اﻟﻌﺪد
(12)
153
. إن اﻟﺪﻟﻴﻞ اﳌﺆﴍّ إﱃ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤﻘّﺔ ﻫﻮ اﻟﺘﺤﺮّر اﻟﺘﺎم ﻟﻠﺠﻮﻫﺮ، وﺗﺨﻠﱡﺼﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻮد
7
اﳌﺎدﻳﺔ اﻟﻌﺎرﺿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺒّﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﺧﺎﺻّﺔً )وﻫﺬا ﻫﻮ اﳌﻌﻨﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﺬي ﺗﺤﻤﻠﻪ ﺳيرة
ﺣﻲّ(.
. اﻟﻌﻘﻞ ﻫﻮ ﺟﻮﻫﺮ اﻹﻧﺴﺎن؛ إن ﻟﻪ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻛﺘﺸﺎف وﺟﻮد اﻟﻠﻪ ﻣﺘﻰ اﺗّﺒﻊ ﻣﺴﺎراً ﻳﻌﻤﻞ
8
ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﻘﺎمٍ ﻋﲆ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ اﻛﺘﺴِﺐ ﰲ اﳌﻘﺎم اﻟﺴﺎﺑﻖ، وﻳﺒﴩﱢ ، ﻣﺴﺒﻘﺎً، ﺑﺠَمال اﳌﻘﺎم اﻟﻼﺣﻖ
وﺑﻬﺎﺋﻪ... إﱃ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻷﻣﺮ إﱃ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﻠﻪ. وﻣﻦ ﺛﻢّ، ﻟﱧ ﻛﺎن اﳌﻘﺎم ﻳﺴﺒﻖ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻬﻴﺊ اﻟﺮؤﻳﺔ
اﻟﺘﺄﻣّﻠﻴﺔ، وﻳﻔﺴﺢ اﻟﺴﺒﻴﻞ أﻣﺎﻣﻬﺎ.
. اﻟﻠﻪ ﻫﻮ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﻮﺟﻮد، ﻫﻮ اﻟﺮبّ اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻲ ﻛﻞ ﳾء وﺟﻮده، واﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻧﺸﺎﻃﺎت
9
اﻟﻌﻘﻞ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻤﻜﻨﺔ.
. »اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﳌﴩﻗﻴﺔ« ﻫﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﺘﺠﺎوز اﳌﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ ذات اﻟﺮواﻓﺪ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ...
10
)اﻧﻈﺮ: ﻧﻘﺪ اﻟﺸﻔﺎء ﻟﻠﻔﺎرابي، ﺣﻴﺚ ﻳُﺸﺎر إﱃ أن ﻻ ﺟﺪوى ﻣﻦ اﻷﺧﻼق واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﺣﻲّ،
اﻟﺬي ﻳﻌﻮد إﱃ اﻻﻧﻐماس ﰲ اﻟﺘﺄﻣّﻞ، واﻟﻐﻮص ﻓﻴﻪ وﺣﻴﺪاً(. ﻓﻤﻦ ﺷﺄن ﻫﺬه اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، وﺣﺪﻫﺎ دون
ﻏيرﻫﺎ، أن ﺗﺘﻴﺢ ارﺗﻴﺎدَ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺮاﺣﻞ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻘﻼﻧﻴﺔ )اﻧﻈﺮ ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻞ إﻟﻴﻪ
ﺣﻲّ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت(، واﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺼﻮﰲ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ.
. اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ واﻟﺨﻄﺄ إنمﺎ ﻫﻮ ﺷﻌﻮر ﻳﺄتي ﻣﻦ اﳌﺠﺘﻤﻊ ﻟﻴﺲ إﻻ )ﻓﺎﻟﺒﻄﻞ ﻟﻦ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﻣﺜﻞ
11
ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر إﻻ ﺑﻌﺪ ﻟﻘﺎﺋﻪ ﺑﺄﺻﺎل وﺳﻼﻣﺎن(؛ واﻟﻌﻘﻞ اﳌﻔﻜﺮ ﻳﺘﺨﻄﻰ اﻟﴩوط اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻻﺟﺘماﻋﻴﺔ
واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﳌﺤﻴﻄﺔ ﺑﻮﺟﻮد اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس، وﻳﺴﻤﻮ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ.
. ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ذﻟﻚ أن اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺸﻌﺎﺋﺮ واﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﻠﻐﺔ ﻫﻲ ﻣﻘﻮﻣﺎت ﴐورﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ دون
12
اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت، ﻣﺜﻞ ﺣﻲّ.
. بمﻘﺘﴣ اﳌﺴﻠّﻤﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ: »إن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮ ﻳﺘﻼﻗﻰ وﻳﺘﻮاﻓﻖ«، ﻳﻐﺪو ﺑﺈﻣﻜﺎن أﺻﺎل أن ﻳﻨﻀﻢ
13
إﱃ ﺣﻲّ ﰲ ﻣﻘﺎﻣﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ.
ﻫﻜﺬا ﻳﺘﺒينّ ﻛﻴﻒ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻓﺎﺋﺪة أن ﻧُﺠﻤِﻞ، ﰲ ﻋﺒﺎرات ﻣﻮﺟَﺰة، ﻣﺠﻤﻮعَ اﳌﺴﻠﱠمات
اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻈﻢ اﻟﺒﻨﺎء اﳌﻨﻄﻘﻲ واﳌﻔﻬﻮﻣﻲ اﻟﺬي ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺘﺄﺳﺲ ﺧﻄﺎب اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ؛ إﻧﻪ ﺧﻄﺎب
ﻳﺘﻠﻘﺎه وﻳﺘﺒﻨﺎه، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻏﺎﻳﺘﻪ وﻣﻀﻤﻮﻧُﻪ اﻟﺨﺎص، ﻛﻞ ﻗﺎرئ ﻳﺮﺗﴤ، ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن اﻟﻜﺎﺗﺐ، ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ
ﻛﻞ ﻫﺬه اﳌﺴﻠّمات ﻣﻦ ﺻﺤﺔ ﻧﻈﺮﻳﺔ. ﻳﺘﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ بمﺴﻠّمات ﺗﺸﺘﻐﻞ اﺷﺘﻐﺎل ﻧﺴﻖ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ
اﻻﻓﱰاﺿﻴﺔ اﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻃﻴﺔ، ﻓﻼ يمﻜﻦ ﻧَﺒﺬ أي ﻣﺴﻠّﻤﺔ دون أن ﻳﱰﺗﺐ ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺣﺪوث ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ
اﻻﺧﺘﻼﻻت ﺗﻄﺎل اﻟﻨﺺ ﺑﻮﺻﻔﻪ وﺣﺪة ﻟﻐﻮﻳﺔ ﻣﱰاﻣﻴﺔ اﻷﻃﺮاف؛ ﻋﲆ أن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﻨﺴﻖ اﻟﺬي
ﺗﺆﻟﻔﻪ اﳌﺴﻠّمات اﳌﺬﻛﻮرة ﻫﻮ ﻧﺴﻖ ﻳﻜﺘﴘ اﻧﺴﺠﺎﻣﺎً ﻣﻨﻄﻘﻴﺎً وﺿﻌﻪ اﻟﻜﺎﺗﺐ وﺿﻌﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎً ﻻ ﻳﺸﻖّ
ﻏﺒﺎره؛ ﺑﻞ اﻷﺣﺮى واﻷﺟﺪر أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻧﺴﺠﺎم وﺟﺪاني ﻳُﻠﻤﺲ ﻋﲆ ﺻﻌﻴﺪ اﳌﺘﺨﻴّﻞ، وﻳﻔﴤ
ﺑﻘﻠﻢ: ﻣﺤﻤﺪ أرﻛﻮن/ ﺗﺮﺟﻤﺔ: ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﻓﺘﺢ اﻟﺪﻳﻦ