اﻟﻌﺪد
(12)
82
ﻟﻠﻜﻮن وﻟﻠﺤﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﳌﻌﺘﻘﺪ ﺗﻐيرّ ﰲ ﺧﻀﻢ ﺗﺤﻮّﻻت ﺟﺪﻳﺪة، ﺗﺮى أنّ اﻹﻧﺴﺎن أﺻﺒﺢ
ﻣﺮﻛﺰ ﺗﺼﻤﻴﻢ ﻫﻨﺪﳼ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘماﻋﻴﺔ. ﻓﻬﺬا اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑين اﳌﻘﺪس
واﻟﺪﻧﻴﻮي ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أﻓﻮل اﻟﺪﻳﻦ، أو اﻧﺘﻔﺎء دوره ﰲ اﻟﻌﺎلم اﳌﺎدي؛ ﺑﻞ ﻳﻌﻨﻲ، ﻓﺤﺴﺐ، أن اﻹﻧﺴﺎن أﺻﺒﺢ
. ﻓﺤﻀﻮر اﻹﻟﻪ ﰲ ﺣﻴﺎة اﳌﺠﺘﻤﻊ،
11
ﻳﺆﺳّﺲ »ﻫﻴﻜﻠﺔ ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﺗﻘﺘﻔﻲ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻹﻟﻬﻲ«
ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺤﺎﻛﺎةً ﻫﻨﺪﺳﻴﺔً، ﺷﻤﻞ وﺛﻴﻘﺔ إﻋﻼن اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻷﻣﺮﻳكي، ﺣين أﻋﻠﻦ أن »اﻟﻠﻪ ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن
.
12
ﻣﺘﺴﺎوﻳﺎً، ووﻫﺒﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻘﻮق ﻏير اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﴫف«
(، ﻣﻦ »ﻋﴫ اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ« إﱃ ﻋﴫ »اﻷﺻﺎﻟﺔ«، وﻫﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ يمﻜﻦ
1950)
اﻧﺘﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن، ﻧﺤﻮ ﺳﻨﺔ
ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ »اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒيرﻳﺔ«، ﺣﻴﺚ اﻧﺒﺜﻘﺖ ﻗﺪرات ذاﺗﻴﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻃﺎﻗﺔً تمﻈﻬﺮت ﰲ أﺷﻜﺎل
ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻴﺎرات اﻟﺤﺮّة. ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ اﻹﻟﻪ رﻣﺰ اﻻﻧﺪﻣﺎج اﻻﺟﺘماﻋﻲ ﰲ ﺑﻨﻴﺔ ﻣﻮﺣّﺪة ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﲆ تمﺎﺳﻚ
اﻟﺠماﻋﺔ، »ﺷﻌﺐ واﺣﺪ ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻠﻪ«. ﻇﻬﺮت اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﺧﺎرج اﻻﺧﺘﻴﺎرات اﻟﺠماﻋﻴﺔ، وﺧﺎرج
ﺳﻠﻄﺔ اﳌﻌﺘﻘﺪ. أﺻﺒﺤﺖ ﻟﻠﻔﺮد اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ أن ﻳﺨﺘﺎر اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ دون أن ﻳﺘﻌﺮّض ﻟﻺﻛﺮاه
اﻟﺠماﻋﻲ. ﻫﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻓﻀﺎء ﺧﺎص ﺗﺘﺠﺴّﺪ ﰲ داﺧﻠﻪ إﺑﺪاﻋﺎت اﻟﻔﺮد، وﻗﺪراﺗﻪ اﻟﺘﻌﺒيرﻳﺔ، وإﻣﻜﺎﻧﺎﺗﻪ
اﻟﺬاﺗﻴﺔ، وﻓﻖ ﺷﻌﺎر »اﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﺗﺮاه ﻣﻨﺎﺳﺒﺎً«، أو »ﺳﺎﻋﺪ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ذاﺗﻚ«... وﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺑﺪأت ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﺳﺘﻬﻼك. ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﳌﺮﺣﻠﺔ أﻇﻬﺮ
اﻟﻔﺮد اﻫﺘماﻣﻪ ﺑﺎﻟﻔﻀﺎء اﻟﺨﺎص واﻟﺤﻴﺎة اﻟﺨﺎﺻﺔ، وﺗﺤﺮّر ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﺮواﺑﻂ اﻟﻘﺪﺳﻴﺔ، ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ أﺧﺮوﻳﺔ
.
13
أم دﻧﻴﻮﻳﺔ. ﻓﺎﻷﺻﺎﻟﺔ ﺗﻌﻨﻲ أن »ﻛﻞّ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ يمﺘﻠﻚ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺧﺎﺻّﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ إﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻨﺎ«
إن اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ »ﻃﺎﺑﻊ ﺳﺤﺮي« إﱃ آﺧﺮ »ﻣﻨﺰوع ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ« ﻫﻮ اﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ »اﻟﻬﺮﻣﻴﺔ اﻟﺘﻜﺎﻣﻠﻴﺔ«
)اﻹرادة اﻹﻟﻬﻴﺔ ﺗﻨﻈﻢ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ( إﱃ »أﺧﻼق ﺣﺪﻳﺜﺔ«، ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺰع
اﻟﻔﺮد إﱃ ﺣﻘّﻪ ﰲ اﺧﺘﻴﺎر ﻋﻘﻴﺪة اﻹيمﺎن، أو ﻋﺪم اﻹيمﺎن... أي اﺧﺘﻴﺎر ﻣﺎ ﻳﺮاه ﻣﻨﺎﺳﺒﺎً ﺿﻤﻦ ﺧﻴﺎرات
. وﻫﻜﺬا ﺗﺤﻮّل »ﻣﺨﻴﺎل
14
روﺣﻴﺔ أﺧﺮى؛ »ﻓﺎﻹيمﺎن ﺑﺎﻟﻠﻪ لم ﻳﻌﺪ أﻛﺴﻴﻮﻣﺎﺗﻴﻜﻴﺎً، ﻫﻨﺎك ﺑﺪاﺋﻞ ﻣﻤﻜﻨﺔ«
اﺟﺘماﻋﻲ« ﻣﻘﺪّس إﱃ »ﻣﺨﻴﺎل اﺟﺘماﻋﻲ« ﻣﺘﺤﺮّر، ﻣﻦ ﺟﺮّاء إﺻﻼﺣﺎت ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺨﺒﺔ
اﳌﺜﻘﻔﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮﺗﻴﺔ. ﻓﺎﻧﺰوت ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻌﺘﻘﺪات ﻣﻀﻠّﻠﺔ، وأوﻫﺎم زاﺋﻔﺔ، وﺧﺮاﻓﺎت ﺧﺎﻃﺌﺔ، وﺗﺼﻮرات
ﺷﻌﺒﻴﺔ. وﻫﺬه اﻟﺴيرورة اﻹﻗﺼﺎﺋﻴﺔ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺎﻳﻠﻮر »ﺣﺬف اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ«. وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺬف ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أن
اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺴﺤﺮي اﻧﺘﻬﻰ دون رﺟﻌﺔ؛ ﺑﻞ ﻳﻌﻨﻲ أن ﻋﻮدﺗﻪ ﻣُﻨﺘﻈﺮة، وﻗﺪ ﻳﻌﻮد ﰲ ﺻﻮر وأﺷﻜﺎل أﺧﺮى.
11 - Ibid., p.447.
12 - Ibid., p.447.
13 - Ibid., p.445.
14 - Ibid., p.3.
ﻋﻮدة اﻟﺪﻳﻦ إﱃ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﰲ ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﳌﴩوع اﻟﻌﻠماني