ورشة تكوينية موسعة تحت عنوان: "مناهج البحث والتأليف في العلوم الإنسانية"
فئة: أنشطة سابقة
العاني في ورشة مؤمنون بلا حدود للعلوم الإنسانية: المؤسسة مستعدة لدعم الباحثين الشباب
نظمت مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" وخلال ثلاثة أيام 04، 05 و06 أبريل (نيسان) الجاري ورشة تأطيرية لمجموعة من الباحثين الشباب، في سياق إيلاء المؤسسة عناية خاصة للبحث العلمي في العالم العربي، ومساهمة منها في الرقي بالإنتاج المعرفي.
وجاء تنظيم الورشة التأطيرية التي كانت في موضوع "مناهج البحث والتأليف في العلوم الإنسانية" من طرف المؤسسة في إطار أنشطتها العلمية والتكوينية، وساهم في إغناء جلساتها العلمية ومحاضراتها أكاديميون كبار في الوطن العربي من المغرب وتونس، وذلك بهدف تطوير قدرات ومهارات الشباب الباحثين في مناهج وتقنيات البحث والتأليف في العلوم الإنسانية.
وركزت الورشة التكوينية، والتي احتضنها فضاء "صالون جدل الثقافي" المتواجد بمقر المؤسسة في العاصمة المغربية الرباط، والتي استفاد من فعالياتها حوالي 40 مشاركا، على ثلاثة محاور أساسية؛ أولها مناهج البحث في العلوم الإنسانية من خلال دراسة في إبستيمولوجيا العلوم الإنسانية ومناهج البحث في الأنثربولوجيا والدراسات الاجتماعية، ومناهج كل من البحث في الظاهرة الدينية والبحث في تأويلية النص الديني، والبحث في اجتماعيات الثقافة، بالإضافة إلى تنزيل العديد من النماذج التطبيقية. أما المحور الثاني، والذي اختص في تقنيات التأليف، فقد توزع على المحددات النظرية والموجهات الفكرية، والتصور المنهجي وآليات التنفيذ ومناهج البحث وفرضيات البحث والتطرق لبعض المفاهيم والمصطلحات وهيكلة وتبويب البحث والصياغة اللغوية واستخدام المصادر والمراجع. أما المحور الثالث، فقد تمحور حول تقنيات الكتابة من خلال تقنية كتابة خطة البحث وأساليب الكتابة البحثية ومناهج العرض والتلخيص والاقتباس وكتابة المقدمة والبنية التركيبية للنص وكيفية كتابة خاتمة النص.
العاني: المؤسسة ستدعم الباحثين من أجل الوصول إلى أفضل النتائج
أكد المدير العام لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" الأستاذ محمد العاني في كلمة ألقاها بمناسبة انطلاق أشغال الورشة، أن الورشات التكوينية التي أقامتها وستقيمها المؤسسة، مفتوحة دائماً في وجه الباحثين من أجل التمكن من الأدوات العلمية والمنهجية للبحث العلمي، وقد أشرف أستاذ مؤطر على كل مجموعة من الطلبة خلال هذه الورشة، حتى تكون الفائدة أكثر، وقدم كل أستاذ ملاحظات على المقترحات التي قدمها الباحثون، وهي المقترحات التي لها علاقة باشتغالات المؤسسة واهتماماتها، مع التركيز على الضبط العلمي والأكاديمي لهذه البحوث.
كما دعا الباحثين إلى ضرورة التقيد بالملاحظات التي سيقدمها الأساتذة على الأوراق والمقترحات من أجل إعادة صياغة الأوراق من طرف الباحثين، كما ستمنح المؤسسة مدة أربعة أشهر لكل باحث من أجل إنجاز البحوث، مع متابعة موازية من طرف الأستاذ المؤطر لكل مجموعة على حدة، على أساس أن يتم اختيار أفضل بحث من كل مجموعة يرشحه الأستاذ المؤطر، فيما ستخصص المؤسسة مكافأة رمزية لجهد الباحث الأفضل في حدود 1200 دولار أمريكي، وحتى أولئك الباحثون الذين أتقنوا إنجاز بحوثهم ولم يكونوا من أصحاب البحث المميز داخل المجموعة، فإن المؤسسة ستفتح أبوابها أمام جلهم من أجل العمل على تطوير أعمال بحثية جديدة على مدة عام، تقدم بعدها للمؤسسة من أجل اعتمادها.
وأضاف العاني أن المؤسسة مستعدة لتقديم الدعم اللازم لكل الباحثين الشباب في العالم العربي ممن لهم الرغبة الفعلية في تطوير أدائهم البحثي والعلمي، على اعتبار أن المؤسسة هي من ستدعم الباحثين الجادين معنويا وماديا وتأطيريا من أجل إكمال بحوثهم على أحسن وجه، كما أكد العاني أن المؤسسة تشتغل الآن على فتح العديد من الورشات التكوينية والتأطيرية الجديدة، في مجالات العلوم الإنسانية، وسيتم إصدار دليل تدريبي حول موضوع مناهج البحث وتقنيات التأليف والكتابة في العلوم الإنسانية.
ثنائيات ثلاث لتغطية إشكالات البحث في العلوم الاجتماعية:
قدم الباحث الموريتاني الدكتور السيد ولد أباه في اليوم الأول من الورشة خلال جلسته العلمية، والتي كانت بعنوان "إبستمولوجيا العلوم الاجتماعية: الإشكالات النظرية المنهجية" شرحا وافيا وعلى امتداد ساعتين من الزمن، أهم الإشكالات والأسئلة التي تطرحها إبستمولوجيا العلوم الاجتماعية وذلك من خلال منظورين؛ الأول متعلق بفكرة علومية المباحث الإنسانية المتعلقة بالظاهرة الاجتماعية، والثاني يتعلق بسياق تطبيق الأدوات المنهجية لهذه العلوم أثناء استخدامها في سياق عربي إسلامي.
وتحدث ولد أباه بصفة عامة، عن مجال إبيستمولوجيا العلوم ودورها في دراسة المجتمعات العربية المعاصرة، وتأثيث مختلف مجالاتها بمختلف الإشكاليات التي تطرحها، كما دعا ولد أباه إلى ضرورة تشجيع الباحثين من جيل الشباب، والذين لديهم من الإمكانيات والطاقات ما يساعدهم على معالجة هذه الظواهر بمجتمعاتنا العربية على أساس أن يتم إيجاد جيل جديد يؤمن بالتراكم المعرفي، ويساهم في التأسيس لمختلف الظواهر التي تعرفها المجتمعات العربية.
كما حمل ولد أباه تدهور مستوى إنتاجية العلوم الإنسانية في العالم العربي للمسؤولية المشتركة بين المؤطر والباحث في مجالات البحث العلمي في العالم العربي، واصفا هذه العلاقة بنوع من القصور الذي يمتد إلى حدود البنيات الاجتماعية المعرفية والعلمية؛ أي على مستوى الجامعات في الوطن العربي التي لا زالت تحتاج إلى العديد من الإمكانيات والكفاءات لتطوير ذاتها من جهة، وكذلك تطوير منظورنا إلى الظواهر الاجتماعية
وابتعد الدكتور ولد أباه أثناء مداخلته عما أسماهم "بالأطروحات المدرسية التقليدية" حول عوائق ومبررات التشكل العلمي للمباحث الاجتماعية، مركزا في ذات الوقت على ثلاث ثنائيات رئيسة في تسطيره لطريق الباحث في العلوم الاجتماعية، وهي "الذاتية والموضوعية"، التي دعى فيها إلى الفصل بين الذات والذاتية في إطار معالجة أية دراسة موضوعية من جهة، وأيضا إعادة الوصل ما بين الموضوع والذات من جهة ثانية، ثم ثنائية "الوصفية والمعيارية" ثم ثنائية "الخصوصية والكونية" على اعتبار أن كل ظاهرة اجتماعية هي ظاهرة خصوصية في ذاتها لكن هي عالمية من منطلق تطبيق المعايير والرؤى المتعارف عليها عالميا، والتي يمكن تطبيقها على مختلف الظواهر الاجتماعية أينما ظهرت وأينما تمت دراستها وبحثها، قبل أن يصل إلى تحديد العلوم الإنسانية من خلال الارتكاز على شرح وتوضيح هذه الثنائيات، كما وقف بشيء من التفصيل على مفهوم التأويل وإشكاليته ودلالته في السياق المجتمعي، والتي ترتكز بدورها حول ثنائية أخرى، وهي "التفسير والفهم" حسب ولد أباه، الذي استعرض التأويل في العلوم الاجتماعية، من خلال مسارين "تأويلية النص" المتجلي في الظاهرة اللغوية واللسانية، متعرضا لمناهج تاريخ الفكر وتحليل الخطاب، و"تأويلية الرمز" التي ترتكز بدورها على العلامة الاجتماعية في كل تمظهراتها، متعرضا فيها للمنهج البنيوي من خلال التركيز على بنيوية "كلود ليفي ستراوس" وتحليلية الرمز لدى "بيار بورديو". وفي معالجته لإشكالية التأويل، سواء في النصوص كانت مكتوبة أو غير مكتوبة، ثم على مستوى تأويلية الرموز التي تشبعت بها المجتمعات العربية والإسلامية، سواء على مستوى المحددات أو على مستوى التجليات الاجتماعية.
وانتقل ولد أباه بعد ذلك، إلى استعراض أهم التجارب التأويلية في المنهج العربي والإسلامي، والتي تركت أثرها في العلوم الاجتماعية المطلقة، من خلال الوقوف على تجارب التأويلية النصية المتمثلة في "التراثية وتاريخ الفكر" ثم التجارب التأويلية الرمزية "أنثروبولوجيا الدين والقرابة".
خطوات في مناهج البحث في العلوم الإنسانية
حاول الدكتور إدريس بنسعيد في الجلسة العلمية الثانية كذلك الابتعاد عن الاعتبارات النظرية في مسألة المناهج في العلوم الإنسانية، مقتصراً على بعض الجوانب العملية والجوانب الإجرائية، ولذلك فمداخلة الدكتور بنسعيد كما وصفها كانت تأملا بصوت مرتفع عن باحث يريد أن يبحث في موضوعه.
وانطلق الدكتور بنسعيد من مجموعة من الأسئلة الرئيسة أهمها، أين يقع المنهج في خطوات البحث؟ ثم ما هي المقدمات الضرورية التي يتعين على الباحث أن ينطلق منها في بحثه؟ قبل أن ينطلق في توضيح رؤيته في المسألة، بدءا من معالجته لمصطلح "باحث"، فالملتحق بالأسلاك التعليمية يتخذ مجموعة من الصفات، حيث يبدأ من كونه تلميذا متلقيا ثم طالبا ثم طالبا باحثا دوره بالأساس هو التلقي لمعارف مختلفة ومعارف مهمة ومتنوعة، تستوجب من المتلقي فهمها واستيعابها ثم إعادة إنتاجها من جديد بعد إنهائه لدراسته الجامعية، ولكن المشكلة في هذه النظم التعليمية هي أنها أصبحت دون اعتبار في العالم العربي تمنح للطالب شهادة على شهادة دون منهج صحيح في البناء والتوجيه لهذا المتلقي حتى يتمكن من إنتاج معرفة كاملة.
كما طرح الدكتور بنسعيد مجموعة من المراحل المهمة التي يجب أن يتتبعها الطالب الباحث في بناء بحثه في مجال العلوم الإنسانية، من بينها طريقة بناء الموضوع، والتي تتم عن طريق عملية "مفهمة الموضوع" ثم "استشكال الموضوع"، وبعد ذلك تحويله إلى "موضوع أو أطروحة"، هذا البناء الذي يقصد به أخذ جزء من الواقع اجتماعيا كان أو تاريخيا أو سياسيا، ومن ثم عزله عن سياقه العام وعن تداخلاته المختلفة والاهتمام به على حدة، ما يعطي للموضوع المدروس معنى علميا عن طريق تحويله لحقل البحث العلمي أو "مجال البحث".
كما عرج الدكتور بنسعيد في مداخلته العلمية على مجموعة من التقنيات المتبعة في مناهج العلوم الإنسانية والبحث فيها، ومن بينها على الخصوص التقنيات الكيفية، والتي تلزم الباحث بعدم التركيز على إيجاد نسب مئوية حول ظاهرة معينة فقط، ولكن تفرض عليه التركيز، من أجل فهم كيفية اشتغال الظاهرة المدروسة لدى فئة محددة، بمعنى أن التركيز لا يجب أن يكون على الكم بقدر ما يجب أن يكون على الكيف، فعندما تكون للباحث إشكاليته الخاصة وفرضيته التي قد تجيب بعض الكتب والمراجع عليها، فإن بعض هذه الفرضيات لا يمكن أن يوجد لها جواب إلا مع نهج طرائق وأساليب بحثية وميدانية.
ولذلك يضيف الدكتور بنسعيد بأن المواضيع البحثية للباحثين في مجالات العلوم الإنسانية يجب أن تكون قابلة للتحول إلى مواضيع إجرائية، سواء على مستوى بناء الموضوع أو على مستوى البناء التشكيلي وعلى مستوى صياغة الفرضيات بشكل مدقق، كذلك على مستوى الاختيارات المنهجية التي يجب أن تنسجم مع الموضوع وطبيعة الظاهرة المدروسة.
الدهشة، باعتبارها محركاً للتفكير الفلسفي
كانت الجلسة العلمية الثالثة التي ابتدأ بها اليوم الثاني من الورشة التأطيرية، رفقة الباحث المغربي الدكتور الطيب بوعزة حول موضوع "منهجية البحث الفلسفي" من خلال استعراض مجموعة من منهجيات البحث الفلسفي، باعتبار الفلسفة أداة ومنهجية وفكرا نقديا يقوم على آليات وأدوات تساؤل المسلمات والبديهيات، انطلاقا من الدهشة الفلسفية والشك وصولا إلى الإشكالية ثم الحجاج والبرهنة لبناء الأطروحة، وبين هذا وذلك يظل الإطار الفلسفي ضرورة منهجية ومعرفية لاستشكال قضايا العلوم الاجتماعية والإنسانية.
وانطلق الباحث الطيب بوعزة في حديثه عن مجموعة من المراحل المهمة في الممارسة والبحث الفلسفي بدءا بلحظة الدهشة التي تميز الخطاب الفلسفي عن الخطاب العامي والعجائبي والأسطوري، وصولا إلى لحظة السؤال وإنتاج مجموعة من الأسئلة ومجموعة من الإشكاليات التي تؤطر البحث الفلسفي وكذلك العلوم الإنسانية، انطلاقاً من مقولة شهيرة لـ "شوبنهور" يقول فيها: "كلما قل حظ المرء من الذكاء كلما بدا له الوجود أقل غموضا".
وبعد المرحلة السابقة، تأتي مرحلة أخرى حسب بوعزة، وهي مرحلة إنتاج المفاهيم باعتبار أن الفلسفة وكذلك العلوم الإنسانية هي علوم تقوم على إنتاج المفاهيم وممارسة التفكير من خلال مفاهيم محددة ومعينة، كما حاول الدكتور بوعزة التمييز بين الحجاج والبرهنة، باعتبارها أدوات وآليات لممارسة الفعل الفلسفي؛ هذا الفعل الفلسفي الذي يؤطر مجمل تجليات الكون ومجمل تجليات العلوم الإنسانية والاجتماعية، باعتبار السؤال الفلسفي هو سؤال يحاول نقل الإنسان من الأسئلة البسيطة إلى أسئلة مركبة وإشكالية تؤطر مجموعة من الأبحاث. على اعتبار أن الخاصية الحجاجية للغة هي الأصل، وأن الخاصية الإخبارية هي مظهر لها، وأن المحاججة متغلغلة في النسيج العقائدي للغة.
وفي ذات السياق، طرح الباحث سؤالا عن إنتاج "السؤال الإشكالي؟ ليجيب عليه انطلاقاً من الممارسة السقراطية في المحاورة الأفلاطونية، والتي بها قهر السوفسطائية بالسؤال، ليس لأنه سؤال فقط ، ولكن لأن السؤال السقراطي لم يكن مجرد سؤال طلبي للمعرفة، بل استشكالي يواجه الفكرة بسؤال اختلالها ومأزقها.
تطرق الباحث كذلك إلى مسألة المفهمة وأهميتها في البحث الفلسفي، واعتبرها "قلب الإنشاء الفلسفي"، وهي بالتالي عملية منظمة في سبيل الجواب على السؤال الإشكالي، من خلال اختلاف المفهوم عن اللفظ في كونه نتاج تأمل وتفكير يكشف عن معالجة معينة لإشكالية أو إشكاليات تخص الحقل الدلالي للمفهوم.
مرتكزات النص السوسيولوجي
ركز الدكتور التونسي منير السعيداني في مداخلته التي كانت بعنوان "تقنيات التأليف في العلوم الاجتماعية" على خصائص إبداع وإنتاج الكتابة السوسيولوجية، ومنها "الكتابة الوسيطة" أو الكتابة التسجيلية، وهي تلك العادة السردية الوصفية على ما جرت به التقاليد في البحوث الإثنوغرافية، والتي ترتكز على الموصوفات التي تعاين خلال العمل الميداني، والتي تؤخذ بالأساس من مادة تحليلية تتكون من معطيات وصفية ترسم لوحات عامة أو جزئية عن المجال المدروس.
أما الصنف الآخر، وهو "الكتابة النهائية"، والتي يخرج بها الباحثون والدارسون والعلماء على الناس، والتي تعتمد في مخرجاتها على نصوص تحليلية توظف على مادة الكتابة الوسيطة، أدوات تحليلية نظرية ومفهومية مستجيبة لضرورات منهجية محددة، ومواصفات هذه الكتابة النهاية تتعين في الشكل الخارجي للنصوص كالعنونة والبنية، مرورا بمكوناتها الداخلية بتفصيلاتها كالمعطيات الميدانية والعناصر المفاهيمية والنظرية والتحليلية، وصولا إلى الهوامش ومختلف أنواعها وتوثيقها، لكن كل هذه الأمور قد تختلف بتنوع النصوص المدروسة التي ينتجها الباحثون؛ فالمقال الأكاديمي غير تحليل النص السوسيولوجي، غير النص ذو الأساس البحثي وهكذا دواليك، كما يوضح ذلك الدكتور السعيداني.
ويوضح السعيداني، أنه وباعتبار أن الكاتب في العلوم الاجتماعية ينتج منتوجا سيعرض في المجال العلمي، فلا بد لهذه الكتابة أن تتوفر على عدة سمات علمية النهائية التي ستعرض على المتلقي وعلى المستهلك وعلى القارئ. وهذه السمات تنقسم إلى سمات مضمونية وسمات بنائية وسمات شكلية، وهذه السمات بمثابة الخصائص العامة الكبرى للكتابة السوسيولوجية، وهي خصائص تحظى بقبول واسع، وإن كانت محل نقاش دائما بين المدارس والتيارات والتقاليد البحثية المختلفة.
نحو كتابة ترقى إلى كتابات الفلاسفة
وخلال اليوم الثالث من أشغال الورشة التكوينية، قدم الباحث التونسي الدكتور محمد محجوب في الجلسة العلمية الصباحية، والتي كانت بعنوان "تقنيات الكتابة" قراءة في الفلاسفة من خلال كتاباتهم ؛ أي من حيث ما يتوسّلون بالكتابة للقول الفلسفي، حسب تعبيره، أي من خلال أساليب تقديمهم وتأخيرهم وطرق اختصارهم وتمثيلهم، ومراحل استدلالهم، ومناهج استنتاجهم، وكيفيّات بنائهم للإشكال، وصياغتهم للفكرة واستطرادهم فيها، وانزياحهم عنها ورجوعهم إليها، وفنون ردّهم على خصومهم، واستراتيجيات تملكهم لهم واستعادتهم لأسئلتهم، وما إلى ذلك من الأساليب التي يقوم عليها أي قول فلسفي.
كما اعتمد الدكتور محجوب في درسه المقدم أمام الطلبة الباحثين أسلوب الاستقراء الذي لا ينطلق من نظرية وإنما ينتهي إليها، حسب محجوب؛ وهو في كل ذلك مؤمن بأنّ الأسلوب كالبصمة شيء فريد، أكثر ما يحصّل من التّحسين بالقياس والمقارنة والتّقريب، ولكنّه في الأصل معطى شخصي ينبغي على المرء أن يغوص في أعماق أعماقه، حتى يدرك معدنه وسرّ تركيبه.
تقرير من إنجاز (المهدي حميش - ذوات)
وأشار محجوب بأنه على المتعلّم أن يدرك أن أوّل ما عليه، النّظرُ في نفسه لاستشفاف أسلوبه في الكتابة والاستدلال، من خلال "مزاولة" الأساليب الفلسفية؛ أي الأساليب التي كتب بها الفلاسفة من جهة كونهم أعرافنا وأعراف الفلسفة. فلا يكون التفكير في التجديد إلا متى تمرّس بالكائن الموجود.
وعلى اعتبار كل ما سبق، فإن محجوب يرى أن كتابة الفلاسفة تتفق في طريقتها من خلال أربع قواعد رئيسة هي أن "الفلاسفة لا يكتبون إلا بعد تحديد الغرض من قولهم تحديدا صريحا. ثم إنهم "لا يكتبون إلا بعد رسم حركة التفكير التي سيتوخونها. لذلك، فإن كتابة التمشي ورسم المخطط من أوكد بداياتهم"، وأن "الفلاسفة لا يقولون إلا بعد تفقّد ما قيل قبلهم، أي بعد استصلاح مجال يكون فيه لقولهم وجاهة وراهنية"، بالإضافة إلى أن "قول الفلاسفة هو دوما إجابة عن سؤالهم. لذلك، فإنّ امتحان قول الفلاسفة يكون بالنّظر إلى الغرض الذي شرعوه لأنفسهم".