ندوة: "القرآن: التاريخ والخطاب والدراسات"
فئة: أنشطة سابقة
نظّم قسم دراسات الموروث الديني بمؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث ورشة علمية بعنوان "القرآن: التاريخ والخطاب والدراسات" وذلك يوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2013في مدينة سوسة (تونس) جمعت نخبة من الباحثين المهتمين بالقرآن وعلومه وتاريخه، عرضوا جملة من الإشكاليات والمقاربات تنزّلت ضمن المحاور التالية:
ـ من القرآن إلى المصحف : الوحي تعريفا وصور إنزال...جمع القرآن وتدوينه...النتائج المترتّبة على الانتقال من الخطاب الشفوي إلى "المدوّنة الرسميّة المغلقة" ....
ـ القرآن والتشريع : حقيقة "آيات الأحكام"...سيرورة الأحكام ...مقالة النسخ في النصّ...
ـ القرآن والخطاب والمرجع : المعجم القرآني...الإرث التوحيدي المشترك مع اليهوديّة والمسيحيّة...
ـ القرآن والتأويل : المعنى الواحد والمعنى المتعدّد...القراءة الحرفيّة والقراءة السهميّة أو المقاصديّة...
ـ القرآن ومنظومة الأخلاق : القيم القرآنيّة والقيم الإسلاميّة...الأفق الأخروي في النصّ...
ـ الدراسات القرآنيّة الحديثة والمعاصرة : مناهج المقاربة...تقييم نقدي للنتائج المحقّقة...آفاق البحث حول القرآن...
ـ القرآن وقضايا ترجمته : ضروب الترجمة ( الترجمة اللفظيّة...المعنويّة، الترجمة الجزئيّة...الكلّية، الترجمة حسب تاريخ الآيات أو السور) صعوبات الترجمة...المقاصد الضمنيّة والصريحة من الترجمة...
افتتح الورشة الدكتور بسام الجمل رئيس قسم دراسات الموروث الديني ببيان أهمّية الموضوع، وجملة الإشكالات التي يثيرها والرهانات أو الأهداف المعقودة على الورشة، لتنطلق أشغال الجلسة الأولى (برئاسة الدكتور محمد بوهلال) بمداخلة للدكتور عدنان المقرانيأستاذ الدراسات الإسلامية والعلاقات الإسلامية المسيحية لدى الجامعة البابوية الغريغورية، والمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما (إيطاليا)، عنوانها: الترجمة كـ "تحريف" للقرآن، حالة الترجمات الإيطالية عرض فيها نماذج من الترجمات الإيطالية للقرآن، حاول من خلالها البرهنة على الصلة الوثيقة بين الترجمة وشخصية المترجم وآرائه الدينية، باعتبارالترجمة درجة من درجات التفسير، مما يجعلها أحيانا درجة من درجات التحريف والتوظيف والأدلجة. وركّزت المداخلة على موضوع التعددية الدينية وتعمّد بعض المترجمين تأطيرها والحد منها بما لا يسمح برؤية تعددية حقيقية وفية للنص.
وتطرّق الدكتور حمادي ذويب الأستاذ المحاضر والمختص في الحضارة والفكر الإسلامي وفي أصول الفقه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في صفاقس، إلى موضوع المتشابه في القرآن بين التفسير والواقع،إذ انطلق من التذكير بأنّ الاهتمام بالبحث في المحكم والمتشابه في نص القرآن ليس أمرا جديدا؛ فمنذ القديم ألفت كتب في المتشابه على غرار كتاب القاضي عبد الجبار المعتزلي " متشابه القرآن". ولما كان هذا المبحث من شواغل المسلم عبر العصور ارتأى أن يخصه ببحث مفرد سعى فيه إلى إثارة جملة من الإشكاليات التي تتعلق بالمتشابه المقابل للمحكم، معتمدا في ذلك بشكل خاص على المدونة التفسيرية.
ومن بين الإشكاليات التي تطرق إليها بالدرس، إشكالية المفهومين اللغوي والاصطلاحي للمتشابه لمحاولة تبين مدى تدخل العوامل الإيديولوجية في صياغة المفهوم، وحاول أيضا التوقف عند إشكالية التعارض بين وجود المتشابه في القرآن ومسألة انسجام النص من جهة، واتصافه بالهدى والبيان من جهة أخرى. وتناول مسألة تأويل المتشابه بين المجيزين والمانعين وبيان خلفياتهم من خلال ربط الصلة بين النص وسياقه التاريخي .
إثر ذلك، قدّم الدكتور بسّام الجمل الأستاذ المحاضر في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة صفاقس/ تونس) مداخلة بعنوان التحرّي الفيلولوجي للمعجم القرآني (القراءة السريانيّة الآراميّة والقراءة اليونانيّة وجها لوجه)ألحّفيها على مدى أهمّيّة البحوث الفيلولوجيّة التي درست المعجم القرآني، وهي بحوث غطّت كامل القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين. وفضلا عن ذلك، حاول وضع قراءتين للمعجم القرآني وجها لوجه: القراءة السريانيّة / الآراميّة والقراءة اليونانيّة، من خلال نماذج دقيقة من المعجم القرآني. وانتهى إلى بسوق جملة من المقترحات والآفاق التي تهمّ البحث في الدراسات القرآنيّة المعاصرة، وتحديدا في المجال العربي الإسلامي المعاصر.
أمّا الجلسة الثانية، فكانت ثنائيّة برئاسة الدكتور محمد حمزة تدخّل فيها الدكتور ميكائيل جوزيف ماركس،مدير مشروع بحث "الموسوعة القرآنيّة" (Corpus Coranicum) بأكاديميّة برلين برادندبورغ للعلوم، ليقدّم بسطة مفصّلة عن مشروع الموسوعة القرآنيّة عبر أمثلة دقيقة من المخطوطات التي تمّ الاشتغال عليها وأهمّ النتائج التي تمّ التوصّل إليها والإشكالات التي تثيرها والرهانات المطروحة، وخاصّة منها ما يتّصل بالمقارنة بين مخطوطات القرآن المبكرّة، وما يمكن أن يترتّب على ذلك من اختلاف القراءات.
ثمّ أثار الدكتور نادر الحمامي إشكاليّات الترتيب التاريخي للقرآن عبر:
üعرض أهمّ محاولات الترتيب لدى المسلمين القدامى ثمّ في الدراسات الاستشراقيّة والإسلاميّة المعاصرة والحديثة.
üمحاولة التأليف بين مستندات الترتيبات التاريخيّة.
üأهمّ الإشكاليّات المتعلّقة بالترتيبات ومستنداتها.
وفي الجلسة الأخيرة برئاسة الدكتورة ناجية الوريمّي بوعجيلة، عالج الدكتور حافظ قويعة، الأستاذ المحاضر في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية - صفاقس، موضوع "الرسول مخاطَبًا في القرآن" محاولا الكشف عن صورة النّبي محمّد بصفته مخَاطَباً ، بالمعنى التّداولي لهذا المصطلح. من خلال طرح عديد الأسئلة والإشكاليات من أهمها: ماذا يخاطب صوت الوحي النّبيّ؟ ماهي الغاية التّواصليّة من مخاطبة النّبيّ؟ هل المقصود فقط تكليفه بتبليغ الرّسالة، أم المقصود كذلك دفعه إلى الإيمان بالرسالة ذاتها والثبات على المبادئ الجديدة في وجه الخصوم؟ لعل في الجواب عن هذه الاسئلة ما يساعد على الكشف عن وجه آخر للنبي طيلة نزول الوحي عليه؟
ثمّ تطرّق الدكتور يونس قنديل، الباحث في الدراسات الإسلاميّة، الدراسات القرآنيّة، فلسفة الاجتماع، التأويليّة، نظريّات المعرفة والأخلاق والسلطة، إلى المقتضيات القيميّة للتأويل السياسي للنص القرآني وأبرز أنّ المساءلة القيمية-السياسية لمقولات القرآن بصيغتها التاريخية المجردة، أو المتأولة، تتصدر لائحة عناوين الاهتمام بالقرآن، لا سيما بصفته نصا يمتلك "حاكمية" فعلية على مجريات الاجتماع في السياق الكوني المنفتح على التداخل الكثيف بين المؤمنين بمرجعيته وغيرهم من الناس. وحاول رسم بعض ملامح المقتضيات الضابطة معرفيا وقيميا للفعل التأويلي، والتي افترض أنها معبر ضروري يحتاج إلى تصعيد النقاش الممنهج حوله، كما يسترعي استثارة مطارحات جديدة حوله، حيث تساعد خلاصات كل ذلك على توليد هرمنوطيقا قرآنية رصينة من حيث سداد الاجتهاد المنهجي، ومعينة -من حيث المآلات- على تشكيل روافع قيمية لثقافة سياسية وإنسانوية رشيدة.
وقد لقيت جميع المداخلات المقدّمة صدى طيّبا لدى الحاضرين بالورشة لما لمسوه فيها من أهميّة القضايا المتّصلة بالدراسات القرآنيّة المعاصرة، وهو ما دفعهم إلى سوق عديد الملاحظات والتعليقات وطرح جملة من الأسئلة الحارقة ، وهو ما جعل فعاليّات الورشة تدور في إطار معرفي متميّز غلب عليه النقاش العلمي الرصين، البعيد عن كلّ أشكال التوظيف، وعن امتلاك الحقيقة المطلقة والنهائيّة.