية، تواجه الباحثين في هذا المجال مشاكل كبيرة لاعتبارات كثيرة يمكن تلخيصها انطلاقا من مونولوجيا تصورات الناس، إذ إنه وحين تحدثهم عن القيم؛ فهم يتحدثون عن قيم في غالب الأحيان لا تمت للزمن بصلة؛ أي عندما يتحدث الإنسان عن قيم ما، فهو يتحدث عن أشياء طبيعية بديهية خالدة تتحدى الزمن إلى حد بعيد، بمعنى أن القيم لا تجري عليها اعتبارات الناس وسنن التاريخ كما تجري على مجالات أخرى.
ويوضح المفكر جنجار أنه كثيرا ما يتم وضع كلمة قيمة أو قيم بجانب كلمة أخرى تبدو كأنها مرتبطة بها وتفسرها وتوضحها، وهي كلمة "الثوابت" كما ورد مثلا في الفصل 19 من الدستور المغربي، وهو الفصل الذي يمكن وصفه بالمتغني بالتغيير، لأنه يبشر بالمساواة في الحقوق والحريات بين المرأة والرجل، ويقر مبدأ المناصفة، ما يعتبر شيئا ثوريا بالنسبة إلى المنظومة الاجتماعية؛ لأنه يمس البنية الأنثروبولوجية للمجتمع، ولكن عند تفسيره لكل هذه المبادئ تضاف له جملة في الأخير، وهي "وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت البلد وقوانينها"، لذلك فإن جدلية التغير الاجتماعي وثبات القيم، وهي من بين الجدليات التي كثيرا ما يلح عليها الباحث السوسيولوجي وتطرح له إشكالية كبيرة، تحدث توترا شديدا داخل هذا الفصل بين ثقل التغيير وتحول المجتمع، الذي يمس بنياته الاجتماعية والأنثروبولوجية، وفي نفس الوقت يرغب في الإبقاء على ثبات الكيان المجتمعي، بالتالي فإن التفاعل الذي يأتينا من هذا، هو كيف للمجتمعات أن تمتص التغيرات التي تحصل لها ،خصوصا وأننا نعرف بأن كل المجتمعات تتغير حسيا وبنياتها يلحقها التغيير، وأنظمتها يلحقها التغيير، لذلك يتساءل جنجار، كيف يمكن لها في نفس الوقت أن تمتص كل ذلك دون أن تنفك ودون أن تنحل؟
ثم يتساءل جنجار عن الدور الذي تلعبه المنظومات القيمية في إقناع الفاعل أحيانا، بأن التغيير الذي يحصل يتم في مجرى ثابت، بمعنى أننا نتغير مجتمعيا لكننا نحاول أن نقتنع بأننا لم نتغير، وأحيانا نقدم التغير ونقدم التحول على أنه ليس تحولا ولكنه استعادة لشيء مضى أي إحياء لسنة سابقة، بالتالي فإن المنظومة القيمية تشرع التغيير في بعض الأحيان.
ويضيف جنجار، القيم في تمثلاتنا تبدو طبيعية لا تاريخية خالدة، ولذلك فعندما يتحدث رجل الدين أو عندما يتحدث السياسي عن الشرف والوطن والحرية والكرامة وكثير من هذه القيم والمصطلحات في دستور 2011، فهو يذكرها من منطلق كونها بديهية طبيعية لا تستدعي أية برهنة، بحكم أنه يتقبلها الجميع، وفي هذا يمكننا أن نعتبر القيم إلى حد كبير تحاكي القناعات أو العقائد أو التصورات الدينية، حيث تتخذ في كثير من الأحيان صفة القداسة والمفارقة، ثم إنها تعرف استثمارا شعوريا عاطفيا من طرف الفاعل الاجتماعي، لأنه يسند إليها هويته ويستمد منها معاني حياته ، وذلك لتبيان أهمية القيم لأي فاعل اجتماعي، ولذلك فحتى كثير من المجتمعات ومنها المعلمنة أيضا، لا يتردد الكثير من الفاعلين فيها سواء السياسيين أو الاقتصاديين وغيرهم من القول بأنه يدافع عن قيمه بعنف وبشدة على كل من يتطاول، سواء بالتهكم بالنقد أو بإدخال النسبية أو بإدخال نوع من التأريخية في تلك القيم أو المس بمنطلقاتها.
من جانبه، بدأ المفكر المغربي والأكاديمي الدكتور محمد الطوزي، في مداخلته في ذات الموضوع بحكاية لإحدى الأسر القروية في الأطلس الكبير بالمغرب، وهي حكاية على شكل معاينة إثنوغرافية لحال هذه الأسرة التي تنقلت بين القرية والمدينة وفق ظروف وواقع حكمت على تغير قيمها، متناولا قضية القيم انطلاقا من تحليلات هذه القصة.
وانتقل الدكتور الطوزي في تحليله إلى تعريف معنى القيم، والتي تعتبر حسبه اختيارات جماعية تحيلنا على أشكال من التعايش وعلى إنتاج علاقات لأشخاص وجماعات، إذ إنه من الصعب القول بأن شخصا ما يملك قيمة شخصية، فإما أن تكون هذه القيم مهيمنة أو غير مهيمنة، كالعفة والكرم والصبر واحترام الآباء وغيرها، والقيم بهذا الشكل إنما تقوم بوظائف إجرائية وهي من تمكنك من فعل أشياء أو تركها وتوجه وتنشئ اختيارات الجماعة، ولكن عند استخدامنا لهذا التعريف نصل إلى أن القيم لا تعني الممارسات، إذ إنه بإمكانها أن تؤثر في الممارسات، ويمكن أن تتعارض والممارسات وهنا ينشأ الإحساس بالذنب.
ومسألة تناقض الممارسات والقيم يوضح الدكتور الطوزي، لا يجوز أن نقوم بتفسيرها على أنها سكيزوفرينيا أو انفصام في الشخصية المجتمعية، ولكن الشخص في المجتمع يقوم في الحقيقة بعقلنة تلك التناقضات، إما بالقوة القاهرة أو بضعف الإنجاز، وإذا ما غابت تلك العقلنة التي يساهم فيها الدين بحصته فيها، كانت الحياة الاجتماعية صعبة الوجود.
ويرى الطوزي أنه من الصعب التفكير في التغييرات الاجتماعية بطريقة خطية أو نمطية أو سببية، لأننا وحتى عندما نتحدث وعلى الأقل في النموذج المغربي عن أن المغرب في تحول، من الصعب جدا أن يفسر لنا هذا الخليط، حتى لو اعتبرنا هذا المجتمع خليطا من القيم؛ والسبب هو أن القيم ليست تصورات فكرية فقط، ولكنها لصيقة جدا بالبنيات الاجتماعية وبنيات الإنتاج، وبين القيم التي تكون حاضرة لتمكننا من التعايش في البيئة العامة للعيش.
ويضيف الطوزي، عندما نتحدث عن التأثير بين القيم والبنيات الأساسية لا بد لنا من الوقوف عند بعض المفاهيم التي يمكنها أن تعطينا توضيحا للمسألة، وكمثال على ذلك يذكر الطوزي مصطلحي الثقافة النخبوية والثقافة الشعبوية الذين تأثرا بسبب النمو الديمغرافي العالمي، والتمدرس النمطي المتحول عن التمدرس التقليدي، بالإضافة كذلك إلى الثورة الرقمية التي زعزعت البنية الاجتماعية وخصوصا منها القروية، ما ينتج لنا بالخصوص مفاهيم أخرى كالفردانية وغيرها من الخصوصيات المجتمعية.
وانتقل الدكتور الطوزي للحديث عن قيم التحكم في الجسد، أو ما يعرف بالخروج من الحيوانية إلى المجتمع بنفي كل ما يحيلنا على حيوانيتنا كالتهور، وسفك الدم والعنف وغيرها من الأشكال المشابهة، وهذا ما يمكن أن يسمى بالتغييرات النمطية الكبرى التي عرفتها الإنسانية، ولم تسلم منها المجتمعات الإسلامية كذلك، بحكم أنها لا تخرج منها السيرورة التاريخية لكل مجتمع، بالتالي فإنه ليس هناك تطور خطي أو سببي، كما أن مفهوم القطيعة ورغم استعماله من طرف الإبستيمولوجيين بطريقة أكثر دقة، لا يحضر بنفس هذه الحدة التي نتحدث عنه بها، يشير الطوزي.