اﻟﻌﺪد
(12)
90
ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻓﻜﺮة أن اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺤﻴّﺔ واﻟﻘﻮى اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗُﻮﺟﺪ ﰲ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻜﺎﻣﻠﻴﺔ... »ﻳﺘﻔﻖ ﻛﻞﱡ ﻫﺆﻻء
.
45
اﻷﺷﺨﺎص ﻋﲆ ﻣﺒﺪأ ﻣﺸﱰك، وﻳﺨﺘﻠﻔﻮن ﺣﻮل اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﱪّر ﻫﺬا اﳌﺒﺪأ«
ﺗﻨﻤﻮ ﻫﺬه اﻻﺗﻔﺎﻗﺎت ﻗﻴماً روﺣﻴﺔً وﻋﻘﻠﻴﺔً وﻓﻖ اﺳﺘﻌﺪادات داﺧﻠﻴﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، وﺣﺎﺟﺔً أﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻴﺔ
وﻧﻔﺴﻴﺔً تمﺪﱡ اﻹﻧﺴﺎن بمﺨﺰون وﻃﺎﻗﺔ اﻻﻣﺘﻼء. وإﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﻫﺬه اﻟﻘﻮة، ﺗﻨﺘﻌﺶ اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻔﺎوﺿﻴﺔ ﺑين
اﻟﻬﻮﻳﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وﻓﻖ ﻗﻴﻢ اﳌﺴﺎواة واﻻﻋﱰاف اﳌﺘﺒﺎدل ﺑين اﻷﻃﺮاف، أو ﻟﻨﻘﻞ، ﺑﻠﻐﺔ راوﻟﺰ، ﺗﺘﺄﺳﺲ
»وﺟﻬﺎت ﻧﻈﺮ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺨير«. وﺗﺼﺒﻮ اﻷﻫﺪاف اﻟﺘﻔﺎوﺿﻴﺔ إﱃ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻐﺎﻳﺎت اﻻﺟﺘماﻋﻴﺔ اﻵﺗﻴﺔ:
•
اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وﺣماﻳﺔ اﳌمارﺳﺎت اﻟﻄﻘﻮﺳﻴﺔ ﻟﻸﻓﺮاد ﺧﺎرج ﻛﻞ إﻛﺮاه ﻗﴪي اﻋﺘﻘﺎدي.
•
ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻗﻴﻢ اﳌﺴﺎواة إزاء اﻷﻓﺮاد وإزاء ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ.
•
ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻣﺒﺪأ اﻹﻧﺼﺎت ﻟﻺﺛﻨﻴﺎت ﻛﺎﻓﺔً، ﺑﻐﺾّ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، أو اﻟﻼدﻳﻨﻴﺔ، أو
اﳌﻨﺎﻫﻀﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ. وﻳﺴﻤﻮ ﻓﻮق ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼف ﻣﺒﺪأ اﻷﺧﻮﻳﺔ ﺣﻀﻨﺎً اﺟﺘماﻋﻴﺎً ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺨير
اﻷﺳﻤﻰ.
•
ﺗﻌﻤﻴﻖ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺤﻴﺎد، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺛﻘﺎﻓﺔً ﺳﻴﺎﺳﻴﺔً ﻳﺠﺐ أن ﺗﺴﻠﻜﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ، دون إﺑﺪاء اﳌﻴﻞ ﻧﺤﻮ
ﺟﻬﺔ ﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺔ يمﻜﻦ أن ﺗﺤﻮز اﻣﺘﻴﺎزاً دﻳﻨﻴﺎً رﺳﻤﻴﺎً. ﻓﺤﻴﺎد اﻟﺪوﻟﺔ ﻳﻌﻨﻲ ﻋﺪم اﳌﻴﻞ ﻷﻳﺔ ﻗﻨﺎﻋﺔ
دﻳﻨﻴﺔ، أو ﻏير دﻳﻨﻴﺔ، ﻟﺪﻋﻤﻬﺎ أو ﺗﺒﻨّﻴﻬﺎ.
إن اﳌﺪاﺧﻞ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬه اﻷﻫﺪاف ﺗﺘﻄﻠّﺐ »ﺛﻘﺔً ﻣﺘﺒﺎدﻟﺔً« و»اﻟﺘﺰاﻣﺎً ﻗﻮﻳﺎً«؛ ﻷن
.
46
اﳌﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺤﺮّة ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻴﺎر، ﺳﻮى أﻧﻬﺎ ﻣﺠﱪة ﻋﲆ »اﻟﻌﻴﺶ ﰲ إﻃﺎر إﺟماع ﻣﺘﺪاﺧﻞ«
ﻳﻠﺨﺺ ﺗﺎﻳﻠﻮر رؤﻳﺘﻪ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﻌﻠماني ﺑﺎﻟﻘﻮل: إن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑين اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻌﻠماﻧﻴﺔ
لم ﺗﻌﺪ ﺗﺘﺤﺪّد ﰲ إﻃﺎر أﻓﻮل اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ، أو ﻓﺼﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ، أو ﺧﻮﺻﺼﺔ
اﻟﺤﻘﻞ اﻟﺪﻳﻨﻲ؛ ﻷن اﻹﻗﺮار ﺑﻬﺬه اﳌﻈﺎﻫﺮ ﻳﻌﻨﻲ اﺧﺘﺰال »اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﳌﺸﺎﻛﻞ،
وﻓﻖ أنمﻮذج ﺧﺎﻃﺊ ﰲ أذﻫﺎﻧﻨﺎ ﻳﻘﻮم ﻋﲆ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻟﻌﻠماﻧﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑين اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺪوﻟﺔ، ﰲ ﺣين
. وﻣﻦ
47
أن اﻷﻣﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ، ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ، بمﺪى اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ )اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ( ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﺪيمﻘﺮاﻃﻴﺔ إزاء ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻌﺪد«
ﻫﻨﺎ، اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺒﻨﺎء اﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ﻣﻨﻈّﻤﺔ وﻣﺤﻜﻤﺔ ﻟﺘﺪﺑير اﻟﺘﻌﺪد اﻷﺧﻼﻗﻲ، ﻋﲆ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺘﻌﺪد
اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺑﺎت ﻣﻦ أﻫﻢ اﻻﻧﺸﻐﺎﻻت اﻟﻜﱪى ﻟﻴﺲ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﺑﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﳌﻌﺎﴏة.
45 - Jocelyn Maclure, Laicité et liberté, op.cit., p. 20.
46 - Taylor Charles, ‘Why we Need a Radical Redefinition?,’ in Eduardo Mendieta and Van Antwerpen, ‘Power of
Religion in The Public Sphere,’ (Columbia University Press,2011), p.48.
47 - Ibid., p. 36.
ﻋﻮدة اﻟﺪﻳﻦ إﱃ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﰲ ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﳌﴩوع اﻟﻌﻠماني