اﻟﻌﺪد
(12)
23
إزﻋﺎج ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ ﻻ ﻳُﺤﺘﻤﻞ. واﳌﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﻤّﻨﺎ، ﻫﻨﺎ، ﻫﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻘﺮآن ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺟﻬﺎز اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ
واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻷﻛﱪ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﰲ أﻓﻖ اﳌﺴﻠﻤين اﻟﺤﺎﻟﻴين، ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﻮا ﻣﺆﻣﻨين أم ﻏير ﻣﺆﻣﻨين.
ﻣﺎ ﻧﻮع اﻟﺘﻌﺎﱄ اﻟﺬي ﻳﺘﻤﺘّﻊ ﺑﻪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻴﻮم؟ وﻫﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ
اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ كي ﻧﻌﺎﻟﺞ ﻫﺬا اﳌﺸﻜﻞ؟
إنّ أﻗﺮب ﻣﺴﺎءﻟﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﳌﻌﻨﻰ اﻟﺘﻌﺎﱄ، ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮآن، ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻃﻮّرﻫﺎ
ﻟﻴﻔﻴﻨﺎس ﺑﺎﺗّﺠﺎه ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺟﻬﻮد اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﳌﺴﻴﺤﻴين )ﻣﻦ ﻛيرﻛﻐﻮر إﱃ ﺳﺎرﺗﺮ( ﻧﺤﻮ أﻧﺴﻨﺔ اﻟﺘﻌﺎﱄ.
ﻣﺎ أراده ﻟﻴﻔﻴﻨﺎس ﻫﻮ ﺑﻠﻮرة ﺳﻴﺎق ﻣﻮﺟﺐ ﻟﻀﺒﻂ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻠﺘﻌﺎﱄ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻟﻨﺎ ﻋﲆ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ
ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ، أو ﻣﻊ اﳌﻘﺪّس، دون أن ﻧﺆﻧﺴﻨﻪ.
ﻻ ﻳﺠﺪر ﺑﻨﺎ اﻟﻄﻤﻊ ﰲ ﺑﻨﺎء وﺣﺪة أو ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ ﻣﻊ اﻟﻠﻪ؛ ﺑﻞ ﰲ وﺟﻪٍ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻌﻪ ﻓﺤﺴﺐ.
ﻳﻘﻮل: »ﺑﺪﻻً ﻣﻦ أن ﻧﺒﻨﻲ ﻣﻌﻪ، ﻛما ﻣﻊ ﻣﻮﺿﻮع ﻣﺎ، ﺟﻤﻠﺔً ﻣﺎ، ﻓﺈنّ اﻟﻔﻜﺮ ﻳﻌﻨﻲ أن ﻧﺘﻜﻠّﻢ. ﻧﺤﻦ ﻧﻘﱰح
. اﻟﻠﻪ ﻫﻮ
54
أن ﻧﺴﻤّﻲ دﻳﻨﺎً اﻟﺮاﺑﻂ اﻟﺬي ﻳﺘﻢّ إرﺳﺎؤه ﺑين اﻟﻬﻮﻫﻮ واﻟﻐير، ﻣﻦ دون ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻛﻠّﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬما«
اﻵﺧﺮ اﻟﺬي ﻻ يمﻜﻦ أن ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﻟﻌﻘﲇ، ﻓﻬﻮ ﻓﺤﺴﺐ ﻣﺎ يمﻜﻦ أن أﺗﻜﻠّﻢ ﻋﻠﻴﻪ. ﺑﻬﺬا اﳌﻌﻨﻰ
ﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻊ اﻟﺘﻌﺎﱄ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪي ﻫﻮ ﻣﺎ ﺳماّه دﻳﻜﺎرت »ﻓﻜﺮة اﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻲ«؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ
. واﻟﺤﻘﻞ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻤﻞ
55
أن ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ »ﻏﺮاﺑﺔ اﻵﺧﺮ«، أو ﻋﲆ »ﻏير ﻗﺎﺑﻠﻴّﺘﻪ ﻷن ﻳﻜﻮن أﻧﺎ«
ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ آﺧﺮَ، ﻻ يمﻜﻨﻨﻲ أﺑﺪاً أن أﺧﺘﺰﻟﻪ ﰲ ﻣﺎﻫﻴّﺘﻲ، ﻫﻮ »اﻹﺗﻴﻘﺎ«. ﻗﺎل: »ﻧﺴﻤّﻲ
. ﻋﻠﻴﻨﺎ أن نمﺮّ ﻣﻦ اﻟﻄﻤﻊ ﰲ ﺑﻨﺎء »ﻣﻔﻬﻮم« ﻋﻦ
56
ﻫﺬه اﳌﺴﺎءﻟﺔ ﻟﻌﻔﻮﻳّﺘﻲ أﻣﺎم ﺣﻀﻮر اﻵﺧﺮ إﺗﻴﻘﺎ«
اﻟﻠﻪ إﱃ اﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﺒﻠﻮرة »أﻓﻖ« ﻓﺤﺴﺐ ﻋﻦ ﺗﻌﺎﻟﻴﻪ. وﻫﻮ أﻓﻖ إﺗﻴﻘﻲ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﻷﻧّﻪ ﻣﻤﻨﻮع ﺳﻠﻔﺎً ﻣﻦ
أيّ اﺗﺼﺎل »وﺟﺪي« ﺑﻪ، وﻫﻮ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ رﻓﺾ ﺳﻘﺮاط ﻟﻼﻧﺘﺤﺎر ﻃﺮﻳﻘﺎً إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ إﻟﻬﻲّ.
ﻣﺎ ﻳﺠﺪر ﺑﻨﺎ ﺑﻠﻮرﺗﻪ، ﺑﺤﺴﺐ ﻟﻴﻔﻴﻨﺎس، اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺑﺘﻠﻚ »اﳌﺴﺎﻓﺔ ﺑين اﻷﻧﺎ واﻟﻠﻪ«، اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪو
أنّ اﻷدﻳﺎن ﺗﻔﺸﻞ ﰲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻬﺎ، وﺗﻨﺰﻟﻖ ﰲ ﺗﻌﺎلٍ ﻻﻫﻮتيّ ﻣﺮﻋﺐ. ﻓﻀﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﲆ اﻟﺪﻳﻦ أﻧّﻬﺎ
ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ اﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻲ ﺑين اﻷﻧﺎ اﻟﺒﴩي واﻵﺧﺮ اﻹﻟﻬﻲ. ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﲆ اﳌﺴﺎﻓﺔ
اﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ وﻫﻲ ﺗﻔﻜّﺮ ﻓﻴﻬﺎ؛ أي ﺗﻔﻜّﺮ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع اﻟﻐﺮﻳﺐ واﻟﻄﺮﻳﻒ ﻣﻦ اﻟﻔﺠﻮة ﺑين ﻣﺎ ﻧﻔﻜّﺮ ﻓﻴﻪ
)أي اﻟﻠﻪ(، وﺑين اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻋﻨﻪ. ﻣﺎ ﻫﻮ اﺳﺘﺜﻨﺎئي ﰲ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻠﻪ ﻫﻮ أﻧّﻪ ﻻﻣﺘﻨﺎهٍ؛ أي أنّ »اﳌﻔﻜّﺮ
54 - E. Levinas, Totalité et Infini, Librairie Générale Française. Coll. Le livre de poche, édition 13, Paris, 2010, p. 30.
55 - ibid, p. 33.
56 - ibid.
ﻓﺘﺤﻲ اﳌﺴﻜﻴﻨﻲ