Next Page  17 / 242 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 17 / 242 Previous Page
Page Background

اﻟﻌﺪد

(12)

16

إنّ رأﻳﻨﺎ، ﻫﻨﺎ، أﻧّﻪ ﻻ ﻳﻜﻔﻲ أن ﻧﺆرّخ ﻟﻠﻤﺼﺤﻒ ﺣﺘﻰ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻘﺮآن. إنّ ﻟﺐّ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺨﻄيرة

ﺟﺪّاً ﻣﻊ اﻟﻘﺮآن ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻠﻮﻟﻮﺟﻴّﺎً؛ وﻧﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧّﻪ ﻗﺪ ﺗﻢّ ﺗﻀﺨﻴﻢ ﻣﺮﻋﺐ وﻏير ﻣﻔﻬﻮم ﰲ دور اﳌﺸﺎﻛﻞ

اﻟﻨﺤﻮﻳﺔ، أو اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ، أو اﻟﻨﺴﺨﻴّﺔ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻛﺘﺎب ﻣﻘﺪّس ﻻ ﺗﺰال اﻟﺠماﻋﺔ

اﳌﺆﻣﻨﺔ ﺑﻪ ﻋﲆ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة. ﻳﺒﺪو أنّ ﻣﻌﻨﻰ اﳌﻘﺪّس ﻣﺸﻜﻞ ﻳﺘﺠﺎوز ﺑﻜﺜير أيّ ﺗﻘﻨﻴﺔ ﻧﺼّﻴﺔ، أو ﺣﺘﻰ

ﴎدﻳﺔ؛ إﻧّﻪ ﻣﺸﻜﻞ ﺳﻴﺎﳼ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.

ﺗﻨﻈﺮ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ إﱃ اﻟﻘﺮآن اﻟﻴﻮم، ﻓﻼ ﺗﺮى ﻏير »ﻧﺺﱟ « ﻣﺘﻨﺎزع ﻋﻠﻴﻪ، ﺳﻮاء ﺑين اﳌﺆﻣﻨين ﺑﻪ داﺧﻞ

اﻟﺠماﻋﺔ اﻟﺘﻔﺴيرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺳّﺴﺖ ﻋﻠﻴﻪ، أم ﺧﺎرﺟﻬﻢ ﰲ أﺻﻘﺎع »اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ« اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮّدت

ﻟﻪ ﰲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐﺮب.

إنّ اﻟﺘﻨﺎزع، ﺳﻮاء ﺣﻮل اﻟﻘﺮآن أم ﺣﻮل اﳌﺼﺤﻒ، ﻟﻴﺲ ﺟﺪﻳﺪاً؛ ﺑﻞ ﻛﺎن ﺟﺰءاً ﻻ ﻳﺘﺠﺰّأ ﻣﻦ ﻃﺮق

اﻻﺳﺘﻌمال اﻟﻌﻤﻮﻣﻲ ﻟﻪ ﻣﻨﺬ اﻟﺠماﻋﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻷوﱃ. ﻛﺎن اﻟﺘﻨﺎزع ﻗﺎئمﺎً ﻟﻴﺲ ﺣﻮل ﻛﻠماﺗﻪ وﻃﺮق

ﺗﻠﻔّﻈﻬﺎ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺣﻮل ﺣﺮﻣﺘﻪ اﻟﺨﻄﺎﺑﻴّﺔ؛ ﻧﻌﻨﻲ: ﺣﻮل ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻨﻪ، وﻣﺎ ﻫﻮ أﺟﻨﺒﻲّ

ﻋﻨﻪ. وﺑﻠﻎ اﻟﻨﺰاع ﺣﺪّ اﻟﻘﺘﻞ؛ ﻟﻘﺪ ﺗﻢّ اﻟﻘﺘﻞ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻨﺰاع اﻟﺘﺄوﻳﲇ بمﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ.

ﻟﺬﻟﻚ، إنّ ﻣﺎ ﻃﺮأ ﻣﻊ اﳌﺤﺪﺛين اﻟﻐﺮﺑﻴين، ﺳﻮاء ﻣﻊ ﻟﺤﻈﺔ أﺑﺮاﻫﺎم ﻏﺎﻳﻐﺮ وﺗﻴﻮدور ﻧﻮﻟﺪﻛﻪ، أم

ﻣﻊ ﻟﺤﻈﺔ اﳌﺮاﺟﻌﻴين ﻣﻦ أﻣﺜﺎل: ﺟﻮن واﻧﺴﱪو، وﻣﺎﻳﻜﻞ ﻛﻮك، وﺑﺎﺗﺮﻳﺸﻴﺎ ﻛﺮون، أم أﺧيراً ﻣﻊ

ﻟﺤﻈﺔ أﻧﺠﻠﻴﻜﺎ ﻧﻮﻳﻔيرت، ﻫﻮ ﻓﺤﺴﺐ اﻧﺘﻘﺎل اﻟﻨﺰاع ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ أﻫﻠﻴﺔ إﱃ ﺛﻘﺎﻓﺔ أﺟﻨﺒﻴﺔ. ﻋﻠﻴﻨﺎ أن

ﻧﺘﺤﺪّث ﻋﻦ ﻫﺠﺮة ﺗﺄوﻳﻠﻴﺔ ﻟﻠﻘﺮآن بمﺎ ﻫﻮ ﻛﺘﺎب ﻣﻘﺪّس، وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻣﺠﺮّد »ﻧﺺﱟ « ﺧﺎصﱟ ﺑﺠماﻋﺔ

ﻣﻌﺰوﻟﺔ. ﻛﺎن اﻟﻨﺰاع ﺣﻮل اﳌﻘﺪس ﻧﺰاﻋﺎً ﻛﻮﻧﻴّﺎً ﺣﺪث، ﰲ ﻛﻞّ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﺑين ﻧﻮﻋين ﻣﻦ

ﺗﺪﺑير اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، وﻣﻦ ﺛَﻢﱠ ﻣﻦ ﺗﺪﺑير اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻋﺎﻣﺔً. وﺑﻬﺬا اﳌﻌﻨﻰ، ثمّﺔ ﻣﻊ اﻟﻘﺮآن ﺗﻜﺮار ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ،

ﺗﻜﺮار ﻟﻠﻨﺰاع اﻟﺘﺄوﻳﲇ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﻮل اﳌﻘﺪّس ﰲ أيّ ﺛﻘﺎﻓﺔ. وﻟﺬﻟﻚ، ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺰﻋﺞ ﰲ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ

اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻫﻮ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺆرّخ ﻟﻨﺰاع ﺗﺄوﻳﲇ ﻻ »ﻳﻌﻨﻴﻬﺎ« بمﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ. ﻫﻲ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻔﺼﻞ ﺑين

ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﺺ وﺑين ﺗﺄوﻳﻞ ﻣﻌﻨﺎه ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﳌﺆﻣﻨين ﺑﻪ. وإذا ﻫﻲ ﺗﻐيرّ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻨﺰاع ﺣﻮل

اﻟﻘﺮآن؛ ﻟﻘﺪ ﺗﺤﻮّل ﻣﻦ ﻧﺰاع ﺗﺄوﻳﲇ إﱃ ﻧﺰاع ﺗﻔﻜﻴكي. ﻛﺎن اﻟﻘﺼﺪ ﺗﺠﺮﻳﺪ اﻟﻨﺺ ﻣﻦ إرادة اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ

اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺳّﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ. وﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻜﺘﺐ ﻟﻔﻈﺔ »اﻟﻨﺺّ« ﺑين ﻇﻔﺮﻳﻦ؛ إذ إنّ اﻟﻌﺮب لم ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻣﻔﻬﻮﻣﻨﺎ

اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ »اﻟﻨﺺ«.

ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺬﻛّﺮ ﺑﺄنّ ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻟﻨﺺ« ﰲ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻻ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﳾء ﰲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ.

ﻳﻘﻮل اﻟﺠﺮﺟﺎني ﰲ )اﻟﺘﻌﺮﻳﻔﺎت(: »ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ إﻻ ﻣﻌﻨﻰ واﺣﺪاً، وﻗﻴﻞ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ اﻟﺘﺄوﻳﻞ«. ﻳُﻘﺎل

اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻘﺮآن