ندوة: "في كتابة التاريخ العربي الإسلامي وتمثلاته"
فئة: أنشطة سابقة
افتتحت ندوة "في كتابة التاريخ العربي الإسلامي وتمثلاته" أعمالها بثلاث جلسات علمية، شارك فيها باحثون وأكاديميون من تونس ومن خارجها، من خلال ورقات علمية تسعى إلى مقاربة موضوع يبدو في الظاهر ناجزاً منتهياً منه، غير أن الواقع المتغير يقتضي ضرورة إعادة قراءته والتفكير فيه، كما جاء في الورقة العلمية للندوة.
تضمن اليوم الأول من الندوة، التي تنظمها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث، بمقر رابطة تونس للثقافة والتعدد بداية من اليوم 24 يناير (كانون الثاني)، ثلاث جلسات علمية ترأست أولاها الأستاذة ناجية الوريمي، وقدم خلالها الأستاذ محمد حبيدة من المغرب ورقة علمية بعنوان "كتابة تاريخ المغرب الأقصى وإشكالية التركيب"، أشار فيها إلى التحول الكبير الذي شهدته الدراسات التاريخية بالمغرب منذ الاستقلال إلى اليوم كما وكيفا، فإذا كان هاجس البحث التاريخي في فجر الاستقلال وطنياً بالأساس، فقد ظهر، حسب رأيه، جيل جديد مسلح برؤية جديدة اعتمدت ثلاثة اتجاهات رئيسة هي: التحقيق والتاريخ العلائقي والتاريخ المونوغرافي.
وتطرقت ورقة الأستاذ لطفي عيسى إلى "صناعة الخبر ومدلول المجال والمجتمع والذاكرة" (حول "مؤنس" ابن أبي دينار و"نزهة" الإفراني)، وأثار إشكاليات متعددة أهمها: "لماذا تحوّل العرب بعد القرن الرابع عشر عن كتابة التاريخ الكوني على شاكلة ما أنجزه الطبري وابن كثير والمسعودي مثلاً إلى الاقتصار على كتابة التاريخ المحلي؟ وما الذي دفع بمؤلفي أخبار مجال المغارب خلال الفترة الحديثة إلى الإقلاع عن هذا التقليد والاستعاضة عنه بنقل تواريخ السلالات الحاكمة لمركزيات المغارب الناشئة والتعريف بالمجالات التي عادت إليها مسؤولية تصريف أوضاعها؟ ثم ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين هذه الكيانات الترابية، وفقاً لما قدره واضعو هذا النوع من الأخبار؟".
واختتمت الجلسة العلمية الأولى بمداخلة الأستاذ لطفي بن ميلاد حول "اتجاهات الكتابة التاريخية عند العرب زمن الحداثة"، وبعد تحليل وصفي لمناهج كتابة التاريخ عربياً في العصر الحديث، تبين أن الكتابة التاريخية قد ظلت رهينة تدخل سلطة الدولة في الشأن العلمي، ورهينة الإسناد التراتبي في مدارس الأجيال، وإن كانت الريادة للمغرب الأقصى - للحرية الثقافية النسبية - فإن التجديد في التاريخ لا يؤكد لنا وعياً بالتاريخ ولا ثورة في المناهج إلا في حالات قليلة.
أما الجلسة العلمية الثانية، فقد ترأسها الدكتور حمادي ذويب، وتعرضت خلالها الباحثتان التونسيتان وفاء الدريسي وهاجر خنفير إلى كتابة تاريخ النساء من خلال ورقتين علميتين أولاهما بعنوان: "إشكالية كتابة تاريخ النساء: التأريخ للكاهنة البربرية أنموذجاً"، والثانية بعنوان: "حدود القراءة التأويلية في التاريخ النسائي العربي". وبينت الأستاذة وفاء الدريسي من خلال ورقتها أن التاريخ قد بقي حكرا على المنتصر، رغم أن النساء قد شاركن الرجال في صنع التاريخ، وذلك من خلال رصد آليات التأريخ لشخصية سياسية هي الكاهنة البربرية، وتبينت أن التأريخ لها لم يكن بريئا، بل خضع إلى أنواع متعددة من الإغفال والتهميش. وبينت الأستاذة هاجر خنفير أن تأريخ النساء المعاصرات (كفاطمة المرنيسي ونوال السعداوي وآسيا الجبار) لنساء من التاريخ القديم، لم ينجحن إلا في تغيير اتجاه الأضواء من دائرة الرجال إلى النساء، وبينت أن التاريخ النسائي العربي ينبغي أن يعيد كتابة تاريخ مغاير من خلال التوسل بمقاربات أنثروبولوجية وسوسيولوجية ونفسية كي يستعيد الموروث من القبضة الذكورية.
وأما الجلسة العلمية الختامية لليوم الأول، فقد ترأسها الأستاذ بسام الجمل وقدمت فيها ورقتان علميتان؛ الأولى للأستاذ محمد حمزة بعنوان "تقبيح الأصنام وتحسين الإسلام: ابن الكلبي وكتاب الأصنام أنموذجاً"؛ والثانية للأستاذ محمد الحاج سالم وعنوانها: "الوقائع الجاهلية بين التاريخ المدون والمأثور والمؤسطر". وركز الأستاذ حمزة على الكتابة التاريخية في القرون الإسلامية الأولى قصد تبين طبيعتها وفهم تمثلاتها، وطرحت ورقته إشكالات أهمها: كيف أخبر المؤرخ عن الأصنام، وكيف صوّر بداياتها، وعلاقة العربي الوثني بها، وتمظهرات الوثنية الطقوسية، وصولاً إلى القضاء على الأصنام مع ظهور الدعوة المحمدية؟ كيف تمثّل المسلم الوثنية من منظور التوحيد ومن وجهة نظر الدين الجديد؟ وكيف كيّف هذا المنظور إخباره عن الأصنام وعن معتنقيها؟ ما استراتيجية هذه الكتابة وما آلياتها؟ ولم يتداخل فيها الإخبار عن الأصنام مع الإخبار عن الحدث الإسلامي؟ وتناول الأستاذ محمد الحاج سالم بالدرس تاريخ الأصول البعيدة والرموز التأسيسية المغيبة لبعض الوقائع الجاهلية كما استقرت في التراث العربي الإسلامي، من خلال الاهتمام بالأسطورة التي تحتوي، حسب الباحث على معطيات تاريخية.
يذكر أن أعمال ندوة "في كتابة التاريخ العربي الإسلامي وتمثلاته" تتواصل يوم 25 يناير (كانون الثاني) من خلال جلستين علميتين تقدم خلالها ست ورقات بحثية يقدمها كل من الأساتذة حياة عمامو وعمار بن حمودة ومحمد يوسف إدريس وفوزية ضيف الله وحسن بزاينية ونادر الحمامي.