22
اﻟﻔﻠﺴـﻔﻲ. وﻟﻌـﻞّ ﻋﺬوﺑـﺔ اﻟﺘﻤﺜﻴـﻼت واﻟﺘﺸـﺒﻴﻬﺎت واﳌﺠـﺎزات اﻟﺘـﻲ ﻳﺴـﺘﻌﻤﻠﻬﺎ اﻟﺘﺄوﻳـﻞ ﰲ ﻣﻘﺎﺑـﻞ ﺟﻔـﺎف
وﻣﻮﺿﻮﻋﻴـﺔ اﻻﺳـﺘﺪﻻﻻت اﻟﱪﻫﺎﻧﻴـﺔ، ﻛﺎﻧـﺖ ﻣـﻦ أﺳـﺒﺎب اﻻﻧﺘﺼـﺎر اﻟﺘﺎرﻳﺨـﻲ ﻟﻠﺘﺄوﻳـﻞ اﻟﻜﻼﻣـﻲ واﻟﺼـﻮﰲ
ﻋـﲆ اﻟﺘﻨﻮﻳـﺮ اﻟﻔﻠﺴـﻔﻲ واﻟﻌﻠﻤـﻲ.
وﻗـﺪ أدت ﻫﻴﻤﻨـﺔ اﻟﺘﺄوﻳـﻞ اﻟﻜﻼﻣـﻲ اﻟﺼـﻮﰲ ﻋـﲆ اﻟﻔﻀـﺎء اﻟﻔﻜـﺮي اﻟﻌـﺮبي إﱃ إﻟﻐـﺎء اﻟﻌﻘـﻞ، وﺣﺠـﺐ
اﻟﻮﺟــﻮد، ﳌﺼﻠﺤــﺔ اﻟﻮﻫــﻢ واﻻﺗــﻜﺎل ﻋــﲆ اﻟﺘﺪﺧــﻞ اﻹﻟﻬــﻲ ﰲ ﺣــﻞّ ﻛﻞّ ﻣﺸــﻜﻠﺔ ﻃﺎرﺋــﺔ، ﺣﺘــﻰ أن اﺑــﻦ
ﻋﺠﻴﺒ ـﺔ، ﰲ اﻟﻘ ـﺮن اﻟﺘﺎﺳـﻊ ﻋ ـﴩ، ﻛﻔ ّـﺮ ﻛﻞﱠ ﻣ ـﻦ أﻗ ـﺮّ ﺑﻈﺎﻫـﺮة اﻟﻌ ـﺪوى اﻟﺘ ـﻲ ﺗﺤﺪﺛﻬ ـﺎ اﻷوﺑﺌ ـﺔ وﺑﻘﺪرﺗﻬ ـﺎ
ﻋـﲆ اﻻﻧﺘﺸـﺎر اﻟـﺬاتي، وﺑـﺪّع ﻛﻞّ ﻣـﻦ ﺑﺮﻫـﻦ ﻋـﲆ وﺟـﻮد أﻓﻌـﺎل اﻟـﱪء واﻟﺸـﻔﺎء ﻟﻸدوﻳـﺔ؛ ﻷن ﻛﻞّ ذﻟـﻚ، ﰲ
ﻧﻈـﺮه، ﺗﺪﺧـﻞ ﰲ اﻹرادة اﻹﻟﻬﻴـﺔ وإﴍاك ﰲ وﺣﺪﺗﻬـﺎ. وﻗـﺪ ﻛﺎﻧـﺖ اﻟﻨﺼـﻮص اﳌﻘﺪّﺳـﺔ ﻫـﻲ اﻷﻓـﻖ اﻟـﺬي
أﺑـﻮ ﺣﺎﻣـﺪ اﻟﻐـﺰاﱄ، وﻟﺤﻈـﺔ ﻣﺤﻴـﻲ اﻟﺪﻳـﻦ ﺑـﻦ ﻋـﺮبي
إﺣﻴـﺎء ﻋﻠـﻮم اﻟﺪﻳـﻦ(
ﻳﻔﻜّـﺮ ﻓﻴـﻪ ﺻﺎﺣـﺐ ﻛﺘـﺎب )
، وﻟﺬﻟ ـﻚ ﺟ ـﺎء ﺗﻔﻜيرﻫ ـما ﺗﺄوﻳﻠﻴ ـﺎً ﻣﺤﻀـﺎً ﻋ ـﲆ ﻣﺴـﺘﻮى
ﻓﺼـﻮص اﻟﺤﻜ ـﻢ(
و
اﻟﻔﺘﻮﺣ ـﺎت اﳌﻜﻴ ـﺔ
ﺻﺎﺣ ـﺐ )
اﳌﻨﻬـﺞ واﳌﺬﻫـﺐ؛ أي ﻳﺘﺤـﺮّك ﺿﻤـﻦ رؤﻳـﺔ رﻣﺰﻳـﺔ ﻟﻠﻌـﺎلم ﻗﺴّـﻤﺘﻪ إﱃ ﻇﺎﻫـﺮ وﺑﺎﻃـﻦ، وﻋﻘـﻞ وأﺳـﻄﻮرة،
وﻓﻜـﺮ وﺧﻴـﺎل، وﴍﻳﻌـﺔ وﻃﺮﻳﻘـﺔ، ﻣـﺎ ﺟﻌﻠﻬـﺎ ﻣﺤﺎﻃـﺔ ﺑﺎﻟﻐﻤـﻮض واﻷﴎار ﻣـﻦ ﻛﻞّ ﺟﺎﻧـﺐ. وﻫﻜـﺬا ﻳﺘّﻀـﺢ
ﻛﻴـﻒ أنّ اﻻﻟﺘـﺰام ﺑﺎﻟﺘﺄوﻳـﻞ ﻳـﺆدي ﺣﺘـماً إﱃ اﻟﺘﺨـﲇّ ﻋـﻦ اﻟـﴬورة اﻟﻌﻘﻠﻴـﺔ واﻟﺤﺘﻤﻴـﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴـﺔ واﻹرادة
اﻟﺒﴩﻳـﺔ اﻟﺤـﺮّة، ﻫـﺬا ﻋـﻼوة ﻋـﲆ اﻹﻋـﺮاض ﻋـﻦ ﻣﺒـﺪأ ﻓﺼـﻞ اﻟـﺬات ﻋـﻦ اﳌﻮﺿـﻮع.
ﰲ ﻣﻘﺎﺑ ـﻞ ذﻟ ـﻚ، ﻛﺎﻧ ـﺖ ﻟﺤﻈـﺔ اﺑ ـﻦ رﺷـﺪ ﺗﻨﻮﻳﺮﻳ ـﺔ ﺑﺎﳌﻘﻴ ـﺎس اﻟﺰﻣﻨ ـﻲ اﻟ ـﺬي وُﺟِـﺪَ ﻓﻴ ـﻪ، ﻻ ﻓﻘ ـﻂ
ﻟﻜﻮﻧــﻪ أﻋﻠــﻦ ﻓﺤﺴــﺐ ﻋــﺪاءه اﻟﺴــﺎﻓﺮ ﻟﻠﺘﺄوﻳــﻞ رؤﻳــﺔ وﻣﻨﻬﺠــﺎً؛ ﺑــﻞ أﻳﻀــﺎً ﻷﻧّــﻪ ﺟﺎﻫَــﺮ ﺑﻮﻻﺋــﻪ ﻟﻸﻓــﻖ
اﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟـﻲ واﻧﺘماﺋـﻪ إﱃ اﻟﺮؤﻳـﺔ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴـﺔ، وﺗﺸـﺒّﺜﻪ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴـير ﺑﻄﺮﻳﻘـﺔ ﺑﺮﻫﺎﻧﻴ ّـﺔ اﻗﺘﻀـﺖ ﻣﻨـﻪ ﻓﺼـﻞ
اﻟـﺬات ﻋـﻦ اﳌﻮﺿـﻮع. ﺻﺤﻴـﺢ أﻧﻨـﺎ ﻻ ﻧﻨﻜـﺮ ﺗﻌﻠّـﻖ اﺑـﻦِ رﺷـﺪ اﻟﺸـﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﻨـﺺ، وﻻ ﺳـﻴّما ﻧـﺺّ اﳌﻌﻠـﻢ
اﻷول، ﻏـير أنّ ﺗﻌﻠّﻘـﻪ ﺑـﻪ ﻛﺎن ﻣـﻦ أﺟـﻞ ﺗﻔﺴـيره ﻻ ﺗﺄوﻳﻠـﻪ؛ أي إنّ اﻟﺘﻔﺴـير ﻛﺎن ذرﻳﻌـﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜـير ﰲ اﻟﻮﺟـﻮد
وﻣﻮاﺟﻬﺘـﻪ ﻣﺒـﺎﴍة. ﻫـﺬا ﻋـﻼوة ﻋـﲆ أنّ اﻟﺘﻔﺴـير ﻗﺎﺋـﻢ ﻋـﲆ اﻟﺪﻻﻟـﺔ اﳌﻨﻔﺼﻠـﺔ، ﰲ ﺣـين أنّ اﻟﺘﺄوﻳـﻞ ﻗﺎﺋـﻢ
ﻋـﲆ اﻟﺪﻻﻟـﺔ اﳌﺘّﺼﻠـﺔ.
ﻫـﺬا وﻗ ـﺪ ﻋُﻨِﻴ ـﺖُ ﻣﻨ ـﺬ ﻣ ـﺪّة ﺑﺎﻟﻠﺤﻈﺘ ـين اﳌﺘﺼﺎرﻋﺘ ـين، اﻟﱪﻫﺎﻧﻴ ـﺔ واﻟﺘﺄوﻳﻠﻴ ـﺔ، ﻏ ـير أﻧّﻨ ـﻲ لم أﺷـﺄ أن
أﻗـﻒ ﻣﻨﻬـما ﻣﻮﻗﻔـﺎً ﻣﺤﺎﻳـﺪاً. ﻓﺄﻧـﺎ ﻻ أﺧﻔـﻲ وﻻئي ﻷﻫـﻞ اﻟﱪﻫـﺎن، واﻧﺘـمائي إﱃ اﻷﻓـﻖ اﻟﺘﻨﻮﻳـﺮي، وﻻ ﺳـﻴما
أنّ اﻟﻨـﺺّ أﻣـﴗ، ﰲ ﻫـﺬه اﻷﻳـﺎم اﻷﺧـيرة، ذرﻳﻌـﺔ ﻟﻠﺬﺑـﺢ واﻟﻘﺘـﻞ واﻹﺣـﺮاق وﺗﺪﻣـير ﻛﻞّ ﻣـﺎ ﻫـﻮ أﺧﻼﻗـﻲ
وﺟﻤﻴ ـﻞ وإﻧﺴـﺎني ﰲ اﻹﻧﺴـﺎن. وﻣ ـﻊ ذﻟ ـﻚ، ﻻ أﺳـﺘﻄﻴﻊ أن أﻛﺘ ـﻢ ﺟﻨﻮﺣـﻲ ﺧﻠﺴـﺔ اﳌ ـﺮة ﺗﻠ ـﻮ اﻷﺧـﺮى إﱃ
اﳌﻮﻗـﻒ اﻟﺘﺄوﻳـﲇ وﻣـﺪﱢ ي أواﴏ اﻟﺼﻠـﺔ ﺑﻴﻨـﻲ وﺑﻴﻨـﻪ ﺑﺴـﺒﺐ ﻋﺬوﺑـﺔ ﻣﺴـﻠﻜﻪ وﻗﺪرﺗـﻪ ﻋـﲆ اﻟﺴـماح ﻟﻠـﺬات
ﺑ ـﺄن ﺗﻜ ـﻮن ﺟ ـﺰءاً ﻣ ـﻦ اﳌﻮﺿ ـﻮع. إﻧﻨ ـﻲ ﻻ أدﻋ ـﻲ أﻧﻨ ـﻲ أﻗ ـﻒ ﻣﻮﻗﻔ ـﺎً ﻋ ـﺪﻻً ﺑ ـين اﻟﱪﻫ ـﺎن واﻟﺘﺄوﻳ ـﻞ، إﻻ
أن ﺟﻨﻮﺣـﻲ إﱃ اﻟﺘﺄوﻳـﻞ ﻛﺎن ﻣـﻦ أﺟـﻞ اﻻﻋـﱰاف ﺑﺤـﻖ اﻟﺨﻴـﺎل ﰲ اﳌﻌﺮﻓـﺔ واﻟﺤﻜـﻢ، وﻣـﻦ أﺟـﻞ إﻋـﺎدة
اﻻﻋﺘﺒـﺎر ﻟﻠﻐـﺔ ﺑﻠﻮازﻣﻬـﺎ اﳌﺠﺎزﻳـﺔ واﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴـﺔ واﻟﺘﺸـﺒﻴﻬﻴﺔ، ﻟﻜـﻦ دون اﻟﺘﻀﺤﻴـﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘـﻞ واﻻﻛﺘﻔـﺎء ﺑﺎﻟﻨﻈـﺮ
إﱃ اﳌﻮﺟـﻮدات ﻣـﻦ وراء ﺣﺠـﺎب اﻟﻨـﺺ اﻟﻨﻘـﲇ.
اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺘﺄوﻳﲇ