45
2018
. ﺷﺘﺎء
1
اﻟﻌﺪد
وﻛﺄﻧّـﻪ اﻣﺘﺤـﺎن ذاتي ﻟـﻜﻞّ اﻹﺑﺮاﻫﻴﻤﻴـين: ﻧﺤـﻦ ﺟﻤﻴﻌـﺎً أﻧﺴـﺒﺎء ﻧﺒـﻲّ ﻣـﺎ، وﻻ ﻳﺘﻌﻠـﻖ اﻷﻣـﺮ بمﺠـﺮد اﺳـﺘﻌمال
ﺳـﻴﻤﻴﻮﻃﻴﻘﻲ ﻋﺎﺑـﺮ؛ ﺑـﻞ ﺑﻮﺿﻌﻴـﺔ ﺗﺄوﻳﻠﻴـﺔ ﻋﻤﻴﻘـﺔ ﺧﺎﺻـﺔ ﺑﻨـﻮع ﺛﻘـﺎﰲ ﺑﻌﻴﻨـﻪ. ﻧﺤـﻦ ﻧـﻮع ﺛﻘـﺎﰲ ﻳﺤﻤـﻞ
وﺿﻌﻴـﺔ ﺗﺄوﻳﻠﻴـﺔ ﺟﺎﻫـﺰة ﺳـﻠﻔﺎً، ﺳـﺎﺑﻘﺔ إﱃ اﻟﻘﻠـﺐ، ﻫـﻲ أﻧّﻨـﺎ ﻣﻨﺤـﺪرون ﻣـﻦ ﻧﺴـﺐ ﻧﺒـﻮيّ ﻣـﺎ، ﻳـﺆدّي ﻓﻴـﻪ
اﻻﺳـﻢ دوراً ﺣﺎﺳـماً. اﻻﺳـﻢ ﰲ أﻓـﻖ أﻧﻔﺴـﻨﺎ اﻟﻌﻤﻴـﻖ أﺧﻄـﺮ ﻣـﻦ أيّ ﻧﻘـﺎش ﺣـﻮل اﳌﻔﺎﻫﻴـﻢ. ﰲ اﺳـﺘﻔﻬﺎﻣﻨﺎ
ﻋ ـﻦ ذواﺗﻨ ـﺎ اﻟﻌﻤﻴﻘ ـﺔ ﻧﺤـﻦ ﻻ ﻧﻔﻜ ّـﺮ ﺑﺸـﻜﻞ ﻳﻮﻧ ـﺎني ﺑ ـﻞ ﺑﺸـﻜﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻤ ـﻲ. ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘ ـﺎ اﻻﺳـﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔ ـﺔ
ﺑﺸـﻜﻞ ﻣﺨﻴـﻒ ﻋـﻦ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘـﺎ اﳌﻔﻬـﻮم.
وﻟﺬﻟـﻚ، اﻹﺳـﺎءة إﱃ اﻻﺳـﻢ ﻣﻌﻘّـﺪة ﺟـﺪّاً، وﺗﺨﺘﻠـﻒ ﻋـﻦ اﻹﺳـﺎءة إﱃ ﻣﻔﻬـﻮم. وﻳﺒـﺪو ﻟﻨـﺎ أنّ اﻹﻟﺤـﺎد
اﻟﺤﺪﻳـﺚ ﻣﻔﻬـﻮم، وﻟﻴـﺲ اﺳـماً. ﻋـﲆ ﺧـﻼف ﻣﻌﻨـﻰ اﻟـﴩك أو اﻟﻜﻔـﺮ ﰲ أﻓﻘﻨـﺎ. ثمّـﺔ ﺗﻮﻗﻴـﻊ ﻣـﺎ وراء ﻛﻞّ
أﺳـﺌﻠﺘﻨﺎ ﻋـﻦ ﻣﺼـﺎدر أﻧﻔﺴـﻨﺎ. وﻻ ﺗـﺆدّي اﻟﺴـﺒﺒﻴﺔ ﻫﻨـﺎ أيّ دور ﺣﻘﻴﻘـﻲ.
ﻟﺬﻟـﻚ ﺳـﻮف ﻳـﺪور ﺑﺤﺜﻨـﺎ ﺣـﻮل ﻫـﺬا اﻻﺳـﺘﻔﻬﺎم اﳌـﺰدوج: ﺑـﺄيّ ﻣﻌﻨـﻰ ﻋﻠﻴﻨـﺎ أن ﻧـﺆوّل اﺳـﺘﺌﻨﺎف
ﺑﻌـﺾ اﻟﻌـﺮب اﳌﻌﺎﴏﻳـﻦ )وﻻﺳـﻴما ﺟـﱪان وﻧﻌﻴﻤـﺔ( ﻻﺳـﻢ »اﻟﻨﺒـﻲ« ﺑﺎﻋﺘﺒـﺎره نمﻮذﺟـﺎً ﻟﻠﻜﺘﺎﺑـﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴـﺔ
اﻟﻌﻤﻴﻘـﺔ ﺣـﻮل اﳌﺼـير اﻟﺨـﻼﴆ ﻟﻜﻴﻨﻮﻧـﺔ اﻹﻧﺴـﺎن ﰲ ذواﺗﻨـﺎ اﳌﻌـﺎﴏة؟ ﺛـﻢّ ﻛﻴـﻒ ﻧﻔـﴪّ اﻧﺴـﺪاد أﻓـﻖ
ﻫـﺬا اﻻﺳـﺘﺌﻨﺎف اﻟﺮوﻣﺎﻧـﴘ اﻟﺮاﺋـﻊ ﻟﻔﻜـﺮة اﻟﻨﺒـﻮّة، واﻧﺨـﺮاط اﻟﻌـﺮب، ﺑـﺪﻻً ﻣـﻦ ذﻟـﻚ، ﰲ اﺳـﺘﻌمال ﺷـﺒﻪ
ﺣـﺮبي ﻟﺸـﺨﺼﻴﺔ »اﻟﻨﺒـﻲ« ﺑﻄـﻼً ﻧﻬﺎﺋﻴـﺎً ﰲ ﻣﻘـﺎﻻت اﻟﺘﻜﻔـير )ﺳـﻴﺪ ﻗﻄـﺐ، اﳌـﻮدودي(؟ وﻋﺎﻣـﺔً: ﻛﻴـﻒ ﻧـﺆوّل
اﻧﺘﻘـﺎل ﻓﻜـﺮة اﻟﻨﺒـﻲ ﻣـﻦ نمـﻮذج روﻣﺎﻧـﴘ إﱃ ﺑﻄـﻞ ﺗﻜﻔـيري ﰲ أﻓـﻖ اﻟﻔﻜـﺮ اﻟﻌـﺮبي اﳌﻌـﺎﴏ؟ وﻣـﻦ ﺛـﻢّ:
ﻣـﺎ ﻃﺒﻴﻌـﺔ اﻟﻌﻼﻗـﺔ ﺑـين اﻟﺘﺄوﻳـﻞ واﻟﺘﻜﻔـير؟
واﳌﻠ ـﺢّ اﻵن ﻋ ـﲆ ﻣﺴ ـﺘﻮى اﻟﺘﻔﻜ ـير ﻟﺪﻳﻨ ـﺎ، ﺑﻮﺻﻔﻨ ـﺎ ﻧﺤ ـﻦ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴ ّـﺔ ﺧﺎﺻ ـﺔ، ﻫ ـﻮ اﻟﺴ ـﺆال ﻋ ـﻦ
ﻣﺼـير »اﻟﻨﺒـﻲ« ﰲ أﻓﻘﻨـﺎ، ﻟﻴـﺲ أﻓﻘﻨـﺎ اﻟﺮوﺣـﻲ ﻓﺤﺴـﺐ؛ ﺑـﻞ أﻓﻘﻨـﺎ اﻟﻘﻴﻤـﻲ ﺧﺎﺻـﺔً، أو اﳌﻌﻴـﺎري ﻋﺎﻣـﺔً.
اﻧﺘﻬـﺖ أورﺑـﺎ إﱃ ﻣـﻮت اﻹﻟـﻪ أﻓﻘـﺎً ﻣﻌﻴﺎرﻳـﺎً ﻣﻨـﺬ اﻟﻘـﺮن اﻟﺘﺎﺳـﻊ ﻋـﴩ، وأﻃﻠﻘـﺖ ﻋﻠﻴـﻪ اﺳـﻢ »اﻟﻌﺪﻣﻴـﺔ«.
وﻫـﺬا اﻟﻘـﺮار اﳌﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘـﻲ ﻻ ﻳﻠﺰﻣﻨـﺎ ﰲ ﳾء. ﻧﺤـﻦ ﻧﺸـﻌﺮ أنّ ﻟﺪﻳﻨـﺎ ﻣﺸـﻜﻼً ﻣـﻦ ﻧـﻮع آﺧـﺮ: إﻟﻬﻨـﺎ ﻣـﻦ ﻧـﻮع
ﻻ يمـﻮت؛ ﻷﻧّـﻪ ﻏـير ﺗﺸـﺒﻴﻬﻲّ، وﻻ ﻳﻮﺟـﺪ ﻋـﲆ ﺻﻌﻴـﺪ اﻟﻌﻨـﴫ اﻹﻧﺴـﺎني بمـﺎ ﻫـﻮ ﻛﺬﻟـﻚ. واﳌـﻮت ﻳﻮﺟـﺪ
ﺧـﺎرج أﻓﻘـﻪ تمﺎﻣـﺎً.
ﻫﻨـﺎ ﻳﺒـﺪو اﻟﻨﺒـﻲ بمﺜﺎﺑـﺔ اﳌﻘﺎﺑـﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘـﻲ ﳌـﺎ ﻳﻨﺒﻐـﻲ اﻟﺘﻔﻜـير ﻓﻴـﻪ: ﻣـﻮت اﳌﻘـﺪّس اﻟﺪﻳﻨـﻲ ﰲ أﻓﻘﻨـﺎ
ﻳﺠـﺮي اﻟﺘﻔـﺎوض ﺣﻮﻟـﻪ ﰲ ﺧﺎﻧـﺔ اﻟﻨﺒـﻲ، وﻟﻴـﺲ اﻹﻟـﻪ.
ﻗـﺎل ﻧﻴﺘﺸـﻪ: »ﻧﺤـﻦ اﻟﺬﻳـﻦ ﻗﺘﻠﻨـﺎه«. ﻫـﻞ يمﻜـﻦ إﻃـﻼق ﻫـﺬا اﻻﺳـﺘﺪراك اﳌﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘـﻲ ﻋـﲆ ﺷـﺨﺺ
»اﻟﻨﺒـﻲ« ﰲ أﻓـﻖ اﻟﻔﻜـﺮ اﻟﻌـﺮبي اﳌﻌـﺎﴏ؟
ﻳﺒ ـﺪو أنّ اﳌ ـﻮت اﻷﺧﻼﻗ ـﻲ ﻟﻔﻜ ـﺮة اﻟﻨﺒ ـﻲ ﻗ ـﺪ ﻗﻄﻌ ـﺖ ﺷ ـﻮﻃﺎً ﻫﺎﺋ ـﻼً ﻣﻨ ـﺬ دﺧ ـﻮل ﺛﻘﺎﻓﺘﻨ ـﺎ ﰲ أﻓ ـﻖ
اﻷزﻣﻨـﺔ اﻟﺠﺪﻳـﺪة اﳌﺴـماة ذاﺗﻴّـﺎً ﺑﻜﻮﻧﻬـﺎ »ﺣﺪﻳﺜـﺔ« أو »أﻧﻮارﻳـﺔ« أو »ﻣﺘﻘﺪّﻣـﺔ« أو »ﻏﺮﺑﻴـﺔ« أو »أورﺑﻴـﺔ«...
إﻟـﺦ. واﻗـﻊ اﻟﺤـﺎل -وﻧﺤـﻦ ﻻ ﻧﻔﻜّـﺮ ﻣﻨـﺬ ﻗﺮﻧـين إﻻّ ﰲ »واﻗﻌـﺔ« أو »واﻗﻌﺎﻧﻴـﺔ« اﻟﺤﺪاﺛـﺔ، وﻟﻴـﺲ ﰲ اﻟﺤﺪاﺛـﺔ؛
ﻓﺘﺤﻲ اﳌﺴﻜﻴﻨﻲ