اﻟﻌﺪد
(12)
142
»إن أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻫﺬا )ﻳﻌﻨﻲ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ( ﻣﺎ اﻧﻔﻚّ ﻳﺴﺘﻘﺪم إﱃ أبي ﻳﻌﻘﻮب ﻋﻠماء آﺗين ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ
اﻷﻣﺼﺎر، وﻳﺠﻌﻞ ﻫﺆﻻء ﻳﺤﻈﻮن ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﺣﻈﻮﺗﻪ وﺛﻨﺎﺋﻪ. ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻟﻔﺖَ اﻷﻧﻈﺎرَ إﱃ أبي
اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ رﺷﺪ، اﻟﺬي ﺻﺎر، ﻣﻨﺬﺋﺬٍ، ﻣﻌﺮوﻓﺎً ﻣﺤﺎﻃﺎً ﺑﺎﻟﺘﻘﺪﻳﺮ. أﺧﱪني ﺗﻠﻤﻴﺬه اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻷﺳﺘﺎذ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ
داود ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ ﻗﺎل: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺤﻜﻴﻢ أﺑﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﻳﻘﻮل: ﻏير ﻣﺮة: ﳌﺎ دﺧﻠﺖ ﻋﲆ أﻣير اﳌﺆﻣﻨين
أبي ﻳﻌﻘﻮب وﺟﺪﺗﻪ ﻫﻮ وأﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ، ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻬما ﻏيرﻫما. ﻓﺄﺧﺬ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻳﺜﻨﻲ ﻋﲇّ، وﻳﺬﻛﺮ
ﺑﻴﺘﻲ وﺳﻠﻔﻲ، وﻳﻀﻢ، ﺑﻔﻀﻠﻪ، إﱃ ذﻟﻚ أﺷﻴﺎء ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻬﺎ ﻗﺪري. ﻓﻜﺎن أول ﻣﺎ ﻓﺎﺗﺤﻨﻲ ﺑﻪ أﻣير اﳌﺆﻣﻨين،
ﺑﻌﺪ أن ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ اﺳﻤﻲ واﺳﻢ أبي وﻧﺴﺒﻲ، أن ﻗﺎل ﱄ: ﻣﺎ رأﻳﻬﻢ ﰲ اﻟﺴماء، ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ أﻗﺪيمﺔ
ﻫﻲ أم ﺣﺎدﺛﺔ. ﻓﺄدرﻛﻨﻲ اﻟﺤﻴﺎء واﻟﺨﻮف، ﻓﺄﺧﺬت أﺗﻌﻠﻞ وأﻧﻜﺮ اﺷﺘﻐﺎﱄ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ولم أﻛﻦ أدري
ﻣﺎ ﻗﺮر ﻣﻌﻪ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ. ﻓﻔﻬﻢ أﻣير اﳌﺆﻣﻨين ﻣﻨﻲ اﻟﺮوع واﻟﺤﻴﺎء، ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ إﱃ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ وﺟﻌﻞ ﻳﺘﻜﻠﻢ
ﻋﲆ اﳌﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻟﻨﻲ ﻋﻨﻬﺎ، وﻳﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ أرﺳﻄﻮﻃﺎﻟﻴﺲ وأﻓﻼﻃﻮن وﺟﻤﻴﻊ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ، وﻳﻮرد ﻣﻊ
ذﻟﻚ اﺣﺘﺠﺎج أﻫﻞ اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻴﻬﻢ. ﻓﺮأﻳﺖ ﻣﻨﻪ ﻏﺰارة ﺣﻔﻆ لم أﻇﻨﻬﺎ ﰲ أﺣﺪ ﻣﻦ اﳌﺸﺘﻐﻠين ﺑﻬﺬا اﻟﺸﺄن
اﳌﺘﻔﺮﻏين ﻟﻪ. ولم ﻳﺰل ﻳﺒﺴﻄﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻠﻤﺖ، ﻓﻌﺮف ﻣﺎ ﻋﻨﺪي ﻣﻦ ذﻟﻚ... أﺧﱪني ﺗﻠﻤﻴﺬه اﳌﺘﻘﺪم
اﻟﺬﻛﺮ ﻋﻨﻪ ﻗﺎل: اﺳﺘﺪﻋﺎني اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ ﻓﻘﺎل ﱄ: ﺳﻤﻌﺖ أﻣير اﳌﺆﻣﻨين ﻳﺸﺘكي ﻣﻦ ﻗﻠﻖ ﻋﺒﺎرة أرﺳﻄﻮ
وﻋﺒﺎرات اﳌﱰﺟﻤين ﻋﻨﻪ، وﻳﺬﻛﺮ ﻏﻤﻮض أﻏﺮاﺿﻪ وﻳﻘﻮل: ﻟﻮ وﺟﺪ ﻟﻬﺬه اﻟﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﻳُﻠﺨﱢﺼُﻬﺎ وﻳُﻘﺮﱢب
أﻏﺮاﺿﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ﻓﻬماً ﺟﻴﺪاً ﻟﻘــــــﺮّب ﻣﺄﺧﺬﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس، ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﻴﻚ ﻓﻀﻞ ﻗﻮة ﻟﺬﻟﻚ
ﻓﺎﻓﻌﻞ وإني ﻷرﺟﻮ أن ﺗﻔﻲ ﺑﻪ ﳌﺎ أﻋﻠﻤﻪ ﻣﻦ ﺟﻮدة ذﻫﻨﻚ وﺻﻔﺎء ﻗﺮﻳﺤﺘﻚ وﺷﺪة ﻧﺰوﻋﻚ إﱃ ﻫﺬه
اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ، وﻣﺎ يمﻨﻌﻨﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ إﻻ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻪ ﻣﻦ ﻛﱪ ﺳﻨﻲ واﺷﺘﻐﺎﱄ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ وﴏف ﻋﻨﺎﻳﺘﻲ إﱃ ﻣﺎ
.
5
ﻫﻮ أﻫﻢ ﻋﻨﺪي ﻣﻨﻪ«
ﺗﺠﺪر اﻹﺷﺎرة، ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق، إﱃ أن اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ ﻛﺎن أوﻓﺮَ ﺣﻈّﺎً ﻣﻦ ﻣﻌﺎﴏِه اﻟﺸﻬير ﻫﺬا؛ إذ إﻧﻪ ﺣﺎﻓﻆ
(. أﻣّﺎ اﺑﻦ رﺷﺪ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ أﻣﺮُﻩ ﻛﺬﻟﻚ؛ إذ أﻟﻔﻰ
1185)
ﻋﲆ ﺻﺪاﻗﺔ أبي ﻳﻌﻘﻮب وﻣﻮدﺗﻪ إﱃ ﻏﺎﻳﺔ وﻓﺎﺗﻪ ﻋﺎم
ﻧﻔﺴﻪ ﻗُﺒﻴﻞ وﻓﺎﺗﻪ ﺿﺤﻴﺔً ﳌﺆاﻣﺮة دﺑ ﱠ ﺮﻫﺎ ﻟﻪ -ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ- ﻓﻘﻬﺎء ﻗﺮﻃﺒﺔ. إن ﻫﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ ﻟﺪﻟﻴﻞٌ ﻧﺎﻃﻖ ﻋﲆ
ﻋﻮدة اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻠماﻟﻜﻴﺔ ﰲ زﻣﻦ ﻳﻌﻘﻮب اﳌﻨﺼﻮر، اﻟﺬي أﻋﻠﻦ ﴏاﺣﺔً اﻧﴫاﻓﻪ ﻋﻦ اﳌﺬﻫﺐ اﳌﻮﺣﺪي. وﻻ
ﻏﺮاﺑﺔ، ﻓﻘﺪ ذﻛﺮ اﳌﺮاﻛﴚ أن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أﺧﻀﻊ ﻓﻴﻠﺴﻮف ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻟﻼﺳﺘﻨﻄﺎق، وأﻣﺮ ﺑﻄﺮده، وﺑﺈﴐام اﻟﻨﺎر ﰲ
ﻣﺆﻟّﻔﺎﺗﻪ، وﰲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺼﻨّﻔﺎت اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻛما ﺣَﻈﺮ دراﺳﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻠﻮم، ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﻄﺐ واﻟﻔﻠﻚ،
ﳌﺎ ﻳﻘﱰن ﺑﻬما ﻣﻦ ﺗﻄﺒﻴﻘﺎت ﻋﻤﻠﻴﺔ. »ﻏير أﻧﻪ رﺟﻊ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻘﺮارات ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺣين ﻋﺎد إﱃ ﻣﺮاﻛﺶ،
.(307-306
واﻧﴫف إﱃ دراﺳﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻓﺼﺎر بمﺜﺎﺑﺔ أبي وﻟﻴﺪ اﻷﻧﺪﻟﺲ بمﺪﻳﻨﺔ ﻣﺮاﻛﺶ« )اﳌﻌﺠﺐ، ص
. إن اﻻﻫﺘمام
171-172
، ص
1949 ،
- اﳌﻌﺠﺐ ﰲ ﺗﻠﺨﻴﺺ أﺧﺒﺎر اﳌﻐﺮب، ﻃﺒﻌﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻌﺮﻳﺎن وﻣﻮش، اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ، اﻟﻘﺎﻫﺮة
5
in Studia islamica, .
ﺑﺎﳌﺴﺎﺋﻞ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻳﻌﻮد ﻋﲆ اﻷﻗﻞ إﱃ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ، ﻛما ﻳﻘﻮل أ. اﻟﱰكي ﰲ: ﺗﺒﺠﻴﻞ ﻣﺎﻟﻚ وﻣﻌﺎلم اﳌﺎﻟﻜﻴﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ
.XXXIII
ﺗﻘﺪﻳﻢ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ