اﻟﻌﺪد
(12)
166
ﻋﺜمان أﻳﻀﺎً؛ ﻟﻜﻨّﻬﻢ لم ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺮﻏﺒﻮن ﻛﺜيراً ﰲ اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻟﻮﻓﺎﺗﻪ؛ ﺑﻞ أﻟﺤّﻮا ﻋﲆ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺬي ارﺗﻜﺒﻪ
ﻣﺴﻠﻤﻮن. لم ﻳﻨﻈﺮوا إﻟﻴﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺟﺮيمﺔ؛ ﺑﻞ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺻﺪﻣﺔ، واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ أنّ اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﺪاﺧﲇّ
ﻧُﺴﺐ، ﰲ اﻟﻘﺮآن، إﱃ اﻟﻜﻔﺎر، وﻻ ﺳﻴّما اﻟﻨﺼﺎرى ﻣﻨﻬﻢ. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﳌﻔﱰض، ﻋﲆ ﻋﻜﺲ ﻣﺎ وﻗﻊ،
أن ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ اﻹﺳﻼم وﺣﺪة اﻷﻣّﺔ؛ إذ ﻫﻨﺎ، يمﻜﻦ أن ﻧﺠﺪ، ﻛما ورد ﰲ اﻟﻜﺘﺎب، دﻟﻴﻼً واﺿﺤﺎً ﻋﲆ رﺣﻤﺔ
. وإذا ﻛﺎن ﻫﺬا ﺻﺤﻴﺤﺎً، ﻓﻠماذا وﻗﻊ ﻫﺬا اﻻﻧﺸﻘﺎق داﺧﻞ اﻹﺳﻼم، وﳌﺎذا ﻻ يمﻜﻦ وﺿﻊ ﺣﺪّ
22
اﻟﻠﻪ
ﻟﻪ؟ ﻻﺑﺪّ ﻣﻦ أنّ ثمّﺔ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺴﺆول ﻋﻦ ذﻟﻚ؛ ﻟﺬﻟﻚ، ﺑﺪأ اﻟﻨﺎس ﻳﱪّرون أﻧﻔﺴﻬﻢ؛ ﻫﻜﺬا ﻧﺸﺄت ﻛﺘﺎﺑﺔ
اﻟﺘﺎرﻳﺦ، ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﺖ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﺠﻤﻞ، وﻋﻦ ﺻﻔّين، وﻋﻦ ﻳﻮم
اﻟﺴﻘﻴﻔﺔ. وﻟﺬﻟﻚ، ﻓﻜّﺮوا ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ ﻣﺴﻠﻤين ﺣﻘﻴﻘﻴّين، أن ﻳﺘﴫّﻓﻮا
ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ذﻟﻚ؛ ﻫﻜﺬا ﻧﺸﺄت اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ. ﻏير أنّ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺠﺎني ﰲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻛﺎن ﻣﺸﻜﻠﺔ
دﻳﻨﻴّﺔ؛ وﻫﻜﺬا دﺧﻞ ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم ﻋﲆ اﻟﺨﻂّ. وﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ اﻻﻧﺘﺒﺎه أﻛثر ﰲ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴّﺔ ﻫﻮ واﻗﻌﺔ ﻛﻮن
ﻫﺬه اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﺜﻼﺛﺔ: ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ، وﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم، واﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﻴﺎﳼّ، ﻇﻬﺮت ﰲ وﻗﺖ واﺣﺪ وﺑﺸﻜﻞ
ﻣﺒﻜّﺮ؛ إذ أدرﺟﺖ ﺿﻤﻦ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻐﻠﺖ اﻟﺠماﻋﺔ ﰲ اﻟﻌﺼﻮر اﻷوﱃ، واﺳﺘﻤﺮّت إﱃ
ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا. ﻛﺎن اﻷﺳﺎس ﰲ ﴍح ﻫﺬه اﻷﺣﺪاث ﻫﻮ أنّ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻮا ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ، ﺧﻼل
اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻷوﱃ، أﺻﺒﺤﻮا ﺗﺪرﻳﺠﻴّﺎً، ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ ﺻﺤﺎﺑﺔ، نمﻮذﺟﺎً ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻘﺎدﻣﺔ. واﻟﻮاﻗﻊ أﻧّﻬﻢ
ارﺗﻜﺒﻮا ﻛﺒيرة؛ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﲆ اﳌﺮء ﻗﺒﻮل ﻫﺬه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؟
ﻟﻘﺪ ﺗﺸﻜّﻞ ﻣﻴﻞ ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺞ، ﻧﺤﻮ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻷوّل، إﱃ ﻋﺪم إﺳﻘﺎط اﻟﻠﻮم ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺐ واﺣﺪ
ﻓﺤﺴﺐ؛ وﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس أراد أن ﻳﻨﴗ اﻟﻘﻀﻴّﺔ ﺑﺮﻣّﺘﻬﺎ، ﺑﺸﻜﻞ أو ﺑﺂﺧﺮ. ﺗﻈﻬﺮ ﻫﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة ﰲ ﻣﺼﺎدرﻧﺎ
ﰲ ﺷﻜﻞ »ﻓﺮﻗﺔ«، وﻫﻲ ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﻜﺮﻳّﺔ ﻫُﻤّﺸﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ، وﻫﻲ اﳌﺮﺟﺌﺔ. أوﴅ اﳌﺮﺟﺌﺔ ﺑﺘﺄﺟﻴﻞ
. ﻓﺎﻹِرﺟﺎء
23ّ
اﻟﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ اﻷﺳﻼف؛ ﻗﺎﻟﻮا إﻧّﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﺮف ﻣﻦ ارﺗﻜﺐ اﻟﻜﺒيرة، أﻫﻮ ﻋﺜمان أم ﻋﲇ
ﻛﺎن، ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺘﻪ اﻷوﱃ، بمﺜﺎﺑﺔ ﻧﺪاء إﱃ اﻻﻋﺘﺪال اﻟﺴﻴﺎﳼّ؛ ولم ﻳﻌﻤّﻢ إﻻ ﻻﺣﻘﺎً ﻟكي ﻳﺘّﺨﺬ ﺷﻜﻞ ﻋﻘﻴﺪة
. ﻏير أنّ ﺟماﻋﺔ أﺧﺮى
24
ﻛﻼﻣﻴّﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻣﻔﺎدﻫﺎ اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ إيمﺎن اﳌﺴﻠﻤين اﻵﺧﺮﻳﻦ
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﺳﺘﻮﻟﺖ، ﺣﻴﻨﺬاك، ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺪاﻓﻊ اﻷﺻﲇّ، وﻫﻲ اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﺆﻻء ﻧﺘﺎج اﻟﺤﺮب
اﻷﻫﻠﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، اﻟﺘﻲ أدّت إﱃ ﻗﻴﺎم اﻟﺜﻮرة اﻟﻌﺒﺎﺳﻴّﺔ، وﻛﺎن ردّ ﻓﻌﻠﻬﻢ ﻧﺘﺎج ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮوف. لم ﻳﻌﺪ
ﻟﺪﻳﻬﻢ أﻣﻞ ﰲ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺴﻼم ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺪﻋﻮة إﱃ إﺑﺮاء ﻛﻮنيّ؛ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﺧﺎﺋﺒين، ﻟﻜﻨّﻬﻢ ﰲ اﺳﺘﺪﻻﻟﻬﻢ
اﺳﺘﺨﺪﻣﻮا اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻷوﱃ ﻣﺜﺎﻻً؛ ولم ﻳﺘﺤﺪﺛّﻮا ﻋﻦ اﻟﺤﺎﴐ، ﻟﻴﺲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻠﻨﻲّ ﻋﲆ اﻷﻗﻞّ. ﻗﺎﻟﻮا
إنّ ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻻﻧﺸﻘﺎق اﻷوّل دﻣّﺮت ﻋﺪاﻟﺔ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺴﺆوﻟين ﻋﻦ ﺳﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء وﻧﺰاﻫﺘﻬﻢ
.119 118- /11
- ﺳﻮرة
22
واﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ.
175
و
171 169-
، ص ص
1 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
23
وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ.
138 ،
- اﳌﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ
24
اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ ﰲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﳌﺒﻜّﺮ