اﻟﻌﺪد
(12)
178
ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻧﺤﻴﺎز اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إﱃ ﻓﺮق ﻏير ﻣﻌﺘﺰﻟﻴّﺔ؛ أي اﳌﺒﺘﺪﻋﺔ ﰲ ﻧﻈﺮﻫﻢ. أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻐﺪاد وﻣﴫ دار
ﻛﻔﺮ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻛما ﻗﺎل اﻟﺠﺒّﺎئي؛ ﻻ أﺣﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ دون اﻟﻘﻮل
بمﺬﻫﺐ اﻟﺠﱪ، وﺑﺄنّ اﻟﻘﺮآن ﻏير ﻣﺨﻠﻮق؛ وﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﺮك اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ واﻟﻌﺮاق ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻌﻴﺶ
.
77
ﰲ إﻳﺮان ﰲ ﻋﺴﻜﺮ ﻣﻜﺮم، ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺰال أﻏﻠﺒﻴﺔ اﻟﺴﻜﺎن ﺗﺘﺒﻊ ﻋﻘﻴﺪة اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ
ﻣﻊ اﻟﺠﺒّﺎئي، أﺳﺘﺎذ اﻷﺷﻌﺮي، ﻧﻐﺎدر ﻋﺎلم اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ اﻷواﺋﻞ، ولم ﻳﻜﻦ ﻟﻠﺼﻮﻓﻴﺔ اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ
ﺑين اﻟﻌﻠماء واﳌﺘﻜﻠّﻤين. ﻟﻘﺪ ﺗﻮارى رﻓﻀﻬﻢ اﻟﺠﺬريّ، وﰲ وﻗﺖ ﻻﺣﻖ ﺗﺒﻨّﺎه اﻟﺪراوﻳﺶ ﰲ ﻗﻠﻨﺪار
. وﰲ اﳌﺠﺎل اﻟﺤﴬيّ، ﻛﺎﻧﺖ ﴐورة اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺗﺆﺧﺬ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ أﻣﺮاً ﻣﺴﻠّماً ﺑﻪ
78
ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﳌﺜﺎل
؛ ﻟﻜﻦ،
79
ﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ، واﳌﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻠّﺖ ﻣﻄﺮوﺣﺔ ﻫﻲ ﻛﻴﻒ يمﻜﻦ إﺛﺒﺎت ﻫﺬه اﻟﴬورة ﻓﺤﺴﺐ
ﰲ ﻫﺬا اﳌﺠﺎل، ﻓﻘﺪ ﻋﻠماء اﻟﻜﻼم اﳌﺒﺎدرة ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎً ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ؛ ﻓﻤﻊ أﺷﺨﺎص ﻣﺜﻞ اﻟﻔﺎرابي،
دﺧﻠﺖ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴّﺔ إﱃ اﻟﺨﻄﺎب اﻹﺳﻼﻣﻲ، وﻗﺪ راﻓﻘﺖ اﻟﻨماذج اﻟﺠﺪﻳﺪة، وﺗﻠﺘﻬﺎ ﺗﺠﺎرب
ﺟﺪﻳﺪة: إﺿﻌﺎف اﻟﺨﻼﻓﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ اﻟﺒﻮﻳﻬﻴّين واﻟﺴﻼﺟﻘﺔ اﻟﺬﻳﻦ أﻧﺸﺆوا ﺑﻨﻴﺎت ﺛﻨﺎﺋﻴّﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺒﻐﻲ
اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑين اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻟﻘﻮّة؛ واﺧﺘﻔﺎء اﻟﺨﻼﻓﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ اﳌﻐﻮل ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣُﺮِم اﳌﺴﻠﻤﻮن، ﻷوّل
ﻣﺮّة، ﻣﻦ أيّ ﻣﺠﺎل ﻳﺤﺪّدون ﻓﻴﻪ ﻣﺼيرﻫﻢ اﻟﺴﻴﺎﳼّ؛ وأﺧيراً ﺟﺎءت اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳّﺔ ﰲ اﻟﻔﱰة
اﳌﻤﻠﻮﻛﻴّﺔ. ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ أن ﻧﺮى أنّ ﻛﻞّ ﻫﺬه اﳌﺠﻤﻮﻋﺎت ﻟﻬﺎ، ﺑﺸﻜﻞ أو ﺑﺂﺧﺮ، ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﺎلم
اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ؛ ﻟﻜﻦ لم ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻨﺘﻈﺮ ﻣﺠﻲء اﳌﺎوردي ﻟكي ﻧﺠﺪ وﺻﻔﺎً ﻟﻸﻧﻈﻤﺔ واﳌﻔﺎﻫﻴﻢ
اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ؛ اﻟﺘﻔﻜير اﻟﺴﻴﺎﳼّ ﻗﺪﻳﻢ ﺑﻘﺪم اﻹﺳﻼم ﻧﻔﺴﻪ. وﻣﺎ ﻫﻮ أﻛثر أﻫﻤّﻴﺔ، ربمّﺎ، ﻣﻦ ذﻟﻚ، أنّ
اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ ﺣُﻠّﻠﺖ وﻓُﴪﱢ ت دائمﺎً ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أﻣﺜﻠﺔ ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ اﻟﺠﻴﻞ اﻷوّل ﻣﻦ اﳌﺠﺘﻤﻊ
اﻹﺳﻼﻣﻲ. ﻟﻘﺪ واﺟﻪ اﳌﺴﻠﻤﻮن، ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ، اﻟﻨﺠﺎح اﻟﺴﻴﺎﳼ واﻟﻔﺸﻞ اﻟﺴﻴﺎﳼ، اﻟﻨﴫ واﻟﺨﻼف
( اﻟﺘﻲ لم ﻳﺘﻮﻗّﻒ اﻟﺨﻴﺎل
Urerlebnis)
واﻻﻧﺸﻘﺎق ﻋﲆ ﺣﺪّ ﺳﻮاء. ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﻢ اﻷوّﻟﻴّﺔ
اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻦ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑﻬﺎ ﻗﻂّ.
* * *
ﺗﻌﻘﻴﺐ ﺑﻘﻠﻢ اﻟﺪﻛﺘﻮر رﺿﻮان اﻟﺴﻴﺪ
أرﺳﻠﺖ إﱄّ إدارة ﻣﺠﻠﺔ أﻟﺒﺎب ﻣﻘﺎﻟﺔ اﻷﺳﺘﺎذ ﺟﻮزف ﻓﺎن إﻳﺲ ﻣﱰﺟﻤﺔً ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻷﺳﺘﺎذ ﺳﻌﻴﺪ
واﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ.
716
- اﳌﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ، ص
77
- اﻧﻈﺮ:
78
A.T. Karamustafa, God’s Unruly Friends (Salt Lake City: University of Utah Press, 1994).
.717
، ص
4 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
79
اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ ﰲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﳌﺒﻜّﺮ