Next Page  195 / 242 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 195 / 242 Previous Page
Page Background

ﻣﻮﺿﻮع ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺑين ﻫﺬا وذاك، ﻓﺈن ﻋﲆ اﻷول أن ﻳﻔﺼﻞ ﰲ اﻟﺤﺎﴐ ﰲ وﺿﻌﻴﺔ ﺣﺪﺛﺖ ﰲ اﳌﺎﴈ، ﺣﺘﻰ

ﺗﺘﻤﻜﻦ اﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﻣﻦ أن ﺗﺤﻴﺎ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ، وﻣﻦ اﳌﺤﺘﻤﻞ أن ﺗﺼﻔﺢ. وﰲ اﺧﺘﻼف ﺗﺤﻠﻴﻠﻬما ﺗﻜﻤﻦ ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﻤﺜﻠﺔ

ﰲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﳌﺠﺮم، وذﻟﻚ ﺑﺤﻜﻢ أن اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻘﻀﺎئي ﻳﺮﻛﺰ ﻋﲆ اﳌﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ، ﺑﻴﻨما ﻳﺘﻤﻴﺰ

اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﺑﻄﺎﺑﻌﻪ اﳌﺘﻌﺪد؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺄﺧﺬ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﺒﻨﻰ واﻟﺘﻨﻈﻴمات واﻟﺴﻴﺎق، ﻛﺎﺷﻔﺎً ﻋﻦ ﻋﻨﺎﴏ

ﺟماﻋﻴﺔ ﰲ اﳌﺴﺆوﻟﻴﺔ. ﻟﻠﻘﺎﴈ واﳌﺆرخ وﺿﻌﻴﺔ وﻣمارﺳﺔ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺔ؛ ﻛﻞّ واﺣﺪ ﻣﻨﻬما ﻳﻌﻤﻞ ﻋﲆ آﺛﺎر ﻣﺎدﻳﺔ

ﺗﺮﻛﻬﺎ اﳌﺎﴈ ﻛﺪﻻﺋﻞ ﻋﲆ ﺣﺪث )و»اﻟﻨﻤﻮذج اﳌﺆﴍي« ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬي ﺣﻠّﻠﻪ س. ﻏﻴﻨﺰﺑﻮرغ ﻳﺄﺧﺬ ﻫﻨﺎ

دﻻﻟﺘﻪ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ(، وﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬما ﻳﻘﻮده ﻃﻤﻮح إﱃ إﻋﺎدة اﻟﺒﻨﺎء، وﻟﻜﻦ إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﳌﺎﴈ )ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ

اﳌﺆرخ( ﺗﻜﻮن ﺑﻬﺪف ﺗﻌﻴين اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

إذاً، ﻳﻠﺘﻘﻲ اﻟﻘﺎﴈ واﳌﺆرّخ ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﳌﺎﴈ؛ ﻷن ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬما ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺗﻔﺴير ﻟﻠمأﺳﺎة، وﻣﻦ

اﳌﻤﻜﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﺼﻔﺢ. وﻟﻜﻦ، إذا ﻛﺎن اﻟﻘﺎﴈ ﻳﺼﺪر ﺣﻜماً ﻓﺎﺻﻼً )ﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ إﻻ وﻗﺘﺎً ﻣﺤﺪوداً(

ﻓﺈن اﻟﺨﻼف ﺑين اﳌﺆرﺧين ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ، وﻳُﺴﻤﺢ ﰲ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ، وﰲ اﳌﺠﺎل اﻟﻘﻀﺎئي واﻟﻌﺎم، ﺑﺤﺪوث

اﻧﺸﻘﺎﻗﺎت وﻧﻘﺎﺷﺎت دائمﺔ، ويمُﻜﱢﻦ ﻣﻦ أرﺿﻴﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ دوﻣﺎً ﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬاﻛﺮة واﻟﺘﺎرﻳﺦ.

»اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ«: اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺬي ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ذاﻛﺮة وﺗﺎرﻳﺦ

تمﺜﻴﻞ اﳌﺎﴈ ﰲ اﻟﺬاﻛﺮة ﻛما ﻫﻮ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻏير ﻣﻤﻜﻦ؛ ﻷن ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻛﺎﺋﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻲ. واﻟﻮﺿﻊ

اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﺬي دُرس ﰲ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻷﺧير ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب ﻳﻈﻬﺮ وﻛﺄﻧﻪ ﻓﺮﺿﻴﺔ وﺟﻮدﻳﺔ، ﺳﻮاء ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ

اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ، أم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﺘﺬﻛﺮﻳﺔ. إﻧّﻨﺎ ﻻ نمﺜﻞ اﳌﺎﴈ إﻻ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﺰﻣﻦ، وﻷن

أﺟﺪادﻧﺎ وأﺳﻼﻓﻨﺎ وﺟﺪوا ﰲ اﻟﺰﻣﻦ. إذاً، إن اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻫﻮ ﺳﺠﻨﻨﺎ، وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ يمﺜﻞ ﴍط

اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻟﻜﻞّ تمﺜﻴﻞ ﻟﻠماﴈ. وﻛما ﻛﺘﺐ ﺑﻮل رﻳﻜﻮر: »ﻧﺼﻨﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻷﻧﻨﺎ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ«

.(1

، اﻟﻔﺼﻞ

III

)اﻟﻘﺴﻢ

وﻋﻠﻴﻪ، إن اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﻛﻞ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﻣﺴﺎر اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻬﺎﻳﺪﻏﺮﻳﺔ ﰲ )اﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ واﻟﺰﻣﺎن(. واﻟﻔﻜﺮة

اﳌﺮﻛﺰﻳﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻜﺘﺎب، اﻟﺬي ﺳﺒﻖ أن درﺳﻪ رﻳﻜﻮر ﺑﻌﻤﻖ وﺗﺪﻗﻴﻖ ﰲ اﻟﺠﺰء اﻷول ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﺰﻣﺎن

واﻟﴪد(، ﻗﺪ ﺗﺒﻨﺎﻫﺎ، وﻫﻲ ﺗﻘﻮل: »إن اﻟﺰﻣﺎﻧﻴﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻴﺰة أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻮﺟﻮد اﻟﺬي ﻫﻮ ﻧﺤﻦ؛ ﺑﻞ ﻫﻲ اﳌﻴﺰة

ﻗﺒﻞ أيّ ﻣﻴﺰة أﺧﺮى، ﺗُﺸير إﱃ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑين ﻫﺬا اﻟﻮﺟﻮد وﺑين اﻟﻮﺟﻮد بمﺎ ﻫﻮ وﺟﻮد«. ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻫﺬه اﻟﻔﺮﺿﻴﺔ

. وﻻ

14

ﻛﻠﻴﺔً إﱃ ﻣﴩوع ﻣﻘﺎرﺑﺔ )اﻟﺘﺰم ﺑﻬﺎ رﻳﻜﻮر( ﺣﻮل اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻓﻌﻼً وﻗﻮةً داﺧﻞ أﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ

ﺗﺨﺘﺰل اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﻛما ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺬاﻛﺮة واﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺎﳌﺎﴈ. وإذا ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺘﺠﺮﻳﺪ

  - أو ﻛما ﻗﺎل: »إني أﻣﻠﻚ أﺳﺒﺎﺑﺎً ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻠﻘﻮل ﺑﻬﺬه اﻟﻔﻜﺮة، وﻻﺳﻴما أﻧﻨﻲ أﻋﺘﱪ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻮﺟﻮد، ﻓﻌﻼً وﻗﻮةً، ﻫﻮ ﻋﲆ ﺧير ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ

14

. )م(.

511

أﻧثروﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﻘﺎدر«. اﻧﻈﺮ: ص

اﳌﺎﴈ وﻧﻮره اﻷﺑﻴﺾ: ﺣﻮل ﻛﺘﺎب )اﻟﺬاﻛﺮة، اﻟﺘﺎرﻳﺦ، اﻟﻨﺴﻴﺎن( ﻟﺒﻮل رﻳﻜﻮر