اﻟﻌﺪد
(12)
22
ﺑﻮﺟﻪ ﻣﺎ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻼﻋﱰاض ﻋﲆ أﻃﺮوﺣﺔ واﻧﺴﱪو؛ ﻓﻌﻼً، إنّ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﰲ اﻟﻘﺮون اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷوﱃ ﻫﻮ
اﻟﺬي ﻛﺮّس اﻟﻘﺮآن ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻨﺎ. وﻻﺑﺪّ ﻣﻦ أنّ ﻣﺼﺤﻒ ﻋﺜمان لم ﻳﻜﻦ ﻣﻨﺬ أوّل أﻣﺮه يمﺘﻠﻚ
اﻟﺴﻠﻄﺔ اﳌﻄﻠﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﰲ وﻗﺖ ﻻﺣﻖ؛ ﻓﻬﻮ ﻛﺎن ﻣﺤﻞّ ﺟﺪال وﻧﻘﺪ، وﺳﺒﺒﺎً أﻳﻀﺎً ﻟﻘﺘﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ
ﻧﻔﺴﻪ. وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أدﺑﻴﺔ، ﻳﺒﺪو ﻋﻤﻞ واﻧﺴﱪو نمﻮذﺟﻴّﺎً؛ إﻧّﻪ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﱃ ﺟﻴﻞ اﳌﺆرﺧين اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺼﺪﻫﻢ
(. ﻗﺎل واﻧﺴﱪو: »اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻌﺮ، ﻫﻮ
fiction)
ﻓﻮﻛﻮ: أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ يمﺎرﺳﻮن اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻮﺻﻔﻪ رواﻳﺔ
.
50
(، وﻫﻮ ﻳﻨﺘﺞ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﴬورﻳﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺤﺘﻮي ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻟﻌﺮﺿﻴﺔ«
mimetic)
ﻣﻴﻤﻴﺎئي
إنّ اﻟﻘﺮآن ﻳﺸير إﱃ ﻣﺪوّﻧﺔ »ﻣﻘﺪّﺳﺔ« ﺗﻨﻄﻮي ﻋﲆ أﻧﺤﺎء ﺷﺘّﻰ ﻣﻦ »اﻟﺘﺤﺪّي« ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻛﻠّﻬﺎ ﻣﻦ
ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻦ اﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ لم ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻹﻏﺮﻳﻖ: ﻣﺴﺘﻮى »اﻟﺘﻌﺎﱄ« اﻹﻟﻬﻲ.
اﻵن ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺴﺄل: إﱃ أيّ ﻣﺪى يمﻜﻦ ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ أن ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻋﲆ ﺑﻠﻮرة ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻊ
ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻘﺮآن؟ »ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ«؛ أي ﻣﻔﻴﺪة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺠﻴﻞ اﳌﺴﻠﻢ اﻷﺧير، اﻟﺬي ﻧﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ راﻫﻨﺎً ﺑﻮﺻﻔﻪ
واﻗﻌﺔً روﺣﻴﺔ ﻻ يمﻜﻦ ﺗﻐﻴيرﻫﺎ إﻻ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ. إنّ ﻛﻞّ ﺟﻬﻮد ﺑﺎﺣﺚ ﻛﺒير ﻣﺜﻞ واﻧﺴﱪو ﻻ ﺗﻬﺪف، ﰲ آﺧﺮ
its) «
(، أو وﻫﻲ ﺗﻔﴪّ ﻃﺮﻳﻘﺔ »ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ
the document) «
اﳌﻄﺎف، وﻫﻲ ﺗﺼﻒ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ »اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ
(، ﺳﻮى إﱃ ﺑﻠﻮرة ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻜﺜّﻔﺔ ﻣﻦ اﻹﺷﺎرات اﻟﺘﺨﻤﻴﻨﻴﺔ، ﻟﺨﻠﻖ ﺟﻮّ ﻧﺸﻌﺮ ﻓﻴﻪ ﺑﺄنّ ﻧﺺّ
composition
(، ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻌﺪّﻟﺔ ﻣﻴﻤﻴﺎﺋﻴّﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب اﳌﻘﺪّس
adaptation /
51
Nachdichtung)
اﻟﻘﺮآن ﻣﺠﺮّد
اﻟﻴﻬﻮدي. وﻣﻦ ﺛَﻢّ، ﻫﻮ ﻻ ﻳﻬﺘﻢّ بمﻌﻨﻰ »اﻟﻮﺣﻲ« بمﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ؛ ﺑﻞ بمﺎ ﻳﺴﻤّﻴﻪ »ﺧﻄﺎﻃﺎت اﻟﻮﺣﻲ«
، اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ ﰲ وﺟﻪ اﻟﻘﺮآن، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ »اﻷنمﺎط اﳌﺜﺎﻟﻴﺔ« )بمﻌﻨﻰ
52
(schemata of revelation)
ﻓﻴﱪ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ(، اﻟﺘﻲ تمﺎرس ﻫﻴﻤﻨﺔ اﺻﻄﻼﺣﻴﺔ وﺗﺄوﻳﻠﻴﺔ ﺻﺎﻣﺘﺔ ﻋﲆ ﻟﻐﺔ اﻟﻘﺮآن. وﻣﻦ ﺛَﻢﱠ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ
ﻟﻮﺣﻲ اﻟﻘﺮآن إﻻ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻄﺎﺑﻖ، أو ﻳﻨﺤﴪ، دون نمﻮذج اﻟﻮﺣﻲ اﻷول واﻷﺻﲇ؛ أي: »وﺣﻲ ﻣﻮﳻ«
. وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ، ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺒﺤﺜﻲ ﻣﺨﻴّﺐ ﻟﻶﻣﺎل.
53
(Mosaic revelation)
إنّ اﳌﺸﻜﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ اﻟﺬي ﻳﺜيره اﻟﻘﺮآن، ﻛما أﺛﺎرﺗﻪ اﻟﻜﺘﺐ اﳌﻘﺪﺳﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ، ﻫﻮ ﻣﺸﻜﻞ اﻟﺘﻌﺎﱄ. وﻫﻮ،
ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ، ﻣﺎ ﺗﺸير إﻟﻴﻪ دﻳﺎﻧﺎت اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺑﻠﻔﻈﺔ اﻟﻮﺣﻲ. وﻧﻮاة اﻟﺘﺤﺪّي ﻫﻲ ﻫﺬه: ﻻ ﻳﺰال اﻟﺘﻌﺎﱄ ﻟﺪﻳﻨﺎ »إﻟﻬﻴّﺎً«
ﺑﺎﻟﴬورة. اﻟﺘﻌﺎﱄ لم ﻳﺼﺒﺢ أﻓﻘﻴّﺎً ﺑﻌﺪُ. وذﻟﻚ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛير ﻧﻮع ﻣﺤﺪّد تمﺎﻣﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﺄرﻳﺦ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ، ﻻ ﻳﺄﺧﺬ ﰲ
اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻛﻞّ ﺗﻠﻚ اﳌﻨﺎﻃﻖ اﳌﺴﻜﻮت ﻋﻨﻬﺎ، واﻟﺘﻲ ﺟﺎءت اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ ﻟﺘﻨﻔﺾ اﻟﻐﺒﺎر ﻋﻨﻬﺎ، وﺗﻀﻌﻨﺎ أﻣﺎم
50 - xxiii
51 - ibid, p. xxiii
52 - ibid, p. 1.
53 - ibid, p. 34-35.
اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻘﺮآن