اﻟﻌﺪد
(12)
176
لم ﻳﻘﺒﻞ أيّ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘين ﻣﻦ اﻟﺨﻮارج اﻟﺨﻼﻓﺔ، لم ﺗﻘﺒﻠﻬﺎ اﻟﻨﺠﺪات؛ ﻷﻧّﻬﺎ رأت ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺪﻋﺔ ﻻ ﺗﻨﺎﺳﺐ
روح اﻹﺳﻼم، ورﻓﻀﺘﻬﺎ اﻹﺑﺎﺿﻴﺔ؛ ﻷﻧّﻬﺎ ﻫﺎﺟﺮت ﻣﻦ ﻋُمان، ﺣﻴﺚ لم ﻳﻜﻦ ﻟﻸﻣﻮﻳّين وﻻ ﻟﻠﻌﺒﺎﺳﻴّين ﺳﻠﻄﺔ
، ﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﳌﺆﻛّﺪ أنّ اﻟﻨﻈّﺎم ﻗﺪ ﻳﻜﻮن
65ّ
ﻛﺒيرة. وﺑﻌﺪ ﻣﺪّة، ﻏﺎدروا اﻟﺒﴫة، ﻣﺮّة أﺧﺮى، إﱃ ﺑﻠﺪﻫﻢ اﻷم
ﺳﻤﻊ ﺑﻬﻢ ﰲ وﻗﺘﻪ، وربمّﺎ ﻛﺎن ﻣﺨﱪه ﻫﻮ زﻣﻴﻠﻪ اﻷﻛﱪ اﻷﺻﻢّ، اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ اﻟﻮﺳﻂ اﻹﺑﺎﴈّ ﻋﲆ
، واﻟﺬي ﻳﺒﻘﻰ، ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻣﺼﺎدرﻧﺎ اﻟﻼﺣﻘﺔ )اﳌﺎوردي ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﳌﺜﺎل(، اﳌﻌﺘﺰﱄّ اﻟﻮﺣﻴﺪ
66
ﻣﺎ ﻳﺒﺪو
اﻟﺬي ﻓﻀّﻞ، إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻮارج، اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﻨّﺎ ﻧﺘﺤﺪّث ﻋﻨﻬﺎ.
، أنّ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺮﺗﻜﺰ
67
ﻏير أنّ اﻷﺻﻢّ، ﻣﺜﻞ اﻟﻨﻈّﺎم، ﻣﻔﻜّﺮ ﻣﻌﻘّﺪ ﺟﺪّاً؛ ﻟﻘﺪ اﻓﱰض، ﻛما رأﻳﻨﺎ
ﻋﲆ إﺟماع اﻷﻣّﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ، وﻷﻧّﻪ لم ﻳﻜﻦ ﻗﺪ آﻣﻦ ﺑﻔﻜﺮة اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ اﻷرﺑﻌﺔ ﺑﻌﺪُ، ﻛﺎن ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻨﻔﺴﻪ
. ﻟﻜﻦ اﻟﺒﺪﻳﻞ اﻟﺬي ﻛﺎن
68
ﺑﺎﻹﺣﺎﻟﺔ ﻋﲆ ﻋﲇّ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺜﺎﻻً ﺳﻠﺒﻴّﺎً: »لم ﻳﺘﺤﻘّﻖ ﻫﺬا اﻹﺟماع ﺣﻮل ﻋﲇّ ﻗﻂّ«
.
69ً
ﻳﻔﻜّﺮ ﻓﻴﻪ لم ﻳﻜﻦ ﻫﻮ اﻷﻣّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﺑﻞ ﺗﺼﻮّر إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﺤﻜﻢ أﻳﻀﺎ
ﻫـ(، ﻛﺎﻧﺖ
186)
وﰲ ﻓﱰة ﺣﻴﺎة اﻷﺻﻢّ، ﻗﺮّر ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ ﺗﻘﺴﻴﻢ »دار اﻹﺳﻼم«؛ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﰲ ﻋﺎم
ﺧﺮاﺳﺎن ﻗﺪ ﻣﺰّﻗﺘﻬﺎ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات. إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳّﺔ تمﺘﺪّ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺷﺎﺳﻌﺔ ﺟﺪاً، ﺑﺤﺴﺐ
اﻷﺻﻢّ، ﻓﺈنّ اﻟﺴﻜﺎن ﻳﺸﻌﺮون ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة أﻛثر ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻟﻜﻞّ إﻗﻠﻴﻢ ﺣﻜَﻢ ﺧﺎصّ ﺑﻪ ﻳﺤﻞّ ﺧﻼﻓﺎﺗﻬﻢ،
. وﻧﺤﻦ ﻧﺴﻤّﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﻬﻮﻳّﺔ. ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ، ﺳﻴﻜﻮن
70
وﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻪ بمﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻗﺒﻮل ﺣﻜﻤﻪ
اﻷﻣﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻜﻤﻮن دار اﻹﺳﻼم ﻣﻌﺎً ﰲ ﻣﻨﺰﻟﺔ واﺣﺪة، واﻟﴩط اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻫﻮ أن ﻳﺘﻌﺎوﻧﻮا ﰲ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ
واﻟﺘﻘﻮى. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺻﺎغ اﻷﺻﻢّ ﻫﺬا اﳌﺬﻫﺐ، لم ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺨﻴّﻞ، ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺎ، أﻧّﻪ يمﻜﻦ أن ﻳﻨﺸﺄ اﻟﺤﺴﺪ واﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ
ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ذﻟﻚ؛ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺨﺮط اﻷﻣين واﳌﺄﻣﻮن ﰲ ﺣﺮب ﺑﻴﻨﻬما، ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ ﺣﺘﻔﻪ. أﻣّﺎ اﻟﻨﻈّﺎم، ﻣﻦ
ﺟﻬﺘﻪ، ﻓﻘﺪ ﻋﺎش ﺟﻴﻼً ﺑﻌﺪ اﻷﺻﻢّ؛ ﻟﻘﺪ ﻋﺮف ﺷﻜﻞ اﻟﻔﻮﴇ.
ﻫـ. ﺗﺪﻫﻮر »دار اﻹﺳﻼم«
، ﻏير أﻧّﻪ لم ﻳﱰك
71
ﻋﺎﻣﻞ اﳌﺄﻣﻮن اﻟﻌﻠماء ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴّﺪ؛ دﻋﺎﻫﻢ إﱃ ﺑﻼﻃﻪ، وﻛﺎن ﻳﺤﺐّ ﻣﻨﺎﻗﺸﺘﻬﻢ
أيّ ﺷﻚّ ﰲ أﻧّﻪ ﻫﻮ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ، وﻻ ﺳﻴّما ﰲ ﻋﻤﻠﻪ اﻷﺧير ﰲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ؛ أي اﳌﺤﻨﺔ. ﻣﻦ
واﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ.
201
- اﳌﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ، ص
65
.396
- اﳌﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ، ص
66
.
«
ﺣﺪود اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﱰﺷﻴﺢ
»
- اﻧﻈﺮ أﻋﻼه،
67
واﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ.
159
، ص
2 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
68
- اﻧﻈﺮ أﻳﻀﺎً:
69
P. Crone, Past and Present, 167 (2000), pp. 13 f. and 18.
واﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ.
409
، ص
2 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
70
واﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ.
199
، ص
3 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
71
اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ ﰲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﳌﺒﻜّﺮ