اﻟﻌﺪد
(12)
33
ﺳﺎﻣﻴﺔ أﺧﺮى ﺗﻨﺘﻤﻲ إﱃ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﻇﻬﻮر اﻟﻘﺮآن ﺟﺴﺪاً ﺧِﻄﺎﺑﻴﺎً ﻫﻮ ﺣﺪثٌ ﻛﺎن ﻗﺪ وﻗﻊ،
وأﻋﻄﻰ ﻣﻔﺎﻋﻴﻠﻪ اﻟﺘﺪاوﻟﻴﺔ، ﰲ ﺟماﻋﺔ لم ﺗﻜﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻴﻬﺎ اﺳﺘﻌماﻻً ﻋﻤﻮﻣﻴﺎً ﻟﻠﻌﻘﻞ. وﻟﺬﻟﻚ، إنّ اﻟﻌﺜﻮر
ﻋﲆ ﻣﺎضٍ ﻟﻔﻈﻲّ ﻟﻜﻞّ ﻣﻔﺮدة ﻗﺮآﻧﻴﺔ ﻫﻮ ﻣﺸﻜﻞٌ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ؛ ﺑﻞ ﺑﺠﺴﺪ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ. ﻫﻲ
ﻟﻐﺎت ﺗﺘﻘﺎﺳﻢ ﺑﻨﻰ ﻧﺤﻮﻳﺔ وﻟﻐﻮﻳﺔ ﺻﺎﻣﺘﺔ، ﺗﺮﺟﻊ إﱃ ﻋﻬﻮد ﻣﺘﻄﺎوﻟﺔ. ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪّ ﻟﻠﻘﺮآن ﻣﻦ أن ﻳُﻘﺎل
ﺑﻠﺴﺎن ﻗﻮم ﻣﻌﻴّﻨين. وﻣﻦ ﺛَﻢّ ﻻ ﻣﻨﺎصَ ﻣﻦ اﺳﺘﻌمال ﺣﻘﻞ ﺗﺪاوﱄ ﻟﻪ ﺟﺬور ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﺑين ﺷﻌﻮب
ﻟﻬﺎ رواﺑﻂ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ، أو ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ روﺣﻴﺔ ﻣﺘﻮاﺷﺠﺔ. ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﻔﻈﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻻ
يمﻜﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﻣﻔﺮدات ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ أو ﻧﺴﻴﺒﺔ ﻟﻬﺎ، ﺳﻮاء ﰲ اﳌﺒﻨﻰ أم ﰲ اﳌﻌﻨﻰ.
إنّ اﳌﺸﻜﻞ ﻻ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﻘﺮآن ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺣﻴﻮاﻧﺎً ﻟﻐﻮﻳﺎً ﺗﻢّ إﻃﻼق ﺣﻤﻠﺔ ﻣﻄﺎردة ﻓﻴﻠﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ
ﺗﺠﺮﻳﺪه ﻣﻦ أﺻﺎﻟﺘﻪ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ، وﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﱃ أﻛﱪ »ﴎﻗﺔ أدﺑﻴﺔ« ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ؛ ﺑﻞ
اﳌﺸﻜﻞ، اﻟﺬي ﻳﺠﺪر ﺑﻨﺎ أن ﻧﻨﺸﻐﻞ ﺑﻪ ﻓﻠﺴﻔﻴّﺎً ﻫﻮ: ﳌﺎذا ﻛﺎن اﳌﻘﺪّس ﰲ ﺣﻀﺎراتِ، وﻟﺪى ﺷﻌﻮبِ،
اﻟﴩق اﻷوﺳﻂ، ﻣﻨﺬ أﻛثر ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ آﻻف ﺳﻨﺔ، ﻗﺎئمﺎً ﻋﲆ ﴎدﻳّﺔ ﻋﻠﻴﺎ ﻣﺘﻜﺮّرة ﺗﻀﻢّ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ
.3 .
. ﻓﺮﺿﻴﺔ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ أو »ﺧﻠﻖ« اﻟﻌﺎلم
2 ؛«
. ﻓﻜﺮة »اﻹﻟﻪ اﻟﺸﺨﴢ
1 :
اﻟﺒﻨﻰ اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ، ﺗﻌﻮد ﻏﺎﻟﺒﺎً إﱃ
. اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ أو ﻳﻮم
7 .
. اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ أو اﻟﻨﺒﻮة
6 .«
. ﻇﺎﻫﺮة »اﻟﻮﺣﻲ
5 .
. إﻧﺰال اﻟﻜﺘﺐ اﳌﻘﺪﺳﺔ
4 .
ﺷﺨﺼﻴﺔ آدم
. اﻵﺧﺮة ﺑﺪﻻً ﻣﻦ اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ... إﻟﺦ. ﻫﻞ ﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬا أنّ اﻟﻘﺮآن، ﰲ ﻧﻮاﺗﻪ اﻷﺧيرة، »وﺛﻴﻘﺔ
8 .
اﻟﺤﺴﺎب
أﻧثروﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ« ﻛما ﺗﻘﻮل ﺟﺎﻛﻠين اﻟﺸﺎبي، ﺣﻴﺚ إنّ »إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﺮآن« ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ »اﳌﺨﻴﺎل
، واﻟﺬي لم ﻳﺼﺒﺢ »ﻣﺴﻠماً ﺑﻌﺪ«، وﻟﻴﺲ ﻟﺪى
108
( اﻟﺬي ﺧﺮج ﻣﻨﻪ
oasique) «
اﻟﻘﺒﲇ« و»اﻟﻮاﺣﺎتي
اﻟﺠماﻋﺔ اﻟﺘﺄوﻳﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺳّﺴﺖ ﺗﻘﻠﻴﺪ »اﻟﻜﺘﺎب اﳌﻘﺪس« ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ أﻓﻖ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤّﺪ؟ إﻻ
أنّ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬه اﳌﻘﺎرﺑﺔ ﻻ ﺗﺒﺪو واﻋﺪة ﻛﺜيراً، وﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮى اﺗﻬﺎم اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤّﺪ ﺑﺄﻧّﻪ ﺧﻠﻊ ﺻﺒﻐﺔ
( ﻋﲆ ﺛﻴمات ﻳﻬﻮدﻳﺔ–ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ، أو ﻧﻘﺪ ﺳﻠﻄﺔ اﳌﻔﴪّﻳﻦ اﳌﺴﻠﻤين اﻟﻼﺣﻘين،
coraniser) «
»ﻗﺮآﻧﻴﺔ
.
109
( ﻋﲆ ﻣﻌﺎني اﻟﻘﺮآن
bibliser) «
ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻋﻜﺴﻮا اﻟﺨﻄﺔ، وﻋﻤﻠﻮا ﻋﲆ ﺧﻠﻊ أﺳﺎﻟﻴﺐ »اﻟﻜﺘﺎب اﳌﻘﺪّس
ﻓﻠﺴﻔﻴّﺎً، ﻻ ﻧﺮى ﻏير ﺗﻘﻠﻴﺪ »ﺗﻮﺣﻴﺪي« أو »إﺑﺮاﻫﻴﻤﻲ« واﺣﺪ يمﺘﺪّ ﻋﲆ ﻓﱰات ﻣﺘﻄﺎوﻟﺔ، ﻻ ﻓﺮق ﻓﻴﻬﺎ
ﺑين ﻋﴫ ﻗﺪﻳﻢ ﻣﺘﻘﺪّم، أو ﻋﴫ ﻣﺘﺄﺧّﺮ. وﻫﺬه اﻟﴪدﻳﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ، ﺑﻌﻨﺎﴏﻫﺎ اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ اﳌﺘﻜﺮّرة ﰲ
اﻟﻜﺘﺐ اﳌﺴماة ﺳماوﻳّﺔ، أﺳّﺴﺖ ﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺠماﻋﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﳌﺘﻤﻴّﺰة ﻫﻲ اﻟﺠماﻋﺔ »اﻹﺑﺮاﻫﻴﻤﻴﺔ«،
اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺢ اﻻﻧﺘماء إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺗﺄوﻳﻠﻴﺔ ﻣﺮﻋﺒﺔ ﺑين اﻟﻌﻘﻮل واﻟﻌﺼﻮر واﻟﺸﻌﻮب. وﻗﺪ ﻋﻤﻞ درﻳﺪا
ﺟﺎﻫﺪاً ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت رﺷﻴﻘﺔ ﻋﲆ إﻋﺎدة إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﳌﺘﻌﺪد )اﻟﻴﻬﻮدي-اﳌﺴﻴﺤﻲ-اﻹﺳﻼﻣﻲ( إﱃ اﻷﻓﻖ
108 - Cf. Jacqueline Chabbi, «La possibilité du Coran comme document anthropologique», in: Mehdi Azaiez,
Sabrina Mervin, Le Coran. Nouvelles approches, op. cit. pp. 189 sqq., 195 sq.
109 - Ibid. p. 204.
ﻓﺘﺤﻲ اﳌﺴﻜﻴﻨﻲ