اﻟﻌﺪد
(12)
208
ﻓﺈنّ ﻋﺒﺎرة اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺳﺘﻜﻮن ﻣﻠﺘﺒﺴﺔ. ﻓﻔﻲ ﻧﻈﺎم اﳌﻌﻘﻮﻟﻴﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪ، ﺗﻜﻮن اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﻌﻘﻼﻧﻴﺔ
اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷﺧﺮى ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﺗﺒﻌﺎً ﻟﺬﻟﻚ، يم َﱠ ﺤﻲ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑين اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﻌﻘﻞ... ﺣﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ ﻛﻞّ اﺳﺘﻔﻬﺎم
ﺣﻮل ﺗﻼؤم اﻟﺤﻘﻴﻘﺘين اﺳﺘﻔﻬﺎﻣﺎً ﺣﻮل ﻣﻼءﻣﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﻟﻨﻔﺴﻪ. ﻟﻨﻘﻞ ذﻟﻚ ﺑﺼﻴﺎﻏﺔ أﺧﺮى: إنّ اﳌﻼءﻣﺔ ﻻ
ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺘماﻫﻲ ﰲ ﻛﻞّ ﳾء، وﻟﻜﻦّ اﻻﺗﻔﺎق اﳌﺆﺳﺲ ﻋﲆ اﻟﺘماﻫﻲ اﻟﺼﻮري، وﻫﻮ تمﺎهٍ ﻻ ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻔﻮارق:
ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻷﺧيرة ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻋﲆ ﻣﻌﺎﻳير ﺧﺎرﺟﻴﺔ )أي اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ وﻗﻊ ﺑﻬﺎ اﻛﺘﺴﺎب اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ(
أم ﻋﲆ ﺧﺎﺻﻴﺎت داﺧﻠﻴﺔ وﺷﻜﻠﻴﺔ )اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑين اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷزﻟﻴﺔ واﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺿﻌﻴﺔ واﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺤﺎدﺛﺔ
أو ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ(. ﻓﻔﻲ ﻫﺬا اﳌﻀمار ﻓﻘﻂ، ﻳﻜﻮن اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑين اﻟﻌﻘﻞ ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ )اﻟﺨﺎص( واﻟﻌﻘﻴﺪة ذا
وﺟﺎﻫﺔ، ويمﻜﻦ أن ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻴﻨﻬما »ﺗﻌﺎرض« ﻣﺤﺘﻤﻞ )ﻏير اﻟﺘﻌﺎرض اﳌﻨﻄﻘﻲ(.
إنّ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻻﻳﺒﻨﺘﺰ ﻋﲆ وﺣﺪة اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺤﻴﻞ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﺑﺎﻟﻌﻘﻴﺪة ﻟﻴﺲ إﱃ ﻧﻈﺎم ﺣﻘﻴﻘﺔ
ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺟﺬرﻳﺎً ﻋﻦ ﻧﻈﺎم ﺣﻘﻴﻘﺔ أﺧﺮى )ﻛما ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﳌﺰدوﺟﺔ اﳌﺴﺘﻮﺣﺎة ﻣﻦ
(، وﻻ إﱃ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻌﻘﻼني ﺑﺎﻟﻌﺒﺜﻲ، وﻟﻜﻦ، وﰲ اﻟﻨﻈﺎم اﻹﺑﺴﺘﻤﻲ
31
luthérienne
اﻟﺮﺷﺪﻳﺔ أو اﻟﻠﻮﺛيرﻳﺔ
ﻧﻔﺴﻪ )اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻜﻮني(، إﱃ ﻋﻼﻗﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻔﻬﻢ واﻟﱪﻫﻨﺔ ﰲ ﺗﻌﺎرض ﻣﻊ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻗﺎﺑﻼً ﻟﻠﻔﻬﻢ واﻟﱪﻫﻨﺔ،
أو ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﺒﻌﺪ اﻟﺤﺪوث. ﻓما دام ﻋﺪم اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﺪاﺧﲇ واﻟﺨﺎرﺟﻲ يمﺜّﻞ ﴍط اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﴬوري
ووﺣﺪﺗﻬﺎ، ﻓﺈنّ ﻣﺎ ﻳﺆﺧﺬ ﻋﲆ أﻧّﻪ ﻧﺰاع ﺑين اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﻌﻘﻞ ﻻ يمﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن إﻻ ﻇﺎﻫﺮﻳﺎً، أو ﺻﺎدراً
ﻋﻦ ﺗﻌﺎرض ﻏير ﻣﻨﻄﻘﻲ. ﻓﺪون اﻟﺘﺨﲇ ﻋﻦ اﻻﺗﻔﺎق اﻷﺳﺎﳼ ﺑين اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ودون إﻧﻜﺎر ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ
اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﳌﻨﺰﻟﺔ )وﻫﻲ ﻓﻮق اﻟﻌﻘﻞ(، ﻳﺘﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ، إذاً، ﺑﺘﺤﺪﻳﺪ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬا »اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ« اﻟﺬي ﻻ يمﻜﻦ
أن ﻳﻜﻮن ﺿﺪ اﻟﻌﻘﻞ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻌﻤﺪ ﻻﻳﺒﻨﺘﺰ إﱃ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ، ﰲ ﺧﺼﻮص ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻘﻞ، ﺑين اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ أزﻟﻴﺔ
»وﻫﻲ ﴐورﻳﺔ ﴐورة ﻣﻄﻠﻘﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺆدي ﻧﻘﻴﻀﻬﺎ إﱃ ﺗﻨﺎﻗﺾ«، »وﻳﺆدي ﺑﻨﺎ ﻧﻔﻴﻬﺎ إﱃ »ﺳﺨﺎﻓﺎت«
، وﺑين ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ وﺿﻌﻴﺔ، وإن ﻫﻲ إﻻ اﻟﻘﻮاﻧين اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺎر اﻟﻠﻪ
32
(absurdités)
ﻣﻨﺤﻬﺎ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ، اﻟﺘﻲ يمﻜﻨﻪ ﺗﻌﻄﻴﻠﻬﺎ ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻨﻈﺎم اﻟﻨﻌﻤﺔ. ﰲ ﺣين أنّ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷزﻟﻴﺔ ﺗﻌﻮد
إﱃﴐورة ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ وﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ وﻫﻨﺪﺳﻴﺔ. ﻓﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺿﻌﻴﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮّن اﻟﴬورة اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ )ﻧﻈﺎم
اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ(، إنمّﺎ ﻫﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﺮﺿﻴﺔ ﺗﻌﻮد إﱃ ﴐورة أﺧﻼﻗﻴﺔ ﻓﻘﻂ، ﻣﺎ دام اﻟﻠﻪ ﻗﺪ وﺿﻌﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺮة
(. ﻓﺎﳌﻌﺠﺰات واﻷﴎار
principe de meilleur)
ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻼؤﻣﻬﺎ، ﻣﺴﺘﻨﺪاً ﰲ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻣﺒﺪأ اﻷﻓﻀﻞ
)ﻣﺜﻞ اﻟﺘﺜﻠﻴﺚ واﻟﺘﺠﺴﺪ( اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠّﻤﻨﺎ إﻳﺎﻫﺎ اﻟﻌﻘﻴﺪة ﻻ يمﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻨﺎﻗﻀﺔ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷوﱃ ]أي
اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷﺑﺪﻳﺔ[، وإﻻ ﻓﻬﻲ ﺗﻔﻘﺪ ﺻﻔﺘﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺣﻘﺎﺋﻖ؛ أي إﻧﻬﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﺧﺎﻃﺌﺔ. وﻟﻜﻦ يمﻜﻦ ﻟﻬﺬه
A, VI, 4-C, p. 2459 ،
- ﻻﻳﺒﻨﺘﺰ، ﻣﻨﺸﻮرات اﻷﻛﺎديمﻴﺔ
31
.p. 51 ,2 § ،..
- ﻣﻘﺎﻟﺔ تمﻬﻴﺪﻳﺔ
32
ﺣﻮل »ﻣﻼءﻣﺔ اﻟﻌﻘﻴﺪة ﻟﻠﻌﻘﻞ«: ﻻﻳﺒﻨﺘﺰ ﺿﺪ ﺑﺎﻳﻞ