Next Page  197 / 242 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 197 / 242 Previous Page
Page Background

اﻟﻌﺪد

(12)

196

اﻟﺼﻔﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻄﻨﻲ وﺗﻔﺼﻠﻨﻲ ﻋﻦ اﳌﺎﴈ اﻟﺬي ﻳﺠﺮي ﰲ اﻟﺬاﻛﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺬﻛﺮ-اﻟﺼﻮرة، ﺣﻴﺚ أُﻗﺪﱢ ر

ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻷﺷﻴﺎء اﳌﺎﺿﻴﺔ، وأﺟﻌﻠﻬﺎ أﺷﻴﺎئي. إن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻮﺻﻞ واﻟﻔﺼﻞ ﺗﺆدي إﱃ ذاﻛﺮة ﺳﻌﻴﺪة،

وذاﻛﺮة ﻫﺎدﺋﺔ، ﺣﻴﺚ تمﺘﻠﻚ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ أن وﺿﻌﺘﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ؛ إﻧﻬﺎ اﻟﺬاﻛﺮة اﳌﺘﺼﺎﻟﺤﺔ،

اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺪ ﰲ اﻟﺼﻔﺢ أﻓﻘﻬﺎ.

أﻣّﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺪوره، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺮد ﻋﲆ ﻣﻄﻠﺐ اﻟﻮﻓﺎء اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﺬاﻛﺮة ﺑـ »ﻣﴩوع اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ«، ﻟﻜﻦ

اﻟﺘﻌﺮف ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ؛ ﻷن اﳌﺆرخ ﻳﻘﻴﻢ ﻋﻼﻗﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻣﻊ اﻵﺛﺎر، وﻷن ﻫﺬه اﻵﺛﺎر ﺗﺸﻜﻞ

ﻣﻮاده؛ وبمﻌﻨﻰ ﻣﺎ، إﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ إﻻ ﻣﻮاد ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺳﻠﻔﺎً، وﻻ ﺳﻴّما أن اﻟﺘﺎرﻳﺦ، بمﺎ ﻫﻮ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻛﺘﺎﺑﺔ،

ﻳُﻘﻮﱢ ي ﻫﺬه اﳌﺴﺎﻓﺔ ﻣﻊ ﻣﻮﺿﻮع إﺣﺎﻟﺘﻪ. وﻋﻠﻴﻪ، إنّ اﻟﺸﻚ ﻻ يمﻜﻦ ﺗﺠﺎوزه، وﺗﻌﺪّ اﳌﻨﺎﻗﺸﺎت

واﻟﺨﺼﻮﻣﺎت اﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﺗﻌﺒيراً ﻋﻦ ذﻟﻚ. إن ﻫﺬا اﳌﺴﺎر يمﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن »ﺗﺎرﻳﺨﺎً ﺷﻘﻴّﺎً«، وﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ

»اﻟﻐﺮاﺑﺔ اﳌﻘﻠﻘﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ«.

إن اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑين اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺬاﻛﺮة ﺗُﻨﺴﺞ اﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ ﻗﻄﻴﻌﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﺬه واﺧﺘﻼﻓﺎﺗﻬﺎ. ﺗﻐﺬي

اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺘﺎرﻳﺦ دائمﺎً؛ ذاﻛﺮة اﻟﺸﺎﻫﺪ اﻟﺬي ﻳﻘﻮل »ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ«، وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻠﻤﺆرّخ ﺑﺄن ﻳﺸﻜﻞ

وﺛﻴﻘﺔ. ﻟﺬﻟﻚ، ﺗﺒﻘﻰ اﻟﺬاﻛﺮة ﻫﻲ اﻟﺤﺎرس ﻋﲆ اﻟﺠﺪﻟﻴﺔ اﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ ﻟﻠماﴈ ﻣﺎ ﺑين »لم ﻳﻌﺪ« و»ﺑﻌﺪ أن

ﻛﺎن«، وﻻﺳﻴّما أﻧﻬﺎ ﺗﺆﺳﺲ ﻟﻌﻼﻗﺔ أﺻﻴﻠﺔ وﻛﻠﻴﺔ ﺑﺎﳌﺎﴈ.

أﻣّﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻀﻊ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻊ اﻟﺬاﻛﺮة ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻧﻔﺎذه، وذﻟﻚ اﺑﺘﺪاءً ﻣﻦ اﳌﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻮﺛﻴﻘﻴﺔ،

ﺣﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ اﻟﺸﻬﺎدة اﻟﺸﻔﻮﻳﺔ ﻟﻠﺬاﻛﺮة وﺛﻴﻘﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ، ووﺛﻴﻘﺔ ﻏﺎرﻗﺔ ﺑين اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻷﺧﺮى، اﻟﺘﻲ

ﻳﻜﻮن أﻏﻠﺒﻬﺎ ﻟﻴﺲ ذﻛﺮﻳﺎت ﻣﺮوﻳﺔ؛ ﺑﻞ أﺷﻴﺎء وأﻃﻼﻻً وآﺛﺎراً ﻣﺎدﻳﺔ. إن ﺣﻘﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﺳﻊ ﻣﻘﺎرﻧﺔً

ﺑﺤﻘﻞ اﻟﺬاﻛﺮة، »وﻳﺒﺤﺚ ﰲ اﻟﺰﻣﻦ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻐﺎﻳﺮة«؛ وﻫﻨﺪﺳﺎت اﳌﻌﻨﻰ ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻔﺴير ﻏﻨﻴﺔ ﺟﺪاً

ﻣﻘﺎرﻧﺔً بمﺎ تمﻠﻜﻪ اﻟﺬاﻛﺮة. إذاً، ﺗﻀﻊ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻊ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﻴّﺔ ﻟﻠﺬﻛﺮى واﻟﺤﻀﻮر

اﻟﻐﺎﺋﺐ ﻟﻠماﴈ. وﻳﺒﻘﻰ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺗﺤﺪﻳﺪاً ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻊ اﳌﺎﴈ، ﻛما أﻧﻪ ﻏير ﻣﺸﺨﺺ )بمﺎ أﻧﻪ

ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻧﺤﻮ ﻗﺎرئ ﻏير ﻣﺤﺪّد(، وﻟﻜﻦ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ أن ﻳﻜﻮن ﻋﺎدﻻً، وﻣﻦ ﺛﻢّ يمﻜﻦ ﻟﻺﻧﺼﺎف ﰲ

اﻟﺘﺎرﻳﺦ أن ﻳﻠﻄﻒ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺨﺎﺻّﺔ، وذﻟﻚ ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻪ اﻷﺣﺪاث ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ اﳌﻨﺎﺳﺐ، وذﻟﻚ

ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻮﺿﻴﺢ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺤﻴّﺔ ﳌﺎﴈ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت، واﺳﺘﺨﺮاج اﻷﺣﺪاث

ﻣﻦ اﻟﻨﺴﻴﺎن. وﺑﺬﻟﻚ يمﻜﻦ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ أن ﻳثري اﻟﺬاﻛﺮة، وأن ﻳﺼﺤّﺤﻬﺎ، ﻣﻦ ﺧﻼل إﻗﺎﻣﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻨﺼﻔﺔ

ﻣﻊ اﳌﺎﴈ.

إذاً، إن اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺬاﻛﺮة ﻳﻜﻮﻧﺎن ﰲ ﻋﻼﻗﺔ ﻓﺼﻞ ووﺻﻞ. وﺗﺘﺸﻜﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﻣﺎﴈ اﻟﻜﺎﺋﻦ

اﳌﺎﴈ وﻧﻮره اﻷﺑﻴﺾ: ﺣﻮل ﻛﺘﺎب )اﻟﺬاﻛﺮة، اﻟﺘﺎرﻳﺦ، اﻟﻨﺴﻴﺎن( ﻟﺒﻮل رﻳﻜﻮر