اﻟﻌﺪد
(12)
232
. ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺘين اﻷوﱃ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﺗﻜﻮن اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﻗﻮﻳﺔ إﱃ درﺟﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﺸﻮﻳﺶ ﻋﲆ
38
اﻻﺟﺘماﻋﻴﺔ
اﻟﺤﻜﻢ؛ إذ ﻳﺼﻠﻮن إﱃ ﺧﺪاع أﻧﻔﺴﻬﻢ؛ ﺑﻴﻨما ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻳﺘﻢ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑﻜﺎﻣﻞ اﻟﻮﻋﻲ.
ﳌﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﰲ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺜﻼث ﺑﻌﻴﺐ ﰲ اﻹرادة وﻟﻴﺲ ﺑﺤماﻗﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ، ﻓﻨﺤﻦ ﺣﻘﺎً أﻣﺎم
ﻣﻌﺼﻴﺔ. ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ؛ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ أﺧﻼﻗﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ، ﻣﺎدام اﻟﺤﺪﻳﺚ
.
39
ﻳﻨﺼﺐ ﻋﲆ اﻟﺼﺪق وﻟﻴﺲ ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻞ
إن ﻟﻮﺿﻊ اﻟﻨﻘﺎش ﰲ اﳌﺠﺎل اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻋﻮاﻗﺐ وﺧﻴﻤﺔ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺤﻮار ﺑين اﻷدﻳﺎن. وﺗﺼﺒﺢ
اﻟﱪﻫﻨﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗُﺪﱢ ﻣَﺖْ ﻣﻦ دون ﻃﺎﺋﻞ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﱰك اﳌﻜﺎن اﺗﻬﺎﻣﺎت ﺑﺎﻟﻨﻔﺎق وﺳﻮء اﻟﻨﻴﺔ. ﻓﻼ
وﺟﻮد ﻷيّ ﻧﻘﺎش ﻓﻜﺮي، دﻳﻨﻴﺎً ﻛﺎن أو ﻻ، ﻻ ﻳﻘﺘﴤ ﺣﺴﻦ اﻟﻨﻴﺔ ﻟﺪى اﳌﺘﺤﺎورﻳﻦ ﴍﻃﺎً ﻣﺴﺒﻘﺎً
وأﺳﺎﺳﻴﺎً. إن ﻋﺪم اﻗﺘﻨﺎع ﺑﻌﺾ ﺧﺼﻮم اﺑﻦ ﺣﺰم بمﱪّراﺗﻪ، اﻟﺘﻲ ﻳﺮى أﻧّﻪ ﻳﺘﻌﺬّر ﺗﺨﻄﻴﻬﺎ، ﻻ ﻳﺪﻓﻌﻪ
إﱃ ﺗﻔﺴيرﻫﺎ أﻛثر، وﻻ إﱃ اﺳﺘﻜﺸﺎف ﻣﻮاﻃﻦ ﺿﻌﻔﻬﺎ اﳌﻤﻜﻨﺔ؛ إﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ إﺿﺎﻓﺔ ﳾء آﺧﺮ ﻏير
اﻟﱪاﻫين اﻟﻼﻋﻘﻼﻧﻴﺔ اﻟﺼﺎدرة ﺑﻐﺮض ﺗﻬﺠمات ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻳﻄﺒﻌﻬﺎ اﻟﺸﻚ واﻟﻘﺬف، وذات ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺿﻌﻴﻔﺔ
ﰲ إﺑﺮاز أﺷﻜﺎل ﺳﻮء اﻟﺘﻔﺎﻫﻢ، وﰲ ﺣﻞ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ.
إن ﻧﻈﺮﻳﺔ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻟﺪى اﺑﻦ ﺣﺰم، اﻟﺘﻲ ﺳﺨﺮﻫﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺤﻮار ﺑين اﻷدﻳﺎن، اﻟﺬي ﻛﺎن
ﻣﺤﻜﻮﻣﺎً ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ، ﺗﺴﻠﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﲆ ﻣﺤﺪودﻳﺔ ﺣﻮار ﻳﺰﻋﻢ أﻧﻪ ﻳﻘﻮم ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻜﻮني اﳌﺸﱰك.
إن ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﺑﻦ ﺣﺰم اﳌﺴﺘﻨﺪة إﱃ اﻹرث اﻟﻴﻮﻧﺎني، اﻟﺘﻲ ﺗﻔﱰض وﺟﻮد ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻣﺸﱰﻛﺔ ﺑين اﻟﻨﺎس ﻛﺎﻓﺔً
ﻛﻴﻔما ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻮاﻫﻢ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ )ﻣﺘﻤﻴﺰاً ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﱰاث اﻟﻨﺨﺒﻮي اﳌﻮﺟﻮد ﺑﻘﻮة ﰲ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ(
أو ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ أو دﻳﻨﻬﻢ، لم ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﻇﺮوف ﻟﻘﺎء ﻣﺜﻤﺮ. إن اﻷﻣﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﻛثر ﻣﻦ ﻋﻴﺐ ﰲ اﻟﻔﻜﺮ
اﻟﻴﻮﻧﺎني أو ﰲ اﻟﻌﻘﻞ، ﻛما ﻳﻔﱰض ذﻟﻚ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﻮﻧﻮا اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو؛ إذ ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﱰﻛﻴﺰ أﻛثر
ﻋﲆ ﺳﺬاﺟﺔ ﻋﻘﻞ أﺣﺎدي اﳌﻌﻨﻰ، ﺑﺎدّﻋﺎﺋﻪ اﳌﺘﴪع ﻟﻠﻜﻮﻧﻴﺔ ﻳﻬﻤﻞ ﺗﻨﻮع أﺷﻜﺎل اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ وﻳﺘﺠﺎﻫﻞ
ﴍﻋﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ.
.248-249
، ص
5
- اﻟﻔﺼﻞ، ج
38
- ﻫﻜﺬا ﻳﺬﻫﺐ اﺑﻦ ﺣﺰم إﱃ ﺣﺪّ ﺗﺄﻛﻴﺪ أن اﻟﻮاﺟﺐ اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ ﻫﺬه اﳌﺴﺄﻟﺔ ﻫﻮ اﻟﺼﺪق. وﻳﺴﺘﺤﻖ ﻫﺬا اﻷﺧير دائمﺎً ﺟﺰاء ﻣﻦ
39
.(245
، ص
5
اﻟﻠﻪ ﺣﺘﻰ وﻟﻮ أﺧﻄﺄ اﻟﻬﺪف )اﻟﻔﺼﻞ، ج
ﻣﺂزق اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ...اﻹﺑﺴﺘﻤﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻻﺑﻦ ﺣﺰم اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ