مجلة تأويليات - العدد الأول

77 / 160

77 2018 . ﺷﺘﺎء1 اﻟﻌﺪد
،˝ّﻗـﺮاءة ﻣﺘﻮاﺻﻠـﺔ وﻣﺘﺠـﺪدة ﺑﺎﺳـﺘﻤﺮار ﻟﺘﺎرﻳﺨﻬـﺎ اﻟﺨـﺎص˝ لم ﺗﻜـﻦ˝اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻹﺳـﻼﻣﻴّﺔ˝ﻓـﺈنّ ﻣـﺎ ﻧﺪﻋـﻮه ﺑـ
ﻛـما ﻛﺎن اﻟﺸّـﺄن ﺑﺎﻟﻨﺴـﺒﺔ ﻟﻠﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴّـﺔ، وﻛـما ﻫـﻮ اﻟﺤـﺎل ﺑﺎﻟﻨّﺴـﺒﺔ ﻟﻠﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻷوروﺑﻴـﺔ ﻣﻨـﺬ دﻳـﻜﺎرت
إﱃ اﻟﻴـﻮم؛ ﺑـﻞ إنّ اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ ﰲ اﻹﺳـﻼم ﻛﺎﻧـﺖ ﻋﺒـﺎرةً ﻋـﻦ ﻗـﺮاءات ﻣﺴـﺘﻘﻠﺔ ﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ أﺧـﺮى ﻫـﻲ اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ
.(31« )صاﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴـﺔ، ﻗـﺮاءات وﻇّﻔـﺖ ﻧﻔـﺲ اﳌـﺎدّة اﳌﻌﺮﻓﻴـﺔ ﻷﻫـﺪاف إﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴّـﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔـﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨـﺔ
ﻗ ـﺪ أتى ﺑﺎﻟﻔﻌ ـﻞ أﻣ ـﺮاً ﻋﺠَﺒ ـﺎً ﻧﺤ ـﻦ واﻟ ـﱰاث(ﻳﻜﻔ ـﻲ ﻣﺜ ـﻞ ﻫ ـﺬا اﻟﺘّﴫﻳ ـﺢ ﻟﻴﺠ ـﺪَ اﳌ ـﺮءُ أنّ ﻣﺆﻟ ـﻒ )
ﻣﺮّﺗـين ﻋـﲆ اﻷﻗـﻞّ: ﻣـﺮّة أوﱃ ﺣـين ﻗـﺮّ ﻋﻨـﺪه ﻋـﲆ وﺟـﻪ اﻟﻴﻘـين أن اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻹﺳـﻼﻣﻴﺔ ﺑﺈﺷـﺎرات اﻟﺘﻨﺼﻴـﺺ
)وﻛﺄﻧﻬ ـﺎ ﻋﺒ ـﺎرة ﺑﺎﻟﺘﺠـﻮّز ﻻ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘ ـﺔ( ﻟﻴﺴـﺖ ﻗ ـﺮاءةً ﻣﺘﻮاﺻﻠ ـﺔً ﻟﺘﺎرﻳﺨﻬ ـﺎ اﻟﺨـﺎصّ، ﻛﺎﻟﺸّـﺄن ﻋﻨ ـﺪ ﻳﻮﻧ ـﺎن
وﻋﻨـﺪ اﻷورﺑﻴـين اﳌﺤﺪﺛـين؛ ﺑـﻞ ﻫـﻲ ﻗـﺮاءات ﻟﻠﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴّـﺔ ﻟﻴـﺲ ﻓﻴﻬـﺎ ﻣـﻦ اﻟﱰّاﺑـﻂ واﻟﻮﺣـﺪة ﻣـﺎ
ﻳﺠﻌﻠﻬـﺎ ﺗﺴـﺘﺄﻫﻞ ﺗﺎرﻳﺨﻴّـﺔً أﺻﻴﻠـﺔً وأﺻﻠﻴّـﺔً؛ وإن لم ﺗﻜـﻦ ﻣﺸـﺎﻛﻠﺔً ﳌـﺎ ﻋﺮﻓﺘـﻪ ﻓﻠﺴـﻔﺎت اﻟﻘﺪاﻣـﻰ واﳌﺤﺪﺛـين،
ﻓﺈﻧﻬــﺎ ﺑﺎﻷﻗــﻞ اﻷدنى ﻣﻘﻮّﻣــﺔ ﻟﻬــﺎ ﺑﺎﻟــﺬات، واﻟﺤــﺎل أنّ اﻟﻔﻠﺴــﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴّــﺔ واﻷورﺑﻴّــﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜــﺔ ﻟﻴﺴــﺘﺎ
ﻣﺘّﺼﻠﺘــين ﺑﺎﻟﺘّﺤﻠﻴــﻞ ﻛــما ﰲ أﺳــﺎﻃير وﴎدﻳّــﺎت ﺑﻌــﺾ اﻟﻔﻼﺳــﻔﺔ واﳌﺆرّﺧــين؛ ﺑــﻞ ﻻ ﺗﻨﻄــﻮي ﻛﻞّ واﺣــﺪةٍ
ﻣﻨﻬـما ﻋـﲆ ﻫـﺬه اﻟﻮﺣـﺪة اﳌﻔﱰﺿـﺔ، وﻫـﺬه اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴـﺔ اﳌﺘﺠـﺪّدة اﳌﺤﺎﻳﺜـﺔ ﻟﻬـﺎ، إﻻ ﺑـﴬبٍ ﻣـﻦ اﻟﺒﻨـﺎء
اﻟﻔﻜـﺮي اﻻﻓـﱰاﴈ اﻟﺘﺄﻣـﲇ اﻟـﺬي ﻛـﺮّس تمﻴﻴـﺰ ﻫﺬﻳـﻦ اﻷﺛﺮﻳـﻦ اﻟﻜﺒيرﻳـﻦ ﻣـﻦ آﺛـﺎر اﻹﻧﺴـﺎﻧﻴﺔ ﻋـﻦ ﻧﻈﺎﺋﺮﻫـما
ﻣـﻦ ﻓﻠﺴـﻔﺎت وﺣِﻜَـﻢ اﻷﻣـﻢ واﻟﺤﻀـﺎرات اﻷﺧـﺮى؛ وأﻣّـﺎ اﳌـﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴـﺔ ﻓﻘـﺪ ﺧﺎﻟـﻒ ﻓﻴﻬـﺎ اﻟﺠﺎﺑـﺮي اﳌﻌﻠـﻮم
ﻣـﻦ أﺻـﻮل اﻟﻔﻜـﺮ وﻧﻮاﻣﻴﺴـﻪ اﳌﺘﻌـﺎرف ﻋﻠﻴﻬـﺎ ﻣﺨﺎﻟﻔـﺔً ﻏﺮﻳﺒـﺔً ﺷـﺎذّةً ﻋـماّ ﻫـﻮ ﻗﺎﺋـﻢٌ ﰲ أﻋـﺮاف اﻟﻔﻜـﺮ
وﰲ أدﺑﻴ ـﺎت اﻟﻨﻈـﺮ واﻟﺒﺤـﺚ ﺣـين ﺳ ـﻠﺐ اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻹﺳ ـﻼﻣﻴﺔ أيّ اﺧﺘﺼـﺎص بمﻀﺎﻣﻴﻨﻬ ـﺎ، وﺟﻌﻠﻬ ـﺎ ﻣﺠـﺮد
ﻗـﺮاءة ﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ أﺧـﺮى، وﻛﺄﻧّﻬـﺎ ﻣـﻦ اﳌﻄﺎﻋـﻦ واﳌﺂﺧـﺬ اﻟﺘـﻲ ﻻ ﻳﺨﺘﻠـﻒ ﻓﻴﻬـﺎ اﺛﻨـﺎن؛ وﺣـين ﺟﻌـﻞ ﻣـﻦ ﻫـﺬه
اﻟﻘـﺮاءة، ﻻ ﻣﺤﺎوﻟـﺔً ﻟﺒﻨـﺎء ﻣﺤﺘـﻮى ﻣﻌـﺮﰲ ﻣﺰﻳـﺪ وﻣﻀـﺎف إﱃ أﺻﻠـﻪ اﳌﺄﺧـﻮذ ﻋﻨـﻪ؛ ﺑـﻞ ﺗﻮﻇﻴﻔـﺎً إﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴّـﺎً
ﻟﻬــﺬا اﳌﺤﺘــﻮى اﻟــﺬي ﻻ ﻳﺰﻳــﺪ ﻋــﲆ »آراء وأﻗﺎوﻳــﻞ ﻣﻜــﺮورة ﻻ ﺗﺨﺘﻠــﻒ إﻻ ﰲ ﻃﺮﻳﻘــﺔ اﻟﻌــﺮض ودرﺟــﺔ
اﻹﻳﺠـﺎز أو اﻟﱰﻛﻴـﺰ« )م.م(. وأﻏـﺮب ﻣـﻦ ذﻟـﻚ ﻛﻠّـﻪ أﻣـﺮ ﻫـﺬا اﻟﺘّﻮﻇﻴـﻒ: ﻓﻬـﻮ ﺣﻴﻨـﺎً ﻣـﻦ ﺧـﻮاصّ اﻟﺘﻔﻠﺴـﻒ
واﻟﺘﻔﻜـير اﻷﺻﻴﻠـﺔ اﻟﺠﺪﻳـﺮة ﺑﺎﻻﻋﺘﺒـﺎر ﻣـﻦ ﺣﻴـﺚ ارﺗﺒـﺎط اﻟﻔﻜـﺮ بمﺼﺎدﻳﻘـﻪ اﻟﻮاﻗﻌﻴّـﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴّـﺔ وﺧﻮﺿـﻪ
ﰲ ﴏاﻋـﺎت وﺗﻨﺎﻗﻀـﺎت ﺑـين اﻟﻔﺎﻋﻠـين ﰲ اﳌﺠـﺎل اﻟﺴّـﻴﺎﳼ واﻻﺟﺘماﻋـﻲ؛ أي ﻣـﻦ ﺣﻴـﺚ ﻫـﻮ أﻗـﴡ اﻟﻌﺒـﺎرة
اﳌﻮﺿﻮﻋﻴـﺔ اﻟﻨﺎﻃﻘـﺔ ﻋـﻦ ﺣﻘﻴﻘـﺔ اﻟﻔﻜـﺮ وﻣﺎﻫﻴﺘـﻪ؛ وﻫـﻮ ﺣﻴﻨـﺎً آﺧـﺮ ﻣـﻦ ﻣﺴـﺎﻗﻂ اﻟﻔﻼﺳـﻔﺔ اﻹﺳـﻼﻣﻴين،
اﻟﺬﻳـﻦ لم ﺗﻜـﻦ ﻏﺎﻳﺘﻬـﻢ اﺑﺘـﺪاع ﻣﻀﻤـﻮن ﻓﻜـﺮي ﺟﺪﻳـﺪ ﺑﻘـﺪر ﺗﻮﻇﻴﻔـﻪ ﰲ ﺣﻠﺒـﺔ اﻟـﴫاع واﻟﻨّـﺰاع. وﻧﺤـﻦ
ﺳ ـﺎﻋﺘﻬﺎ أﻣ ـﺎم ﺧﻴﺎرﻳ ـﻦ ﻻ ﺛﺎﻟ ـﺚ ﻟﻬ ـما: إﻣ ّـﺎ اﻟﱰﻛﻴ ـﺰ ﻋ ـﲆ اﻟﺮّﻫﺎﻧ ـﺎت واﻟ ـﺪّﻻﻻت اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴ ـﺔ اﻟﺴّﻴﺎﺳ ـﻴﺔ
ﻟﻬـﺬه اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ ﻟﻨﻐﻨـﻢ ﻣـﻦ ذﻟـﻚ ﺧـيراً ﻛﺜـيراً، أو اﻟﻮﻗـﻮف ﻋـﲆ اﳌﻀﺎﻣـين اﳌﻌﺮﻓﻴـﺔ، اﻟﺘـﻲ ﺗﺸـﻜّﻠﺖ ﻣﻨﻬـﺎ
اﻟﻨّﺼـﻮص واﳌﺪوّﻧـﺎت، ﻓﻨﻘـﻊ ﰲ ﻣـﺎ وﻗـﻊ ﻓﻴـﻪ اﳌﺴـﺘﴩﻗﻮن ﻣـﻦ ﻗﺒﻠﻨـﺎ، وﻟﻌﻠﻬـﻢ واﻗﻌـﻮن ﻓﻴـﻪ إﱃ اﻟﻴـﻮم.
وأﻛ ـثر ﻣ ـﻦ ذﻟ ـﻚ ﺗﺨﻠﻴﻄ ـﺎً اﻟ ـﱰدّد اﻟﻨّﺎﺑ ـﻊ ﻣ ـﻦ ﻫ ـﺬه اﻟﻔﺮﺿﻴ ّـﺔ: ﺑ ـين اﻋﺘﺒ ـﺎر اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻹﺳ ـﻼﻣﻴّﺔ »ﺧﻄﺎﺑ ـﺎً
،˝راﻛـﺪ˝ ( ﺣـﻮل اﻟﺘﻮاﻓـﻖ ﺑـين اﻟﺪّﻳـﻦ واﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ ﺣﺘـﻰ ﺻـﺎرت »ذات ﺗﺎرﻳـﺦ33 إﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴّـﺎً ﻣﺴﱰﺳـﻼً« )ص
ًﺟﻨّـﺪ ﺧﻄﺎﺑـﺎً إﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴّـﺎً ﻣﻨﺎﺿﻼ ﻻ ﻳﺤﻤـﻞ أي ﺗﻘـﺪّم، وﻻ ﻳﻌﻜـﺲ أﻳـﺔ ﺣﺮﻛـﺔ«، وﺑـين اﻟﻨﻈـﺮ إﻟﻴﻬـﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬـﺎ »
ﻧﻔﺴـﻪ ﻟﺨﺪﻣـﺔ اﻟﻌﻠـﻢ واﻟﺘﻘـﺪّم واﻟﺪّﻓـﻊ ﺑﺎﻟﺘﻄـﻮر إﱃ اﻷﻣـﺎم«، وأنّ »ﺧﺼﻮﻣﻬـﺎ ﻛﺎﻧـﻮا ﻣـﻦ اﻟﻌﻨـﺎﴏ اﻟﺮّﺟﻌﻴّـﺔ
.(37-36، اﻧﻈــﺮ: ص35 واﳌﺤﺎﻓﻈــﺔ« !! )ص
ﻓﺘﺤﻲ إﻧﻘﺰّو