اﻟﻌﺪد
(12)
155
ﻻ ﻳﺰال ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻣﺴﻠّمات ﻣماﺛﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻴﻬﺎ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ، ﻏير آﺑﻬين بمﺎ ﺷﻬﺪﺗﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻐيرات ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ. وﰲ اﻟﺴﻴﺎق ذاﺗﻪ، إن رﺳﻮخَ رواﺳﺐ اﳌﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ
اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ، واﺳﺘﻤﺮارَ ﺧُﻄﺎﻃﺎﺗﻬﺎ، ﻟﻜﻔﻴﻞٌ ﺑﺄن ﻳﻔﴪ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﺣﻲّ ﻗﺎدراً ﻋﲆ أن ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ
ﻗﺪراً ﻣﻦ اﻟﺮاﻫﻨﻴﺔ ﻟﺪى ﻓﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮّاء اﻟﻌﺮب اﳌﺴﻠﻤين ﻣﻤّﻦ ﻳَﺴﻜﻨﻬﻢ اﻟﻘﻠﻖ اﳌﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ، وﻳُﺒﻘﻲ
ﺗﻜﻮﻳﻨُﻬﻢ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي داﺧﻞ ﻫﺬه اﻟﱰﺳﻴﻤﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻈﻞﱡ اﳌﺘﺨﻴﻞ واﻟﻌﻘﻼني، واﻻﻧﺪﻓﺎع اﻟﻮﺟﺪاني
واﳌﻘﺘﴣ اﳌﻨﻄﻘﻲ ﻣﻘﻮﻣﺎت ﻣﺘﻼزﻣﺔ ﻻ اﻧﻔﺼﺎم ﻟﻬﺎ.
أﻣّﺎ اﻟﺨﻄﺄ اﳌﻨﻬﺠﻲ اﻟﺜﺎني، ﻓﺘﺠﺴﱢ ﺪُﻩ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺠﺎﻣﺤﺔ ﰲ اﻟﺮﺟﻮع ﺑﻜﺘﺎب )ﺣﻲّ( إﱃ أﺻﻮل
ﻣﺤﺪّدة ﻛﻴﻔما اﺗﻔﻖ. ﻓﺎﻟﻜﺘﺎب ﻣﺨﺘﻠﻒ تمﺎم اﻻﺧﺘﻼف ﺣﺘﻰ ﻋﻦ نمﻮذﺟﻪ اﻷﺻﲇ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﻜﺮه
ﻣﻨﻜﺮ وﻫﻮ )ﺣﻲ( اﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ. اﻟﺤﺎل أن ﺣﺠﺮ اﻟﺰاوﻳﺔ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﻫﻨﺎ، ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﻔﻌﻞ
اﳌﻮﺟﱢ ﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻜﻢ اﳌﺘﻌﺎرَف اﳌﺸﱰك ﻣﻦ اﳌﺴﻠّمات ﰲ ﻓﻜﺮ ﺣﻘﺒﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ؛ ﻛما أن ﻣﺪار اﻷﻣﺮ
إنمّﺎ ﻳﺘﻤﺜﻞ، ﻛما ﺳنرى ﻻﺣﻘﺎً، ﰲ اﻟﺒﻨﻰ اﳌﻌﺠﻤﻴﺔ واﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻄﺎب ﻓﻠﺴﻔﻲ
دﻳﻨﻲ ﺻِﻴﻎَ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺤّﺔ. وﻛما ﻫﻮ اﻟﺸﺄن ﰲ ﻧﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮ، ﻳﺴﻮغ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ
أﺳﻠﻮب ﺟﻤﻌﻲﱟ تمﺎرﺳﻪ ذاتٌ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ. وﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻌﻤﱢ ﻢ ﻣﻔﻬﻮﻣﻲ اﻷﺳﻠﻮب
واﻟﺬات اﻟﺠﻤﻌﻴين ﻋﲆ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺘﻲ ﺻﺎﻏﺖ ﻟﻐﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻬﻴﻠﻴﻨﻴﺔ، ورﺳﻤﺖ ﻣﻌﺎﳌَﻬﺎ. ﻓﻘﺪ دأب
اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻌﺮبي ﻋﲆ أن ﻳﻜﺘﺐ ﻣﺘﻮﺳﱢ ﻼً ﺑﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﳌﻌﺎرف ﻣﺤﻔﻮﻇﺔٍ ﻋﻦ ﻇﻬﺮ ﻗﻠﺐ، ﻣﺘﺨﺬاً
ﻃﺮاﺋﻖ ﺗﻌﺒيرﻳﺔ ﺗﻘﻴ ﱢ ﺪه وﺗﻜﺒّﻠﻪ، وﻻﺳﻴّما أﻧﻬﺎ ﻇﻠﺖ ﺗُﺘﺒَﻊ ﺑﺄﻣﺎﻧﺔ، وﻳُﻨﺴَﺞ ﻋﲆ ﻣﻨﻮاﻟِﻬﺎ ﺗﻘﻠﻴﺪٌ ﻣﺪرﳼﱞ
ﻃﻮﻳﻞ اﻷﻣﺪ. ﺑﻴﺪَ أن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻳﻘﻮم ﻋﲆ اﻟﺘﻜﺮار اﻟﴫف واﻻﺟﱰار
اﻷﻋﻤﻰ، ﻣﺎ ﺳﻴﺠﻌﻞ ﻣﻨﻪ، إذاً، ﺧﻄﺎﺑﺎً ﻻ ﺟﺪوى ﻣﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺴﻮﺳﻴﻮﺛﻘﺎﻓﻴﺔ. ﻓﻜما أن اﻟﻘﻮاﻟﺐ
واﻟﺼﻴﻎ اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﺜير ﻟﺪى اﳌﺴﺘﻤﻊ ﺗﺪاﻋﻴﺎتٍ وﺗَﺼﺎدﻳﺎتٍ ﺣﻴﺔ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺘﻀﺢ
أن اﻷﺳﺲ اﳌﺸﱰﻛﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈِﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ )ﻣﻦ ﻣﻌﺠﻢ ﻓﻨﻲ اﺻﻄﻼﺣﻲ وﺑﻨﻰ ﻧﺤﻮﻳﺔ
وﺗﺮﻛﻴﺒﻴﺔ(، ﻫﻲ ﻣﻜﻮﻧﺎت ﻳُﻌﺎد ﺗﻔﻌﻴﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﻔﺎوت ﺑﺤﺴﺐ اﻻﺳﺘﻌمال اﳌﺨﺼﻮص اﻟﺬي
.
11
ﺗﺨﺼﻬﺎ ﺑﻪ ﻛﻞﱡ ذاتٍ ﻓﺮدﻳﺔ
. ب. اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻔﻜﺮ ﰲ )ﺣﻲّ(
2 .2
ﻗﺒﻞ أن ﻧﺨﻮض ﰲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻮاﻫﻢ ﻋﻦ اﻷﺻﻮل واﻟﺮواﻓﺪ داﺧﻞ ﻧﺺﱟ ﻳﺘﺪاﺧﻞُ ﻓﻴﻪ ﺣﺸﺪٌ ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ
اﻻﺳﺘﺬﻛﺎرات واﻻﺳﺘﻴﻬﺎﻣﺎت واﻟﺮﻏﺒﺎت واﳌﻌﺘﻘﺪات واﻟﻴﻘﻴﻨﻴﺎت اﻵﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر ﺷﺪﻳﺪة اﻻﺧﺘﻼف
واﻟﺘﻨﻮع، ﻳﺠﺪر ﺑﻨﺎ أن ﻧﻌﻤﻖ اﻟﻨﻈﺮ، ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﺳﺒﻴﻼً، ﰲ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺬي ﻋﱪَﻩ
11 - M.Arkoun, Essais, op. cit, pp. 149 ss ct 185 ss.
ﺑﻘﻠﻢ: ﻣﺤﻤﺪ أرﻛﻮن/ ﺗﺮﺟﻤﺔ: ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﻓﺘﺢ اﻟﺪﻳﻦ