اﻟﻌﺪد
(12)
179
اﻟﺒﻮﺳﻜﻼوي. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻗﻮم بمﺮاﺟﻌﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻷﺻﻞ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي، وﻋﲆ ﻛﺘﺎب اﻷﺳﺘﺎذ ﻓﺎن إﻳﺲ
( ﺧﻄﺮت ﱄ ﺑﻌﺾ اﳌﻼﺣﻈﺎت، وأردتُ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻓﻴما ﻳﺄتي:
Theologie und Gesellschaft)
ﻗﺮّر اﻷﺳﺘﺎذ ﻓﺎن إﻳﺲ أنّ »أﻛثر اﻟﺮواة واﻗﻌﻴﺔً ﻻ ﻳﻔﻠﺢ ﰲ ﻣﻬﻤّﺘﻪ ﻣﻦ دون اﻓﱰاﺿﺎت ﻣﺴﺒﻘﺔ
ﺑﺪﻳﻬﻴﺔ«. وﻫﺬا ﺻﺤﻴﺢ تمﺎﻣﺎً، ﻟﻜﻦّ اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﻜﺎﺗﺐ أﻋﺮض ﻋﻦ ذﻟﻚ ﰲ ﻣﻘﺎﻟﺘﻪ، أو ﰲ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ، وراح
ﻳﻌﺮض اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ اﻹﺳﻼم اﻷوﱠ ل ﻣﻦ ﺧﻼل آراء اﳌﺘﻜﻠﻤين ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎني ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎني
اﻟﻬﺠﺮي وﻣﺎ ﺑﻌﺪ! وﺣﺠّﺘﻪ ﰲ ذﻟﻚ أنّ اﺳﺘﻴﻌﺎب اﻷﺣﺪاث اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ ﰲ ﺻﺪر اﻹﺳﻼم اﺣﺘﺎج إﱃ ﺟﻴﻠين
أو ﺛﻼﺛﺔ ﻟﻠﻤﺮاﺟﻌﺔ واﻟﺘﺄﻣﻞ.
واﻟﺬي أراه أنّ »اﻻﻓﱰاﺿﺎت اﳌﺴﺒﻘﺔ« واﻹﻃﺎر اﻟﻌﺎم ﻛﻼﻫما ﺻﺎر ﺣﺎﴐاً ﻣﻨﺬ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎني ﻣﻦ
اﻟﻘﺮن اﻷول اﻟﻬﺠﺮي. ﻓﺎﻟﺘﻐﻴير اﻟﻌﺎﺻﻒ ﻣﺎ أﺣﺪﺛﺘﻪ اﻟﺜﻮرة اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ؛ ﺑﻞ أﺣﺪﺛﻪ وﺻﻮل ﻣﻌﺎوﻳﺔ إﱃ
ﻫـ(. ﻛﺎن ﻫﻨﺎك اﻓﱰاﺿﺎن ﻣﺴﺒﻘﺎن، إذا ﺻﺢﱠ
59)
ﻫـ(، ﺛﻢّ اﺳﺘﺨﻼف ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﻻﺑﻨﻪ ﻳﺰﻳﺪ
40)
اﻟﺴﻠﻄﺔ
اﻟﻌﺒير، وﻗﺪ ﻇﻬﺮا ﰲ اﺧﺘﻴﺎر أبي ﺑﻜﺮ ﰲ اﻟﺴﻘﻴﻔﺔ وﺣﺮوب اﻟﺮدة، ﺛﻢّ ﰲ وﺛﻴﻘﺔ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﺑﻌﺪ ﺗﻮﻗّﻒ
اﻟﻘﺘﺎل ﰲ ﺣﺮب ﺻﻔّين. اﻻﻓﱰاض اﻷول: وﺣﺪة اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﺪار، واﻻﻓﱰاض اﻟﺜﺎني: وﺣﺪة ﺟماﻋﺔ
اﳌﺴﻠﻤين. أﻣّﺎ اﻷول ﻓﻈﻬﺮ ﰲ اﺟﺘماع أﻫﻞ اﻟﺴﻘﻴﻔﺔ ﻋﲆ أنّ اﻷﻣير، أو رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ، أو اﻹﻣﺎم،
ﻻ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺳﻴﻔﺎن ﰲ ﻏﻤﺪ(. أﻣﺎ اﻟﺠﺰء اﻵﺧﺮ اﳌﺘﻤﺜّﻞ ﰲ وﺣﺪة اﻟﺪار،
=) ً
ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮنَ واﺣﺪا
ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮ ﰲ اﻟﺤﺮوب ﻋﲆ اﳌﺮﺗﺪّﻳﻦ اﻻﻧﻔﺼﺎﻟﻴين، ﰲ ﺣين ﻇﻬﺮ اﻻﻓﱰاض أو اﳌﻘﻮﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﰲ وﺛﻴﻘﺔ
اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﺑﻌﺪ ﺻﻔين، اﻟﺘﻲ ﻧﺼﺖ ﺑﺎﺗﻔﺎق اﻟﻄﺮﻓين ﻋﲆ اﻻﺣﺘﻜﺎم إﱃ »اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻏير اﳌﻔﺮﱢ ﻗﺔ«.
وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﺜﻼث اﻟﺘﻲ دارت ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻨﻘﺎﺷﺎت أﻳﺎم اﻷﻣﻮﻳين وﺑﻌﺪﻫﻢ. واﻟﻨﻘﺎﺷﺎت
ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﺧﺘﻼﻓﺎً ﺑﺸﺄن اﻟﻮﺣﺪات أو ﺟﺪاﻻت ﰲ ﴐورﺗﻬﺎ؛ ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﻔﻀﲆ أو اﻷﻓﻀﻞ
ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ أو إﻧﻔﺎذﻫﺎ. أﻣّﺎ ﻣﺜﺎل اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ، ﻓﺴﺒﺐُ ﻇﻬﻮره اﳌﺒﻜّﺮ )أﻧﺎ أرى أنّ أُمﱠ اﳌﺆﻣﻨين ﻋﺎﺋﺸﺔ
ﻫﻲ أولُ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ( اﻗﺘﻨﺎع اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺄﻧﻪ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﺗﺤﻘّﻘﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﺜﻼث اﳌﺬﻛﻮرة
ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﻛﻤﻞ.
وﻟﻮ ﺗﺄﻣّﻠﻨﺎ اﳌﺜﺎﻟين، اﻟﻠﺬﻳﻦ ذﻛﺮﻫما أﺳﺘﺎذﻧﺎ ﺟﻮزف ﻓﺎن إﻳﺲ، ﻟﺘﺒينّ ﻟﻨﺎ أنّ ﻫﺬه اﻟﺜﻮاﺑﺖ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻮﺟﻮدةً ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻷول. ﻓﺎﻟﺨﻼف ﺑﺸﺄن اﻟﻌﻤﻞ ﰲ اﻷرض اﳌﻔﺘﻮﺣﺔ ﻫﻮ
ﺧﻼفٌ ﺣﻮل ﺗﺤﻘﻴﻖ وﺣﺪة اﻟﺪار؛ ﺑﻞ إنّ ﻣﻔﺮد اﻟﻮﻗﻒ إﱃ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﺪى ﻓﻘﻬﺎء اﳌﺪﻳﻨﺔ
ﻣﻦ ﺷﻴﻮخ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ، وﻟﺪى ﻣﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴِﻪ. ﰲ ﺣين ﻳﺒﺪو اﻟﺨﻼف ﰲ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ، وﻫﻞ ﻳﺘﻨﺎول
ﻋﻠﻴﺎً أو ﻻ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻪ، إنمﺎ ﻛﺎن ﺧﻼﻓﺎً ﻋﲆ اﻟﺠماﻋﺔ واﻹﺟماع، وﻫﻞ ﺗﺤﻘّﻘﺎ ﻟﻺﻣﺎم ﻋﲇﱟ أو لم ﻳﺘﺤﻘّﻘﺎ. وﻗﺪ
اﺳﺘﻘﺮ اﻟﺮأي ﻟﺪى ﺷﻴﻮخ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ، ﺛﻢّ ﻟﺪى أﺣﻤﺪ ﻧﻔﺴﻪ، ﻋﲆ أنّ اﻹﺟماع ﺗﺤﻘﻖ ﻋﲆ إﻣﺎرة ﻋﲇ،
ﺗﺄﻟﻴﻒ: ﺟﻮزﻳﻒ ﻓﺎن إﻳﺲ / ﺗﺮﺟﻤﺔ: ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺒﻮﺳﻜﻼوي