Next Page  76 / 160 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 76 / 160 Previous Page
Page Background

76

ﻻ ﺷـﻚّ ﰲ أنّ ﻋﻨـﺎﴏ ﻫـﺬه اﻟﺮّؤﻳـﺔ، اﻟﺘـﻲ ﻳﺒﺴـﻄﻬﺎ اﻟﺠﺎﺑـﺮي ﰲ اﻟﻘﺴـﻢ اﻷﺧـير ﻣـﻦ ﻣﻘﺪّﻣـﺔ ﻛﺘﺎﺑـﻪ،

ﻟﻴﺴـﺖ ﻣـﻦ ﺟﻨـﺲ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘـﻲ ﻳﺤـﺪّد ﺷـﻜﻞ اﻟﻌﻼﻗـﺔ ﺑﺎﻟﻮﺟـﻮد، أو ﻣـﻦ ﺟﻨـﺲ ﺗﺄوﻳـﲇ ﻳﺠﻌﻠﻬـﺎ ذات ﺳـﺒﻖ

وأﺻﺎﻟ ـﺔ ﰲ ﺗﺠﺮﺑ ـﺔ اﻟﻘ ـﺮاءة وﻣﻔﺎﻋﻴﻠﻬ ـﺎ. ﻛﺄنّ اﻟﻘ ـﺎرئ اﳌﺄﻣ ـﻮل ﻫﺎﻫﻨ ـﺎ ﻏ ـير اﻟﻔﻴﻠﺴ ـﻮف، أو ﻫ ـﻮ ﻓﻴﻠﺴ ـﻮف

ﺑﺎﻟﻘﺼـﺪ ﻓﻘـﻂ: ﻓـﻼ ﻫـﻮ ﻳﺴـﺘﻨﻔﺮ ﻣـﻦ ﻣﻘﻮّﻣـﺎت اﻟﺮّؤﻳـﺔ ﻣـﺎ ﻛﺎن اﻟﻔﻼﺳـﻔﺔ ﻳﺸـﱰﻃﻮﻧﻪ ﻣـﻦ ﻣﻘـﺎم ﺣـﺪﳼ

ﻣﺒــﴫ ﺑﺘﺠﺮﺑــﺔٍ ﻟﻠﻮﺟــﻮد ﺳــﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﻘــﻮل وﻟﻠﻤﻔﻬــﻮم، ﺗﺠﺮﺑــﺔ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴّــﺔ ﻣﺒــﺎﴍة ﻳﻜــﻮن اﻟــﱰاث ﻋﺒــﺎرةً

ﻧﺎﻃﻘــﺔً ﻋﻨﻬــﺎ وﻛﺘﺎﺑــﺔً ﻟﻬــﺎ وأﺛــﺮاً، وﻻ ﻫــﻮ ﻳﻜﺘﻔــﻲ ﺑﺘﺤﺼﻴﻠﻬــﺎ ﻣــﻦ اﳌﺘــﻮن واﺳــﺘﺌﻨﺎﻓﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻈــﺮ واﻟﻘــﺮاءة

وﺗﺠﻮﻳـﺪ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬـﺎ. ﺧﻼﻓـﺎً ﻟﺬﻟـﻚ ﻧﺠـﺪه ﻳﻘـﺮّ بمـﺎ ﻫـﻮ أدنى ﻣـﻦ ذﻟـﻚ وأﻗـﻞّ ﺷـﺄﻧﺎً؛ ﻓﺎﻟﻌﻨـﺎﴏ اﻟﺜّﻼﺛـﺔ ﻟﻬـﺬه

اﻟﺮّؤﻳـﺔ )أي وﺣـﺪة اﻟﻔﻜـﺮ واﻹﺷـﻜﺎﻟﻴّﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻴّـﺔ اﻟﻔﻜـﺮ ﰲ ﻣﻌﻄﻴﻴـﻪ اﳌﻌـﺮﰲ واﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟـﻲ، وأﺧـيراً اﳌﻨﺰﻟـﺔ

اﻟﺘّﺎرﻳﺨﻴـﺔ ﻟﻠﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻹﺳـﻼﻣﻴﺔ( إنمّـﺎ ﻫـﻲ ﺗﻘﻠﻴـﺐٌ ﻟﻸﻣـﺮ ﻧﻔﺴـﻪ؛ أي ﻟﻠﻤﻘﻮﻣـﺎت اﻟﺼﻮرﻳّـﺔ ﻟﺒﻨﻴـﺔ اﻟﻘـﺮاءة

اﻟﻔﻠﺴـﻔﻴّﺔ ﻟﻠـﱰّاث وﺗﻜﺮﻳـﺮ ﳌﻌﻨـﻰ ﺑﻌﻴﻨـﻪ.

وإذاً ﳌّـﺎ ﻛﺎﻧـﺖ ﻫـﺬه اﻟﻌﻨـﺎﴏ ﻏـير ذات ﻣﻀﻤـﻮن ﻓﻌـﲇ ﻣﺘﻌـين ﻓﻠﺴـﻔﻴّﺎً، ﻟﻜﻮﻧﻬـﺎ ﻣـﻦ ﺟﻨـﺲ اﻻﺳـﺘﻌﺪاد

اﳌﻨﻬﺠــﻲ ﻻ أﻛــثر وﻻ أﻗــﻞّ، ﻇﻬــﺮ اﻟﺘّماﺛــﻞ ﰲ ﻣﻜﻮّﻧﺎﺗﻬــﺎ واﻟــﱰّادف ﰲ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬــﺎ: ﻓﻮﺣــﺪة اﻹﺷــﻜﺎﻟﻴّﺔ ﻟﻴﺴــﺖ

ﻣﻘﻴ ّـﺪةً ﺑﺤـﺪود اﻟﻔﻜ ـﺮ اﻟ ـﺬي أﻧﺘﺠﻬ ـﺎ، وإنم ّـﺎ ﻫـﻲ ذات ﻧﺴـﺒﺔ إﱃ اﻟﺘّﺠﺮﺑ ـﺔ اﻟﺘّﺎرﻳﺨﻴ ـﺔ اﻟﺘ ـﻲ أﻧﺸـﺄﺗﻬﺎ، ﻛ ـما

؛(29-28

« )ص

اﻹﺷــﻜﺎﻟﻴّﺔ ﻻ ﺗﺘﺤــﺪّد ﻓﻘــﻂ بمــﺎ ﺗــﻢّ اﻟﺘّﴫﻳــﺢ ﺑــﻪ؛ ﺑــﻞ أﻳﻀــﺎً بمــﺎ ﺗﺘﻀﻤّﻨــﻪ وﺗﺤﺘﻤﻠــﻪ

أنّ »

( اﳌﺸ ـﺎر إﻟﻴﻬ ـﺎ، ﻓ ـﻼ ﺗﻌﻨ ـﻲ ﺷ ـﻴﺌﺎً

24

أﻣ ّـﺎ ﺗﺎرﻳﺨﻴ ّـﺔ اﻟﻔﻜ ـﺮ، اﻟﺘ ـﻲ ﻻ ﺗﺘﻨﺎﻗ ـﺾ ﻣ ـﻊ »اﳌﻌﺎﻟﺠ ـﺔ اﻟﺒﻨﻴﻮﻳ ّـﺔ« )ص

(؛ وﻫــﻲ ﺗﺘﻘــﻮّم

29

ﻏــير »ارﺗﺒﺎﻃــﻪ ﺑﺎﻟﻮاﻗــﻊ اﻟﺴّــﻴﺎﳼ اﻻﺟﺘماﻋــﻲ اﻻﻗﺘﺼــﺎدي اﻟﺜّﻘــﺎﰲ اﻟــﺬي أﻧﺘﺠــﻪ...« )ص

«، اﻟـﺬي ﻳﺘﻜـﻮّن ﻣـﻦ »ﻣـﺎدّة ﻣﻌﺮﻓﻴـﺔ« وﻣـﻦ »ﺟﻬـﺎز ﺗﻔﻜـيري« ﻣـﻦ ﺟﻬـﺔ

اﻟﺤﻘـﻞ اﳌﻌـﺮﰲ

ﺑﺄﻣﺮﻳـﻦ اﺛﻨـين: »

«، اﻟــﺬي ﻳﻌــﱪّ ﻋﻨــﻪ اﻟﻔﻜــﺮ، وﻳﺠﻌــﻞ ﻟــﻪ وﻇﻴﻔــﺔً ﺳﻴﺎﺳــﻴّﺔً واﺟﺘماﻋﻴّــﺔً

اﳌﻀﻤــﻮن اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟــﻲ

أوﱃ، و»

ﻣﺤـﺪّدةً ﰲ زﻣـﺎن ﺑﻌﻴﻨـﻪ ﻣـﻦ ﺟﻬـﺔ ﺛﺎﻧﻴـﺔ. ﻓﺎﻹﺷـﻜﺎﻟﻴّﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳ ّـﺔ ذات وﺟﻬـين ﺟﺪﻟﻴـين ﻣـﻦ ﺣﻴـﺚ ﻳﻌـﱪّان

ﻋ ـﻦ »ﺗﻨﺎﻗﻀ ـﺎت« اﻟﺤﻘ ـﻞ اﳌﻌ ـﺮﰲ وﺗﻨﺎﻗﻀ ـﺎت اﳌﺠ ـﺎل اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟ ـﻲ وﴏاﻋﺎﺗ ـﻪ ﺳ ـﻮاء ﺑﺴ ـﻮاء؛ إذ ﻻ ﻳﺠ ـﻮز

اﻟﺘّﺴـﻠﻴﻢ ﺑﺘﻨﺎﺳـﺐ ﺑـين اﳌﺴـﺘﻮﻳين: »وبمـﺎ أنّ اﳌﻌﺮﻓـﺔ ﻻ ﺗﺴـﺎوق –ﺑﺎﻟـﴬورة– ﰲ نمﻮّﻫـﺎ ﺗﻄـﻮّر اﳌﺠﺘﻤـﻊ، ﻓـﺈنّ

اﳌﺤﺘ ـﻮى اﳌﻌ ـﺮﰲ واﳌﻀﻤ ـﻮن اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟ ـﻲ اﻟﻠﺬﻳ ْـﻦ ﻳﺤﻤﻠﻬ ـما ﻓﻜ ـﺮٌ واﺣ ـﺪٌ ﻟﻴ ـﺲ ﻣ ـﻦ اﻟ ـﴬّوري أن ﻳﻜﻮﻧ ـﺎ

(. وﻣﻬــما ﻛﺎن ﻣــﻦ أﻣــﺮ اﻻﺣﺘﻴــﺎط ﰲ ﺗﻘﺪﻳــﺮ

30

ﻣﺘﺴــﺎوﻗين؛ أي ﻋــﲆ درﺟــﺔٍ واﺣــﺪةٍ ﻣــﻦ اﻟﺘّﻄــﻮّر...« )ص

ﻫــﺬه اﻟﻌﻼﻗــﺔ ﺑــين اﻟﻔﻜــﺮ واﻟﻮاﻗــﻊ، ﻣــﻦ ﺣﻴــﺚ ﻫــﻲ »ﻋﻼﻗــﺔ ﻣﻠﺘﻮﻳــﺔ وﻣﻨﻌﺮﺟــﺔ ]...[ ﻏــير ﻣﺒــﺎﴍة تمــﺮّ

ﻋـﱪ أﺷـﻜﺎل أﺧـﺮى ﻣـﻦ اﻟﻮﻋـﻲ...«، ﻓـﺈنّ اﻟﺠﺎﺑـﺮي ﻻ ﻳﺠـﺪ ﺑـﺪّاً ﻣـﻦ اﻟﺘّﺴـﻠﻴﻢ ﺑﻬـﺎ، وإن ﻛﺎن ﻗـﺪ ﺷـﻨّﻊ ﻋـﲆ

أﺻﺤــﺎب اﻟﻘــﺮاءة اﻟﺠﺪﻟﻴّــﺔ ﰲ ﺑــﺎدئ اﻷﻣــﺮ، وﻻ ﺳــﻴّما ﰲ ﺷــﻜﻠﻬﺎ اﻟﺴّــﻴﺎﳼ اﳌﺒــﺎﴍ )اﻟﻴﺴــﺎري(. ﻓــﺈن أﺗﻴﻨــﺎ

أﺧـيراً إﱃ اﻟﻌﻨـﴫ اﻟﺜﺎﻟـﺚ ﻟﻠﺮّؤﻳـﺔ، اﻟﺘـﻲ ﻫـﻲ ﻣـﻦ أﺻـﻮل اﻟﻘـﺮاءة اﳌﻨﻬﺠﻴّـﺔ ﻟﻠـﱰّاث، وﺟﺪﻧـﺎ ﻣﻮﻗـﻒ اﳌﺆﻟّـﻒ

وﻗــﺪ ﺗﺸــﻜّﻞ وﺗﻨﺎﺿــﺞ ﰲ ﺻﻴﻐــﺔٍ ﻧﻬﺎﺋﻴّــﺔٍ ﻗﺼــﻮى ﻣﺘﺤﻜّﻤــﺔ ﰲ اﳌــﴩوع ﻛﻠــﻪ: ﻓﻮﺣــﺪة اﻹﺷــﻜﺎﻟﻴّﺔ، وﻛﺬﻟــﻚ

اﻟﻮﻇﻴﻔـﺔ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴـﺔ، إنمّـﺎ ﻳﺘﺤﻘّﻘـﺎن ﺗﺤﻘﻘـﺎً نمﻮذﺟﻴّـﺎً ﰲ اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻹﺳـﻼﻣﻴّﺔ وﰲ أﻇﻬـﺮ ﺧﻮاﺻّﻬـﺎ اﻟﺬّاﺗﻴـﺔ

«؛ وﻟﺬﻟـﻚ ﻓـﺈنّ اﻟﻔﺼـﻞ ﺑـين اﳌﻌـﺮﰲ واﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟـﻲ ﻳﻔـﺮض ﻧﻔﺴـﻪ ﰲ ﻫـﺬه

ﻗـﺮاءاتٌ ﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ أﺧـﺮى

– أﻧّﻬـﺎ »

اﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ ﻓﺮﺿـﺎً. وﳌّـﺎ ﻛﺎﻧـﺖ إﺷـﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻔﻼﺳـﻔﺔ اﻹﺳـﻼﻣﻴين واﺣـﺪة، وﻫـﻲ اﻟﺘﻮﻓﻴـﻖ ﺑـين اﻟﻌﻘـﻞ واﻟﻨﻘـﻞ، ﻛﺎن

ﻣﺠـﺎل اﻹﺑـﺪاع »ﻣﺤـﺪوداً ﺟـﺪّاً« أﻣﺎﻣﻬـﻢ ﻣـﻦ أﺟـﻞ أﻧّﻬـﻢ ﰲ اﻷﺻـﻞ ﻗـﺮّاء ﻟﻔﻠﺴـﻔﺔ اﻵﺧﺮﻳـﻦ: »وﺑﻌﺒـﺎرة أﺧـﺮى

ﺿﺪّ اﻟﺘﺄوﻳـﻞ: اﻟﺠﺎﺑـﺮي وﻣﻜـﺮُ اﻟﺘـﺮاث