اﻟﻌﺪد
(12)
180
ﺑﻌﺪ ﻧﻀﺎلٍ ﻣﺴﺘﻤﻴﺖٍ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻷﻣﻮﻳين ﻹﻗﺼﺎء ﻋﲇﱟ ﻋﻦ اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ. وﰲ ﺣين اﺳﺘﻄﺎع اﻷﻣﻮﻳﻮن
اﻻﺳﺘﻨﺎدَ ﰲ ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﻢ ﻋﲆ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺠماﻋﺔ ووﺣﺪة اﻟﺪار؛ ﻓﺈﻧّﻬﻢ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﺿﻢﱠ أﻧﻔﺴﻬﻢ إﱃ
اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ أو ﻣﺜﺎﻟﻬﻢ؛ ﻷﻧّﻬﻢ ﻣﺎ ﺣﻘّﻘﻮا ﴍط اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻹﺿﺎﰲ )اﳌﺘﻌﻠﻖ ﺑﴩﻋﻴّﺔ اﳌﺼﺎﻟﺢ، وﻟﻴﺲ
ﺑﺎﻟﴩﻋﻴﺔ اﻟﺘﺄﺳﻴﺴﻴﺔ اﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﺜﻼث(. وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻣﻊ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴين اﻟﺬﻳﻦ أرادوا إﺿﺎﻓﺔ
ﴍط اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﴍﻋﻴﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ، ﻓما اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا، وﺑﻘﻴﺖ اﻟﻘﺮﺷﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ )وﻫﻲ ﻣﻦ ﴍﻋﻴﺔ
اﳌﺼﺎﻟﺢ أﻳﻀﺎً( إﱃ أن ﺗﺼﺪﻋﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي ﺑﻈﻬﻮر ﺳﻠﻄﺎتٍ ﻋﺎﻣﺔٍ أُﺧﺮى.
إنّ اﻟﺪاﻓﻊ وراء آراء اﳌﺘﻜﻠﻤين اﻟﻄﺮﻳﻔﺔ ﰲ اﻟﺴﻠﻄﺔ، وﺟﻮداً وﻋﺪﻣﺎً، ﺳﺒﺒُﻪ »اﳌـُﻠْﻚُ اﻟﻌَﻀﻮض«
ﺑﺘﻌﺒير اﳌﺤﺪﱢ ﺛين. ﻓﻘﺪ ﻋﻠﱠﻞ ﺑﻌﺾٌ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻘﺮفَ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻋﺎﻣﺔً ﺑﺄنّ اﳌـُﻠْﻚَ اﻟﻌَﻀﻮض ﻳﺸﻜّﻚ ﰲ
اﻟﴩﻋﻴﺔ، وأﻧﻪ ﻛما ﻗﺎل أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻷﺻﻢّ: »إذا ﺗﻜﺎفّ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ اﻟﺘﻈﺎﻟُﻢ اﺳﺘﻐﻨَﻮا ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎن«! وﻓﻴما
ﻋﺪا ذﻟﻚ؛ إنّ ﻣﺒﺤﺚ »وﺟﻮب اﻟﺴﻠﻄﺔ« أو اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻣﺘﺄﺧﱢﺮ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ، وﻇﻬﺮ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛير اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ.
ﻫـ( إنّ ﴐورة اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻫﻲ ﻣﺒﺪأٌ ﻋﻘﲇ وﴍﻋﻲ؛ إذ لم ﻳﺨْﻞُ ﻣﺠﺘﻤﻊٌ
450)
وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮل اﳌﺎوردي
ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ، ﻛما أنّ اﳌﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﺣﺎﴐةً دائمﺎً ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ اﻟﺮﺳﻮل )ص(؛ ﺑﻞ
ﻫـ( اﳌﻌﺎﴏ ﻟﻠماوردي وﺧﺼﻤﻪ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ أنّ ﻣﺴﺘﻨﺪ ﴍﻋﻴﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻫﻮ إﺟماع
478)
إنّ اﻟﺠﻮﻳﻨﻲ
اﳌﺴﻠﻤين ﻋﲆ ذﻟﻚ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﴫ اﻷول، وﻟﻴﺲ أيّ أﻣﺮٍ آﺧَﺮ. وﻣﻦ ﻫﻨﺎ، إنّ اﻷﺳﺘﺎذ ﻓﺎن إﻳﺲ ﻣُﺤﻖﱞ ﰲ
ﻫـ( وﻏيره، واﻟﺬﻳﻦ ذﻫﺒﻮا إﱃ أنّ اﳌﺴﻠﻤين اﺧﺘﻠﻔﻮا ﻋﲆ اﻹﻣﺎﻣﺔ )اﻟﺴﻠﻄﺔ( ﻛما
324)
أنّ اﻷﺷﻌﺮيﱠ
لم ﻳﺨﺘﻠﻔﻮا ﻋﲆ أيّ أﻣﺮٍ آﺧﺮ، ﻳﻈﻞﱡ اﺧﺘﻼﻓﻬﻢ اﺟﺘﻬﺎدﻳﺎً وﻻ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺗﻜﻔيراً، وﻟﻴﺲ ﻷنﱠ ﻛﻞ ﻣﺠﺘﻬﺪ
ﻣُﺼﻴﺐ؛ ﺑﻞ ﻷنّ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻟﻴﺴﺖ أﻣﺮاً ﺗﻌﺒﺪﻳﺎً أو أﺻﻼً ﻣﻦ أﺻﻮل اﻟﺪﻳﻦ؛ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺼﻠﺤﻴﺔٌ وﺗﺪﺑيرﻳﺔ.
وﺗﺒﻘﻰ ﻣﺴﺄﻟﺘﺎن ﰲ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻓﺎن إﻳﺲ، إﺣﺪاﻫما ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻷُﺧﺮى ﻓﻘﻬﻴﺔ. أﻣﺎ اﳌﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ
ﻓﺘﺘﻤﺜﻞ ﰲ رؤﻳﺔ اﻷﺧﺒﺎري ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻷﺣﺪاث اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻷُوﱃ، وأﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺎت ﺑين أُﻧﺎسٍ
»دﻋﻮﺗﻬﻢ واﺣﺪة«، واﺧﺘﻼﻓﺎﺗﻬﻢ اﺟﺘﻬﺎدﻳﺔ، وإنمّﺎ ﺣﺪﺛﺖ اﻷﺣﺪاث اﻟﻌﻈﺎم ﺑﺪﺳﺎﺋﺲ ﺧﺎرﺟﻴﺔ.
اﳌﺴﺘﴩﻗﻮن ﺣﻤﻠﻮا ﻋﲆ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺣﻤﻼت ﻫﺎﺋﻠﺔ، واﺗﻬﻤﻮه ﺑﺎﻟﻜﺬب واﻟﺘﺰوﻳﺮ. أﻣﺎ ﻫﻮ ﰲ
اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻓما ﻛﺎن ﻳﺄﺑﻪ ﻟﻠﺠﺰﺋﻴﺎت؛ ﺑﻞ ﻟﻠﻤﺪى اﻟﺸﺎﻣﻞ: اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺆﻣﻨﻮن ﻣﺨﻠﺼﻮن، وﻛﻠّﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪ
ﺻﻮن وﺣﺪة اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﺪار واﻟﺠماﻋﺔ. ﻫﻞ ﻫﻮ ﺗﻔﺴير رﻏﺎﺋﺒﻲ؟ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن، ﻟﻜﻦّ ﺳﻴﻔﺎً اﻟﺬي ﻛﺎن
ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻠين وﻧﻴّﻒ ﻋﲆ اﻷﺣﺪاث، ﻛﺎن ﻳﺮى أنّ اﻟﻮﺣﺪات اﻧﺨﻔﻀﺖ، ﻓﻼ داﻋﻲَ ﻟﻠﺤﻔﺮ ﰲ
اﻟﺠﺮح وﺗﺠﺪﻳﺪه، ﺑﻴﻨما ﻳﺮى ﻓﺎن إﻳﺲ وﻣﺎدﻟﻮﻧﻎ وﻻﻧﺪاو-ﺗﺎﺳيرون، وﻗﺒﻠﻬﻢ ﻓﻠﻬﺎوزن، أنّ ﻣﻬﻤﺔ
اﳌﺆرخ ﺧﱪﻳﺔ، أو ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن ﻛﺬﻟﻚ، وﻟﻴﺴﺖ إرﺷﺎدﻳﺔ.
وﻟﻨﺬﻫﺐ إﱃ اﳌﺴﺄﻟﺔ اﻷُﺧﺮى اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ؛ وﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﴍﻋﻴﺔ اﻟﺘﻤﺮّد أو اﻟﺜﻮرة. ﻟﻘﺪ ﻧﺎﺿﻞ اﻟﻔﻘﻬﺎء
اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ ﰲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﳌﺒﻜّﺮ