اﻟﻌﺪد
(12)
209
اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻨﺎﻗﻀﺔ ﻟﻠﺜﺎﻧﻴﺔ )أي ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﺮﺿﻴﺔ(. ﻓﺎﳌﻌﺠﺰات واﻷﴎار اﺳﺘﺜﻨﺎءات ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻦ
ﺳﻴﺎق اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﺎدي. ﻳﻨﺴﺤﺐ اﺣﱰام ﻣﺒﺪأ ﻋﺪم اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﺘﻈﻢ ﻋﲆ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، وﻫﻮ
. اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وﺣﺪﻫﺎ، ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺮﺿﻴﺘﻬﺎ، وﻣﺎ ﻳﻔﺮﺿﻪ اﻟﺘﻨﺎﺳﻖ اﻟﻜﻮني، إنمﺎ
33
ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ أي اﺳﺘﺜﻨﺎء
ﻫﻲ ﻣﻮﺿﻮع اﺳﺘﺜﻨﺎءات. ﻏير أنّ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ أو اﻻﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﻋﲆ اﳌﺴﺘﻮى اﻟﻔﻴﺰﻳﺎئي ﻻ ﻳﺆدي إﱃ ﺗﻨﺎﻗﺾ أو
اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﻋﲆ اﳌﺴﺘﻮى اﳌﻨﻄﻘﻲ واﳌﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ. ﻓﺎﺗﻔﺎق اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻻ ﺗﺸﻮﺑﻪ ﺷﺎﺋﺒﺔ.
وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ، وﺟﺐ أن ﻳﺘﺄﻛﺪ ﻟﺪﻳﻨﺎ أﻧّﻨﺎ ﺑﺼﺪد ﺧﺮقٍ ﻓﻌﲇ ﻟﻨﻈﺎم اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، وأﻧﻨﺎ ﺑﺼﺪد
ﻣﻌﺠﺰة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، وﻟﺴﻨﺎ ﺑﺼﺪد ﺣﺎدث ﻏير ﻋﺎدي ﻓﻘﻂ، وﻣﻨﺎﻗﺾ ﳌﺎ ﻫﻮ ﻣﻘﺒﻮل وﻣﻮاﻓﻖ ﻟﻠﻈﺎﻫﺮ.
وﻫﻜﺬا، ﻻ يمﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻷﻓﻌﺎل، اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ اﳌﻼﺋﻜﺔ، ﻣﻌﺠﺰات ﺑﺎﳌﻌﻨﻰ اﻟﺪﻗﻴﻖ )ﻷﻧّﻬﺎ
، ﻏير أﻧّﻬﺎ ﻣﻌﺠﺰات ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻨﺎ. أﻣّﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﳌﻌﺠﺰات اﳌﺸﻬﻮد ﺑﻬﺎ،
34
ﺗﺘﺒﻊ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ اﳌﻼﺋﻜﻴﺔ(
ﻓﺈنّ ﺗﻨﺎﻗﻀﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﴬورة اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ؛ أي ﻣﻊ ﻗﻮاﻧين اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، وﺻﻔﺘﻬﺎ اﳌﺤﺘﻤﻠﺔ وﻏير اﳌﻔﻬﻮﻣﺔ، ﻻ
.
35
ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺴﺘﺤﻴﻼً أو ﻋﺒﺜﻴﺎً ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﳌﻨﻄﻘﻴﺔ
وﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﺆاﺧﺬات ﻻﻳﺒﻨﺘﺰ ﻋﲆ ﺑﺎﻳﻞ، اﻋﺘﺒﺎره أنّ ﻣﺎ ﻋَﺠﺰﻧﺎ ﻋﻦ ﻓﻬﻤﻪ أو اﻟﱪﻫﻨﺔ ﻋﻠﻴﻪ، أو ﻣﺎ ﺑﺪا
ﻟﻨﺎ ﻣﺤﺘﻤﻼً، إنمﺎ ﻫﻮ، ﰲ اﻵن ﻧﻔﺴﻪ، ﻻﻋﻘﻼني )ﻣﻨﺎﻗﺾ ﻟﻠﻌﻘﻞ(، أو ﻗﻞ، إﻧّﻨﺎ ﻋﺎﺟﺰون ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﻴﻔﻴﺔ
اﺗﻔﺎﻗﻪ ﻣﻊ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻜﻮني؛ ﺑﻴﺪ أنّ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰﻳﻦ أﺳﺎﺳﻴين: ﻳﺘﻤﺜﻞ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻷوّل ﰲ ﺗﻮﺿﻴﺢ اﻟﻔﺮق ﺑين
أرﺑﻊ ﻋﻤﻠﻴﺎت ذﻫﻨﻴﺔ ﻳﺨﻠﻂ ﺑﺎﻳﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻛﺜيراً؛ أي اﻟﺘﻔﺴير واﻟﻔﻬﻢ واﻟﱪﻫﻨﺔ واﳌﺮاﻓﻌﺔ، واﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺜﺎني
( ﻫﻮ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑين ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻮق اﻟﻌﻘﻞ/ وﻣﺎ ﻫﻮ ﺿﺪ اﻟﻌﻘﻞ.
Rotterdam)
اﻟﺬي ﻳﺮﻓﻀﻪ ﻓﻴﻠﺴﻮف روﺗﺮدام
. اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ: اﻟﺘﻔﺴير دون اﻟﻔﻬﻢ واﳌﺮاﻓﻌﺔ دون اﻟﱪﻫﻨﺔ وﺗﺄوﻳﻞ اﻟﻔﺎرق ﺑين ﻣﺎ ﻫﻮ ﻓﻮق
2
.(praeter/contra rationem)
اﻟﻌﻘﻞ/ وﻣﺎ ﻫﻮ ﺿﺪ اﻟﻌﻘﻞ
- وﻫﻜﺬا، إن اﻟﺘﺜﻠﻴﺚ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﺎﻗﻀﺎً ﻟﻠﻤﺒﺪأ اﻟﺬي ﻳﻘﺮّ أﻧﻪ "إذا وﺟﺪ ﺷﻴﺌﺎن ﻣﻄﺎﺑﻘﺎن ﻟﴚء ﺛﺎﻟﺚ، ﻓﻬﻲ ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺔ ﻓﻴما ﺑﻴﻨﻬﺎ"؛ إذ "ﺣين ﻧﻘﻮل
33
إن اﻷب ﻫﻮ اﻟﻠﻪ، وإن اﻻﺑﻦ ﻫﻮ اﻟﻠﻪ، وإن اﻟﺮوح اﳌﻘﺪس ﻫﻮ اﻟﻠﻪ، وأن ﻧﻘﻮل ﻣﻊ ذﻟﻚ إﻧّﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ إﻻ إﻟﻪ واﺣﺪ، ﻣﻊ أنّ ﻫﺬه اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت
اﻟﺜﻼث ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ، ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ أن ﻧﺤﻜﻢ أﻧّﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻻﻟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﺒﺎرة وﰲ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ. ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ، ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻳﻌﻨﻲ
.p. 65, 22 § ،
ﺗﺎرة ﺟﻮﻫﺮاً إﻟﻬﻴﺎً، وﻃﻮراً ﺷﺨﺼﻴّﺔ إﻟﻬﻴّﺔ". اﳌﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ
.Théodicée, § 3, § 249 ،
- اﻟﺘﻴﻮدﻳﺴﻴﺎ
34
- "]...[ ﻓﻜﻞ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﻔﻘﻮن ﻋﲆ أن اﻟﺨﻮارق ﺿﺪ اﻟﻈﺎﻫﺮ، وﻫﻲ ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺤﺘﻤﻠﺔ، ﺣين ﻻ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻌﻘﻞ.
35
"ﻧﺠﺪ ﻫﺎﻫﻨﺎ
Michel Fichant
(. وﻛما ﻳﻼﺣﻆ ذﻟﻚ ﻣﻴﺸﻴﻞ ﻓﻴﺸﺎن
DC, § 28, p. 68) "ً
وﻟﻜﻦ ﻳﻜﻔﻲ أﻻ ﺗﺘﻀﻤﻦ ]ﻫﺬه اﻟﺨﻮارق[ ﺷﻴﺌﺎً ﻋﺒﺜﻴﺎ
، واﻟﺘﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﰲ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻟﻺﻧﺠﻴﻞ
Hébreux, XI, 1
اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ اﻟﻼﺑﻨﺘﺰﻳﺔ ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻮل، اﻟﻌﱪﻳﻮن
" )ذﻛﺮ ﰲ "اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﻌﻘﻞ ﰲ اﻟﺘﻴﻮدﻳﺴﻴﺎ" ﻣﻘﺎل ﺑﻮل راﺗﻮ" ﻗﺮاءات
Fides est argumentum rerum non apparentium"
)ﻳﻨﴩ ﻻﺣﻘﺎً(
Studia Leibnitiana, Sonderheft, Franz Steiner Verlag ،
وﺗﺄوﻳﻼت ﻟﻠﻤﻘﺎﻻت ﰲ اﻟﺘﻴﻮدﻳﺴﻴﺎ ﻟﻐﻮﺗﻔﺮﻳﺪ وﻳﻼم ﻻﻳﺒﻨﺘﺰ
Vérité, foi et raison dans la Théodicée», in: Paul Rateau (éd.), Lectures et interprétations des Essais de Théodicée»)
.(,de G. W. Leibniz, 2011
ﺑﻘﻠﻢ: ﺑﻮل راﺗﻮ / ﺗﺮﺟﻤﺔ: اﻟﻄﺎﻫﺮ ﺑﻦ ﻗﻴﺰة