اﻟﻌﺪد
(12)
177
اﳌﻤﻜﻦ أﻧّﻪ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﳌﺤﻨﺔ ﺗﺴير ﻧﺤﻮ اﻟﻔﺸﻞ، ﻛﺎن ﻗﺪ أﺳﻨﺪ إﱃ اﳌﺘﻜﻠّﻤين، وﻟﻮ ﻟﻔﱰة ﻣﻌﻴّﻨﺔ
ﻋﲆ اﻷﻗﻞّ، اﻟﺪور اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺪور ربمّﺎ ﰲ ذﻫﻦ اﻟﻨﻈّﺎم؛ ﻓﻮﻓﻘﺎً ﻟﺘﻘﺮﻳﺮ ﻣﻌﺘﺰﱄّ، أﻋﻄﻰ اﻟﻮاﺛﻖ، اﻟﻮرﻳﺚ
، ﻣﻦ ﻗﺒﻞ
72
اﻟﺜﺎني ﻟﻠمأﻣﻮن، أواﻣﺮه ﺑﺘﻔﺘﻴﺶ اﳌﺴﺆوﻟين اﻟﺤﻜﻮﻣﻴّين، وﻻ ﺳﻴّما ﺟﺒﺎة اﻟﴬاﺋﺐ ﻣﻨﻬﻢ
ﻣﺴﺘﺸﺎرﻳﻦ دﻳﻨﻴّين؛ وﻣﻦ ﺛﻢّ، إنّ اﻟﻮاﺛﻖ ﺣﺎول أن ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻜﺘّﺎب واﻟﻌﻠماء ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻣﻌﺎً، ﻏير أنّ ﻫﺬا
اﻷﻣﺮ إن لم ﻳﻜﻦ ﻣﺠﺮّد أﺳﻄﻮرة، ﻓﻤﻦ اﳌﺆﻛّﺪ ﻫﻮ رﻏﺒﺔ ﻋﺪيمﺔ اﻟﺠﺪوى. ﻟﻘﺪ ﺟﺮت اﻟﺮﻳﺎح ﰲ اﺗّﺠﺎه
آﺧﺮ؛ ﺣﺘّﻰ اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ ﺑﺪأوا ﰲ أﺧﺬ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ.
وﻟكي ﻧﻔﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻓﻀﻞ، ﻣﻦ اﳌﻔﻴﺪ أن ﻧﺘﺬﻛّﺮ أن اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ، ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ، ﻛﺎﻧﺖ
.
73
ﻟﻬﻢ ﺟﺬور ﻋﻤﻴﻘﺔ ﰲ ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺰﻫﺪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺳﺎﺋﺪاً ﰲ اﻟﺒﴫة؛ وﻛﺎن ﻫﺬا ﺗﺮاث ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ
. ﻫﺆﻻء لم ﻳﺮﻓﻀﻮا
74
وﻇﻬﺮ ﻫﺬا اﻻﺗّﺠﺎه ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﰲ ﻓﺮﻗﺔ ﺳﻤّﻴﺖ ﰲ أﺣﺪ ﻣﺼﺎدرﻧﺎ )ﺻﻮﻓﻴﺔ اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ(
اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﺤﺴﺐ؛ ﺑﻞ رﻓﻀﻮا »اﻟﻌﺎلم« ﻛﻜﻞّ؛ أي ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺘﺠﺎريّ. ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﻜّﻮن ﰲ ﻣﺘﻼزﻣﺔ
اﻟﻘﻮّة واﳌﺎل ﺑﻜﻞّ ﻣﺎ ﰲ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ؛ وﻫﻮ ﳾء ﺗﻌﻮّدﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ وﻗﺘﻨﺎ ﻫﺬا أﻳﻀﺎً. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﺣﺮﻛﺔ
ذات أﺻﻞ ﺣﴬيّ؛ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺠﺎدﻟﻮن ﺿﺪّ اﻟﺮﺑﺢ اﻟﺪﻧﻴﻮيّ ﻛﺎن ﰲ ذﻫﻨﻬﻢ اﻟﺘﺠّﺎر، وربمّﺎ اﻟﺼﻨّﺎع
أﻳﻀﺎً، وﻟﻜﻦ لم ﻳﻜﻦ ﰲ ذﻫﻨﻬﻢ اﻟﻔﻼﺣﻮن؛ ﻓﻬﻢ لم ﻳﺤﺒّﻮا اﻟﺴﻮق، وﻫﻮ اﳌﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﺮﻓﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻴﻄﺎن
راﻳﺘﻪ، ﻛما ﺟﺎء ﰲ اﻟﺤﺪﻳﺚ. وﻫﻜﺬا، لم ﻳﻘﺘﴫ اﻷﻣﺮ ﻋﲆ ﺣﴫ دور اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﰲ ﻣﺠﺮّد إرﺳﺎء اﻟﻨﻈﺎم؛
ﺑﻞ ﻇﻨّﻮا أنّ اﻟﻨﻈﺎم ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺎﺳﺪ. ﻓﺪار اﻹﺳﻼم لم ﺗﻌﺪ ﻋﺎﳌﺎً ﺳﻠﻴماً؛ ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺒّﻮن أن ﻳﻄﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ
دار اﻟﻜﻔﺮ، أو دار اﻟﻔﺴﻖ، ﺣﻴﺚ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﺘﺎج ﳾء آﺧﺮ ﺳﻮى اﻟﻐﺼﺐ واﻻﻧﻘﻼب.
ﻻ ﻳﻌﻜﺲ ﻫﺬا اﳌﻮﻗﻒ، ﰲ اﻷﺻﻞ، ﺳﻮى اﻟﻮرع اﻟﺨﺎصّ ﺑﺎﻟﺰﻫﺎد، وﺧﻮﻓﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط ﰲ اﻷﻣﻮر
ﻏير اﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ. ﻛﺎن ﻛﺜير ﻣﻦ اﻟﺰﻫﺎد أو اﻟﺼﻮﻓﻴّﺔ ﻳﻌﺪّون اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﺒﻬﺎت؛ أي اﻷﻣﻮر اﳌﺸﻜﻮك
ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗﺠﻨّﺒﻬﺎ. ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻻ ﻳﻘﺒﻞ راﺗﺒﺎً ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ، وأﻻ ﻳﻨﺨﺮط ﰲ ﺟﻴﺸﻬﺎ؛ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ
. وﻗﺪ اﺳﺘماﻟﺖ ﻫﺬه اﳌﺒﺎدئ ﺑﻌﺾ اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ،
75
اﻻﻣﺘﻨﺎع ﺣﺘّﻰ ﻋﻦ ﺗﻨﺎول ﳾء أُﻧﺘِﺞ ﰲ اﻟﺤﻘﻮل اﻷﻣيرﻳّﺔ
(، اﻟﺬي ﻛﺎن
850 /236
وﻻ ﺳﻴّما ﻣﻨﻬﻢ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻴﺸﻮن ﰲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ. ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺣﺮب )ت
ﰲ اﻟﺠﻴﺶ، أﺻﻴﺐ ﺑﺄزﻣﺔ روﺣﻴّﺔ، وﻗﺮّر ﺗﻄﻬير ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﻧﻬﺮ دﺟﻠﺔ؛ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ارﺗﺪى ﻣﻼﺑﺲ ﺟﺪﻳﺪة
ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﺳﺘﺎذه اﳌﺮدار، اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺣﻮّﻟﻪ إﱃ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪة؛ ﻟﻘﺪ رﻓﺾ ﻗﺒﻮل إرث واﻟﺪه
. وﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﳌﺤﻨﺔ، ﻛﺎن ﻋﲆ اﳌﻌﺘﺰﻟﺔ، ﻋﻼوةً ﻋﲆ ذﻟﻚ، أن ﻳﻌﻴﺸﻮا
76ً
اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺴﺆوﻻً ﺣﻜﻮﻣﻴّﺎ
.46
، ص
4 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
72
واﻟﺘﻲ ﺗﻠﻴﻬﺎ.
295
، ص
2 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
73
وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ.
88
، ص
4
وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ، و
130
، ص
3 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
74
.716
، ص
4 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
75
واﻟﺘﻲ ﺑﻌﺪﻫﺎ.
69
، ص
4 ،
- ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻼم واﳌﺠﺘﻤﻊ
76
ﺗﺄﻟﻴﻒ: ﺟﻮزﻳﻒ ﻓﺎن إﻳﺲ / ﺗﺮﺟﻤﺔ: ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺒﻮﺳﻜﻼوي