مجلة ألباب - العدد الثاني عشر

155 / 242

اﻟﻌﺪد
(12) 154
. وﻳﺘﺴﻢ ﻫﺬا اﳌﺘﺨﻴﻞ، ﺑﺪوره، ﺑﻜﻮﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﻔﺼﻞُ، اﻟﺒﺘﺔ، ﻋﻦ أﺣﺪ 10 إﱃ ﺳﻠﻮك ﻓﻠﺴﻔﻲ-دﻳﻨﻲ ﻣﻌينﱠ
اﳌﺴﺘﻠﺰﻣﺎت اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻋﲆ ﺻﻌﻴﺪ ﺛﻠّﺔ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺠﺰﺋﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ. ﻫﻨﺎك،
أﻳﻀﺎً، اﺳﺘﻨﺒﺎطٌ ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺴﻠﻮك ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻼﺣﻈﺔٍ ﻣُﻄﱠﺮدة ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﻈﻮاﻫﺮ )اﻧﻈﺮ:
وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ، ﺣﻴﺚ ﻧﺮى اﻟﻌﻘﻞ ﻧﻔﺴَﻪ ﻳﻘﻮد ﺑﺤﺜﺎً ﻣﻨﻬﺠﻴﺎً ﻣﻨﻈﱠماً ﻻﺳﺘﻜﻨﺎه ﻣﻌﻨﻰ اﳌﻮت )ص 30 ص
(، ﺛﻢّ ﻻ ﻳﻠﺒﺚ ﻏﺎﺳﺘﻮن ﺑﺎﺷﻼر أن ﻳﻨﺘﻘﻞ، دون أدنى ﺣﺮج، إﱃ ﺗﺄﻣّﻞ ﻓﻜﺮي ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺣﻠﻢ 37-31
اﻟﻴﻘﻈﺔ، ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ اﻟﺬي أﻋﻄﺎه غ. ﺑﺎﺷﻼر ﻟﻬﺬا اﳌﻔﻬﻮم(. ﺗﺄﻣّﻞ ﻛﺎﻵتي: ﻟﻘﺪ ﻓﻬﻢ، إذاً، أن ﻣﺎ يمﻠﻜﻪ ﰲ
ﺟﻮﻫﺮه ﻫﻮ ﳾء أﻛﱪ وأﻛﻤﻞ وأﺗﻢ وأﻣﺜﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا، ﳾء أﻛثر ﺟماﻻً وإﴍاﻗﺎً وأﺷﺪﱡ دواﻣﺎً وﺧﻠﻮداً
ﻣﻦ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﺳﻮاه.
إﻧﻪ ﻣﺎ اﻧﻔﻚّ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻜمال ﻛﻠﻬﺎ، وﻫﺎ ﻫﻮ ﻳﻜﺘﺸﻒ أﻧﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺼﻴﺒﻪ، وأﻧﻬﺎ ﺗﻨﺒﻊ
ﻣﻨﻪ؛ ﺑﻞ إﻧﻪ أﺣﺮى ﺑﻬﺎ وأﺟﺪر ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﺧﺎرج ﻛﻴﺎﻧﻪ. ﺛﻢ إﻧﻪ ﺑﺤَﺚَ ﻋﻦ أﺷﻜﺎل
.(67 اﻟﻨﻘﺺ واﻟﻼﻛمال ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻟﻴﻜﺘﺸﻒ أﻧﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺮاء... )ص
وﻻ ﺷﻚ ﰲ أن ﻣﻦ اﻟﻼزم أنْ ﻳﺪرك اﳌﺮء أن ﻣﻔﻬﻮم ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﻌﻠﻮم، ﻛما ﺗﻢ ﺣﺪﱡ ﻩ وﺗﻌﺮﻳﻔﻪ، ﻫﻮ
ﻣﻘﻮﻟﺔ ذات ﻣﻀﻤﻮن ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻻ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ؛ ﻓﺒﻬﺎ ﻳﺘﺄتىّ اﺳﺘﺠﻼء ﻣﻌﺎلم اﳌﺠﺎل اﻟﺬﻫﻨﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﺤﺮك
ﻓﻴﻪ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮبي اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي. إﻧﻪ، ﺑﺘﻌﺒير أوﺿﺢ، ﻣﻔﻬﻮمٌ ﻳﻘﺘﴤ ﻣﻨ ﱠ ﺎ أن ﻧﺄﺧﺬ ﰲ اﻟﺤﺴﺒﺎن
نمﻂ إدراك اﻟﻮاﻗﻊ، وأﻃﺮ اﻟﺘﻤﺜﻞ، واﳌﻈﻬﺮ اﻟﻨﻔﴘ؛ ﺑﻞ واﻟﻘﻮى اﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻫﺬا اﻟﴬب ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺬي ﻳﺘﺠﲆ ﰲ ﻛﺘﺎب )ﺣﻲّ(. وإذا ﻣﺎ ﺗﻮﺳﻠﻨﺎ ﺑﻬﺬه اﳌﻌﻄﻴﺎت، اﻟﺘﻲ ﻳﺰوﱢ دﻧﺎ
ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ، أﻣﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺘﻔﺎدى، وﻧﺼﺤﺢ، ﺧﻄﺄﻳﻦ ﻣﻨﻬﺠﻴين ﻟﻄﺎﳌﺎ ﺗﻢّ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻴﻬما:
أوﻟُﻬما أن ﻣﻦ ﻏير اﳌﴩوع أن ﻧﻘﺘﻄﻒ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻘﺮات وﻣﻘﺎﻃﻊ ذات ﻣﻨﺰع ﻋﻘﻼني ﻟكي ﻧﻘﻮل، ﻛما
ﻳﺬﻫﺐ إﱃ ذﻟﻚ س. ﺣﺎوي، ﻣﺜﻼً، إن ﻣﴩوع اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻗﺮﻳﺐ اﻟﺸﺒﻪ بمﴩوع اﳌﺤﺪَﺛين
وﻫﻮﴎل وت. دو ﺷﺎردان hæckel ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ )أﻣﺜﺎل دﻳﻜﺎرت وﻫﻴﻮم وداروﻳﻦ وإرﻧﺴﺖ ﻫﻴﻜﻞ
وﻏيرﻫﻢ(. اﻟﻮاﻗﻊ أن »اﻟﺒﺪاﻳﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ/ أو اﻟﺠﺬرﻳﺔ« ﻟﻠﺒﺤﺚ، ﻣﻮﺿﻮع ﻛﺘﺎب )ﺣﻲّ(، ﻫﻲ أﻗﺮب إﱃ
ﻧﻈيرﺗﻬﺎ ﻟﺪى اﻟﻐﺰاﱄ، ﺑﺤﻜﻢ أن ﻛﻼ اﳌﻔﻜﺮﻳﻦ ﻛﺎن ﻳﺘﺤﺮك ﺿﻤﻦ ﻣﺠﺎل ذﻫﻨﻲ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ إﱃ ﻣﺎ ﻧﺠﺪه
ﻋﻨﺪ أرﺳﻄﻮ وﻫﻮﴎل وﻫﺎﻳﺪﻏﺮ وﻣﻦ ﺟﺮى ﻣﺠﺮاﻫﻢ... وﰲ اﳌﻘﺎﺑﻞ، إﻧﻪ أﻣﺮ ذو دﻻﻟﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ
اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻔﻜﺮ أن ﻧﺒينﱢ اﻟﺘﻬﺎﻓﺖ اﻟﺬي ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻴﻪ اﳌﺤﺪﺛﻮن؛ إذ ﻳﺨﻮﺿﻮن ﰲ ﺗﻔﻜير ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ
- ﻳُﺜﺎر إﺷﻜﺎل اﻟﺘﻮاﻓﻖ ﺑين اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻤﻞ، ﺑين اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﻟﺴﻠﻮك اﻟﻌﻤﲇ، ﺑﺤﺴﺐ ﻣﻨﻈﻮر ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ. وﻣﻦ اﳌﻌﻠﻮم أن ﻫﺬا اﻟﺘﻮاﻓﻖ 10
ﻳﺸﻜﻞ ﻣﻄﻠﺒﺎً ذا أوﻟﻮﻳﺔ ﰲ ﻛﻞّ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻷﺧﻼق اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ. وﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﻧﻘﻮل اﻟﻘﻮل اﻟﻔﺼﻞ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ، ﻋﻠماً أن اﳌﺮاﻛﴚ ﻳﺬﻛﺮ،
ﰲ اﻵن ذاﺗﻪ، أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻨﻌﺰل ﰲ اﻟﻘﴫ أﻳﺎﻣﺎً وﻟﻴﺎﱄ، ﻣﺎ ﻳﻘﻮد إﱃ اﺳﺘﺤﻀﺎر ﺣﻴﺎة اﻟﺘﺄﻣﻞ واﻟﺘﻔﻜﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺤﻴﺎﻫﺎ ﺣﻲّ، وأﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺘﻠﻘﻰ أﺟﺮاً،
ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﳌﻮﻇﻔين واﳌﺄﺟﻮرﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﻬﻨﺪﺳين وﻛﺘﺎب وﺷﻌﺮاء ورﻣﺎة وﺟﻨﻮد؛ ﻟﺬا ﻛﺎن ﻳﺮدّد ﻗﺎﺋﻼً: ﻟﻮ وﺟﺪت اﳌﻮﺳﻴﻘﺎ ﻣﻦ ﻳُﻘﺒﻞ
.(207 )ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ، صﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻟﺒﻌﺘﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻨﻬﺎ
ﺗﻘﺪﻳﻢ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ