اﻟﻌﺪد
(12)
86
. ﻧﺘﻮﻗﻊ، إذاً، ﻋﲆ ﺿﻮء ﻫﺬه اﻹﺟﺎﺑﺔ، أن اﻟﺪﻳﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ
25
ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ، إن اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺎﴐ ﻋﲆ اﻟﺪوام«
. أﻣّﺎ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﻨﺎزﻟﻴﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ،
26
ﺣﺮﻛﺎت ﺗﻨﺎزﻟﻴﺔ وﺗﺼﺎﻋﺪﻳﺔ؛ إذ »ﻻ يمﻜﻦ ﻟﻠﺪﻳﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺴﺎراً ﺧﻄﻴﺎً«
اﻟﺘﻲ ﺻﺎﺣﺒﺖ اﻟﺤﺪاﺛﺔ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺳﺒﺒﻬﺎ اﳌﺒﺎﴍ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺤﻮّﻻت اﻟﻜﱪى اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ أورﺑﺎ ﰲ اﳌﺠﺎﻻت
اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ واﻟﺘﻘﻨﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ... إنمّﺎ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﻳﻌﻮد إﱃ إﻧﻀﺎج ﴍوط اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺼﺎﻋﺪﻳﺔ اﳌﻤﺜﻠﺔ ﰲ
. ﻓﺎﻟﱰاﺟﻊ اﳌﻨﺎﻫﺾ ﻟﻠﺪﻳﻦ )ﻣﺜﻼً
28
، و»ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻃﻮاﺋﻒ ﺟﺪﻳﺪة«
27
»ﺗﻄﻮﻳﺮ أﺷﻜﺎل دﻳﻨﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة«
اﳌﺎرﻛﺴﻴﺔ واﻟﻔﻮﺿﻮﻳﺔ( ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺳﻮى ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﺨﻠﻖ أﺷﻜﺎل ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ اﻟﺮوﺣﻲ، ﺳﻮاء ﻣﻦ
ﺣﻴﺚ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻔﺮد ﺑﺬاﺗﻪ أم بمﺠﺘﻤﻌﻪ.
ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻌﻠماﻧﻴﺔ، ﻋﻼﻗﺔ اﺗﺼﺎل أم اﻧﻔﺼﺎل؟
ارﺗﺒﻄﺖ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻻﺟﺘماﻋﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠماﻧﻴﺔ، واﻧﺘﴫت ﻋﲆ اﻟﻼﻋﻘﻞ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣمارﺳﺔً ﻣﻨﺘﺠﺔً ﻟﻠﺨﺮاﻓﺎت
واﻟﺸﻌﻮذة واﻟﺘﻀﻠﻴﻞ... وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺎدي اﳌﻨﻄﻖ واﻟﻌﻠﻢ واﳌﻌﺮﻓﺔ اﳌﺤﺎﻳﺜﺔ. ﺳﺠّﻞ اﻟﻔﺼﻞ ﺑين اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ
واﻟﺪوﻟﺔ اﻧﺘﻌﺎش اﳌﺨﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪ اﳌﺘﺤﺮر ﻣﻦ رواﺑﻂ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻜﺎﺋﻦ ﻣﺎ ﻓﻮق اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ، واﻧﻄﻠﻖ اﻟﻌﻘﻞ
ﻣﺆﺳﺴﺎً ﻋﻬﺪاً ﺟﺪﻳﺪاً ﰲ واﻗﻊ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺪود اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﺑين اﻟﻔﻀﺎء
اﻟﺨﺎص واﻟﻔﻀﺎء اﻟﻌﺎم بمﺜﺎﺑﺔ ﻛﺒﺢ ﺟماح اﻹيمﺎن، وأﴎه ﰲ ﻣﺮﺑﻊ ﻣﻨﺰوع ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ. ﻟﻘﺪ اﻧﺘﴫ
اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﻠماني اﻟﺤﺪاثي ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻳﺼﻨﻔﻬﺎ ﻫﺎﺑﺮﻣﺎس ﻛﺎﻵتي:
•
»ﻓﻘﺪان اﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺳﻠﻄﺔ اﳌﺮاﻗﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﻌﻠﻮم واﻟﱰﺑﻴﺔ...
•
اﻧﺘﻌﺎش اﳌﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺑﺄﺳﺒﺎب اﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ واﻻزدﻫﺎر اﳌﻌﻴﴚ.
•
.
29
دﻋﻢ اﻟﻔﻬﻢ اﻹﺛﻨﻮ- ﻣﺮﻛﺰي ﻟﻌﺎلم ﻣﻨﺰوع ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻊ اﻟﺴﺤﺮ«
ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ، إن ﺳﻴﺎدة ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻮّر ﺣﻮل اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻌﻠماﻧﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺣﺪوداً ﻋﺎزﻟﺔً ﻗﺪ ﺗﻔﴤ إﱃ
إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﰲ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ. ﻟﻘﺪ ﺗﺸﻜﻠﺖ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺻماّء ﰲ ﺣﻀﻦ اﻟﺤﺪاﺛﺔ تمﻨﺢ ذاﺗﻬﺎ ﺑﻬﺠﺔ اﻟﻘﻮة
واﻻﻧﺘﺼﺎر. ﻓﻔﻲ أﻃﺮوﺣﺔ اﻟﻔﺼﻞ، ﺗُﻌﻠﻦ اﻟﻌﻠماﻧﻴﺔ اﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺳﺤﺐ ﻛﻞ اﳌﺴﺎﻫمات اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻦ
اﻟﺪﻳﻦ، ﺣﻴﺚ ﺳﺎد اﻻﻋﺘﻘﺎد، ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ، ﺑﺄن ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻔﺼﻞ ﻣﻔﺘﺎح اﻟﻮﻟﻮج إﱃ ﻋﻮالم اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ
واﻻﻗﺘﺼﺎد واﻟﱰﺑﻴﺔ دون إﻛﺮاه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﺳﻠﻄﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت.
25 - Taylor, A Secular Age, op.cit., p. 427.
26 - Ibid., p. 436.
27 - Ibid., p.436.
28 - Ibid., p.436.
29 - Habermas, Jürgen, Europe the Faltering Project, op,cit, 60
ﻋﻮدة اﻟﺪﻳﻦ إﱃ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﰲ ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﳌﴩوع اﻟﻌﻠماني