اﻟﻌﺪد
(12)
104
ﺗﺴﻌﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ إﱃ أن ﺗﺮﺳﻢ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﳌﺎﺿﻴﻬﺎ، ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻌﺎلم إﱃ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ
اﻟﺨير واﻟﴩ، اﻟﻌﺪو واﻟﺼﺪﻳﻖ. ﺗﻜﺜّﻒ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻷورﺑﻴﺔ ﻓﺼﻮﻻً ﻣﻦ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ تمﺘﺪّ
إﱃ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ، ﻟﺘﻌﻴﺪ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻷﻣﺠﺎد اﻟﺬاﺗﻴﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ وﻓﻖ ﻣﻘﻮﻟﺔ »أﺳﻄﻮرة أورﺑﺎ«.
ﻫﺬا اﳌﺠﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻳﻌﻴﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺮﻗﻌﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻷورﺑﻴﺔ ﺧﺎرج أﻗﻠﻴﺎت ﻣﻨﺒﻮذة دﻳﻨﻴﺎً، ﰲ ﺣين
أن اﻟﺼﻮر اﳌﺮﻋﺒﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ أورﺑﺎ، ﻛﺎﻻﺳﺘﻌمار واﻟﻨﺎزﻳﺔ واﻟﻬﻮﻟﻮﻛﺴﺖ... ﻳﺘﻢّ ﻣﺤﻮﻫﺎ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ
ﺳﺠﻞ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ؛ ﻹﺧﻔﺎء ﻣمارﺳﺎت ﻣﺨﺠﻠﺔ وﺑﺸﻌﺔ ارﺗُﻜﺒﺖ ﰲ ﺣﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. ﻓﻬﻞ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺬاﻛﺮة
اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﳌﺜﻘﻠﺔ ﺑﺎﻟﻮﺣﺸﻴﺔ أن ﺗﻔﻀﺢ ﺣﻜﺎﻳﺘﻬﺎ اﻟﺒﺸﻌﺔ؟ ﻳﺠﻴﺐ أﺳﺪ أن »اﻷورﺑﻴين ﻳﺤﺎوﻟﻮن اﻟﺘﺴﱰّ
. ﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷوربي
92
ﻋﲆ ﻓﻈﺎﺋﻊ اﳌﺎﴈ ﺑﺪل ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ«
ﺑﻠﻤﺴﺎت ﺟماﻟﻴﺔ وروﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺻﻮر اﻟﺨﺪش ﰲ اﻟﺬاﻛﺮة. وﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة، ﻳﺮﺳﻢ
اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷوربي ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻵﺧﺮ ﺑﺠماﻟﻴﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﰲ اﻟﺘﺸﻮﻳﻪ اﻷﺧﻼﻗﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﺜﻘﺎﰲ. ﻧﺤﻦ، إذاً، أﻣﺎم
ذات ﻣﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ وﺣﺎﴐة ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ، وأﺧﺮى ﻣﺸﻮّﻫﺔ وﻣﻨﺒﻮذة وﺗﻘﻊ ﺧﺎرج اﻟﺘﺎرﻳﺦ. واﻟﺤﺪﻳﺚ
ﻋﻦ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﺴﻴﺎﳼ، وﻓﻖ ﻫﺬه اﳌﻌﺎدﻟﺔ اﳌﺨﺘﻠّﺔ، ﺣﺪﻳﺚ ﻻ ﻳﺤﺘﻀﻦ ﺳﻮى ﺛﻘﺎﻓﺎت ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ
، ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ
93
اﳌﺮﻛﺰ اﻟﻐﺮبي. ﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى، اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻻ ﻳﺸﻤﻞ ﺳﻮى »أﻗﻠﻴﺎت ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ«
إﱃ ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻮﻟﻮج إﱃ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ واﳌﻜﺎﻧﻴﺔ. ﰲ ﺣين ﻧﺠﺪ اﻷﻗﻠﻴﺔ اﳌﺴﻠﻤﺔ ﺧﺎرج اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ
اﻟﺴﻴﺎﳼﰲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷورﺑﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. ﻻ ﻣﻜﺎن ﻟﻸﻗﻠﻴﺔ اﳌﺴﻠﻤﺔ داﺧﻞ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﻣﺘﺠﺎﻧﺴﺔ ﻟﻠﺰﻣﻦ واﳌﻜﺎن؛
إﻧﻬﺎ أﻗﻠﻴﺔ ﻧﺸﺎز، ﻻ ﺗﺸﺒﻪ ﺑﺎﻗﻲ اﻷﻗﻠﻴﺎت اﳌﺪﻣﺠﺔ ﰲ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﻠﻴﱪاﱄ. ﻓﻬﺬا اﻟﺮﻓﺾ يمﻜﻦ ﻓﻬﻤﻪ،
وﻓﻖ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ ﺗﺮى أن »تمﺜﻴﻞ »أورﺑﺎ« ﻳﺄﺧﺬ ﺷﻜﻞ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻴﱪاﻟﻴين واﻟﻴﻤين اﳌﺘﻄﺮف
؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻈﻞﱡ اﻟﺴﺆال ﻣﻄﺮوﺣﺎً: ﻫﻞ يمﻜﻦ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ أن ﻳﺠﺪ تمﺜﻴﻠﻴﺔ
94
أﺣﺪ ﻓﺼﻮﻟﻬﺎ اﺳﺘﺒﻌﺎد اﻹﺳﻼم«
ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻴﺔ؟ وﻫﻞ يمﻜﻦ ﻟﻠﺤﻜﺎﻳﺔ اﻷورﺑﻴﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺤﻂّ ﻣﺴﺎءﻟﺔ؟ وﻫﻞ يمﻜﻦ أن ﺗﺤﻈﻰ اﻷﻗﻠﻴﺔ
اﳌﺴﻠﻤﺔ ﺑﺎﻻﻋﱰاف واﻻﺣﱰام؟ وﻫﻞ يمﻜﻦ ﻟﻠﻌﻠماﻧﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ أن ﺗﺪﻣﺞ ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻋﻨﺎﴏ ﻗﻮة ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ
ﻟﻠﺠماﻋﺎت اﳌﺴﻠﻤﺔ؟
اﻟﺨﺎتمﺔ:
ﻻ ﻳﺠﺐ ﻓﻬﻢ ﻋﻮدة اﻟﺪﻳﻦ إﱃ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ بمﻌﻨﻰ اﺳﺘﺒﻌﺎد اﻟﻌﻠماﻧﻴﺔ وﻫﻴﻤﻨﺔ اﻟﺨﻄﺎب
اﻟﺪﻳﻨﻲ، أو ﻟﻨﻘﻞ ﻋﻮدة ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺟﺪﻳﺪ. ﻓﺎﻟﺪﻳﻦ لم ﻳﻌﺮف ﻳﻮﻣﺎً ﻧﻬﺎﻳﺔ، ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ
أن ﺳﻴﺎﻗﺎً ﺗﺎرﻳﺨﻴﺎً أﺣﻜﻢ ﻗﺒﻀﺘﻪ، ﻓﱰاﺟﻊ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺪﻳﻨﻲ، وﺗﻢّ ﺣﴫه ﰲ ﻣﺠﺎل ﺧﺎص، ﻣﺠﺎل ﻳﺴﻤﺢ
ﻓﻴﻪ بممارﺳﺔ اﻟﻄﻘﻮس واﻟﺸﻌﺎﺋﺮ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ. وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗﺤﺮص ﺑﺘﻔﺎنٍ، ﻋﲆ ﺣﻴﺎد ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ
92- Ibid., p.212.
93- Ibid., p.222.
94- Ibid., p.214.
ﻋﻮدة اﻟﺪﻳﻦ إﱃ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﰲ ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﳌﴩوع اﻟﻌﻠماني