مجلة ألباب - العدد الثاني عشر

153 / 242

اﻟﻌﺪد
(12) 152
. أ. اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻀﻤﻨﻲ أو ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﻌﻠﻮم:2 .2
ﻳﻘﻮل م. ﻓﻮﻛﻮ: »إن وﺻﻒ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﺎ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻠﻔﻮﻇﺎً... ﻫﻮ وﺻﻒ ﻳﻘﺘﴤ... ﺗﺤﺪﻳﺪ اﳌﻮﻗﻊ
اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻛﻞ ﻓﺮد أن ﻳﺤﺘﻠﻪ؛ ﺑﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺤﺘﻠﻪ، كي ﻳﻜﻮن ذاﺗﺎً ﰲ ﻫﺬا اﳌﻠﻔﻮظ« )ﻛﺘﺎب
.(126 ﺣﻔﺮﻳﺎت اﳌﻌﺮﻓﺔ، ص
ﻳﻨﺒﻨﻲ ﻣﺠﻤﻞ اﳌﻠﻔﻮظ، اﻟﺬي ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻨﻪ ﻛﺘﺎب )ﺣﻲّ(، ﻋﲆ ﺑﺪﻫﻴﺔ ﻳﺴﻠّﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺮﻣﱠ ﺘﻪ،
ﺑﺪﻫﻴﺔ ﺗﺘﺨﺬ ﺷﻜﻞ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﳌﻌﺮوف: »ﻳﻮﻟَﺪ اﻟﻄﻔﻞ ﻋﲆ اﻟﻔﻄﺮة، ﻓﺄﺑﻮاه ﻳﻬﻮﱢ داﻧﻪ، أو ﻳﻨﴫﱢ اﻧﻪ، أو يمﺠﱢ ﺴﺎﻧﻪ«.
وﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳﻮﻇﱠﻒ، ﻋﻤﻮﻣﺎً، ﺗﻮﻇﻴﻔﺎً ﻳﻨﺰع إﱃ ﺗﻮﻃﻴﺪ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﻣﺆداﻫﺎ أن ثمﺔ ﺗﻮاﻓﻘﺎً ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً
ﺑين اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻔﻄﺮي وﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻹﺳﻼم )وﻫﺬا ﻣﻮﺿﻮع ﺧﺎض ﻓﻴﻪ اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ ﻣﺴﺘﻨﺪﻳﻦ إﱃ ﻣﺎ ورد ﰲ
اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ أن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺳﻌﻰ ﰲ أن ﻳﺬﻫﺐ إﱃ اﻟﻠﻪ ﻳﺤﺪوه اﻹﻟﻬﺎم(. وﻋﻼوةً ﻋﲆ ﻫﺬا اﳌﻨﺤﻰ
اﻟﻜﻼﻣﻲ، اﳌﺘﺼﻞ بمﻌﺮﻓﺔ اﻟﻠﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔً ﻃﺒﻴﻌﻴﺔً ﻋﻔﻮﻳﺔً، ﻫﻨﺎك تمﺜﻞ ﻣﺘﺪاولٌ ﺳﺎﺋﺪ ﻳﺠﻨﺢ إﱃ إﻗﺎﻣﺔ
اﻟﺘﻌﺎرض ﺑين ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺪو، بمﺎ ﺟُﺒِﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻴﻞ إﱃ اﻟﺨير واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، وﻣﻦ ﺑﺴﺎﻃﺔ وﻧﻘﺎء، وﺑين ﺣﻴﺎة
أﻫﻞ اﻟﺤﴬ، اﻟﺘﻲ ﻳﻐﺸﺎﻫﺎ اﻟﺬﻧﺐ واﻹﺛﻢ واﻟﻔﺴﺎد )اﻧﻈﺮ: اﺑﻦ ﺧﻠﺪون(.
واﻟﺤﺎل أن ﻫﺬه اﻟﺒﺪﻫﻴﺔ ﻳﺘﻢّ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﰲ ﻛﺘﺎب )ﺣﻲّ( ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﳌﺴﻠّمات اﻵﺗﻴﺔ:
. اﻟﺘﻮﻟّﺪ اﻟﺬاتي ﻫﻮ أﻣﺮ ﻣﻤﻜﻦ ﺑﺤﻜﻢ أن اﻷرض أمﱞ ﺧﺼﺐ ﺗُﻐﺬي وﺗُﻌﻴﻞ.1
. ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺣﻲّ، ﻣﻨﺬ وﻻدﺗﻪ، إﱃ ﺻﻔﻮة ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ أوتيِ أﻓﺮادﻫﺎ ﻓﻄﺮة ﻣﺘﻤﻴﺰة.2
. وُﻟِﺪ ﺣﻲّ وﺗﺮﻋﺮع ﰲ ﺑﻴﺌﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺧيرﱢ ة؛ إذ ﻟﻴﺲ ثمﺔ ﻣﻦ ﻗﻮة ﻣﻌﺎدﻳﺔ، أو ﻣﺪﻣﱢ ﺮة، ﺗﻬﻴﻤﻦ ﻋﲆ 3
ﻋﻘﻞ ﻫﺬا اﻟﻄﻔﻞ اﳌﺘﺴﻢ ﺑﺤﺬﻗﻪ وﺷﻐﻔﻪ ﺑﺎﻻﻃﻼع واﻻﻛﺘﺸﺎف.
. ﻫﻨﺎك ﺗﻨﺎﻏﻢ ﺧﻔﻲ ﻳﻮﺟﺪ، ﺳﻠﻔﺎً، ﺑين اﻟﺴيرورة اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎت واﻷﺷﻴﺎء، وﺑين اﻟﻘﺪرات 4
اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺰﺧﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﴩي اﻷﻣﺜﻞ.
. إن اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﴩي اﻷﻣﺜﻞ، اﻟﺬي ﻧﺠﺪ ﻟﻪ تمﺜﻴﻼً ﰲ ﻛﺘﺎب )ﺣﻲّ(، ﻳﺼير ﻣﻤﻜﻨﺎً ﺑﻔﻀﻞ وﺟﻮد اﻣﺘﺰاج 5
أﻣﺜﻞ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ، وﺑﻔﻀﻞ وﺟﻮد اﻋﺘﺪال أﻣﺜﻞ ﻟﺪى اﻟﻘﻮى اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ واﻷﺣﻴﺎﺋﻴﺔ.
وﻳﻐﺪو ﻫﺬا اﻻﻣﺘﺰاج واﻻﻋﺘﺪال ﻣﻤﻜﻨين ﰲ ﺑﻌﺾ »اﳌﻨﺎﺧﺎت« واﻟﺒﻴﺌﺎت دون ﻏيرﻫﺎ، وﻟﺪى اﻟﺨﺎﺻﺔ
دون ﺳﻮاﻫﺎ. ﻫﻜﺬا ﻳﺘﻀﺢ ﻛﻴﻒ أن اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑين اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ تمﻴﻴﺰٌ ﻣَﺮَدﱡﻩ إﱃ أﺳﺒﺎب ﻛﻮﻧﻴﺔ
وﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ وأﺣﻴﺎﺋﻴﺔ، وﺳﻤﺘﻪ أﻧﻪ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﺑﻌﺪ أﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻲ.
. اﻟﺠﻮﻫﺮ ﻫﻮ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ واﻷﺻﲇ واﻷﺑﺪي واﻟﺴماوي، وﺑﺬا ﻫﻮ اﻷﺳﺎس اﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ أن 6
ﺗﺒﻠﻐﻪ ﻛﻞ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘّﺔ، واﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳُﻈﻬﺮه ﻛﻞﱡ وﺟﻮد ﻛﺎﻣﻞ ﻣﺜﺎﱄ.
ﺗﻘﺪﻳﻢ اﺑﻦ ﻃﻔﻴﻞ