اﻟﻌﺪد
(12)
226
ﻃﻮﻳﻼً، ﻓﻴﺄتي ﻣﻦ لم ﻳﺴﻤﻌﻪ، ﻓﻴﺤكي ذﻟﻚ اﻟﺨﱪ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻛما ﻫﻮ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻴﻪ وﻻ ﻳﻨﻘﺺ ]...[ وﻛﻠما
ﻗﺮب ﻣﻦ ذﻟﻚ وﺑﻌﺪ ﻓﻬﻮ ﻛﻠﻪ ﺣﻖ وﻻ ﺗﻔﺎﺿﻞ ﰲ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ وﻻ ﺗﻌﺎرض ﻣﻘﺪﻣﺔٌ ﻣما ذﻛﺮﻧﺎ ﻣﻘﺪﻣﺔً
.19
أﺧﺮى ﻣﻨﻬﺎ، وﻻ ﻳﻌﺎرض ﻣﺎ ﻳﺮﺟﻊ إﱃ ﻣﻘﺪﻣﺔ أﺧﺮى ﻣﻨﻬﺎ رﺟﻮﻋﺎً ﺻﺤﻴﺤﺎً وﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﴬورة
ﻳﻘﺪم اﺑﻦ ﺣﺰم إذاً ﻻﺋﺤﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﳌﺤﺴﻮﺳﺔ ﺟﺪاً ﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺞ اﻟﺜﺎني ﻣﻦ اﻟﱪﻫﻨﺔ:
وﺑﻬﺬا ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺻﺤّﺔ ﻣﻮت ﻣﻦ ﻣﺎت، ووﻻدة ﻣﻦ وﻟﺪ، وﻋﺰل ﻣﻦ ﻋﺰل، ووﻻﻳﺔ ﻣﻦ وﱄ، ﻣﺮض ﻣﻦ
ﻣﺮض، وأﻓﺎق ﻣﻦ أﻓﺎق، وﻧﻜﺒﺔ ﻣﻦ ﻧﻜﺐ، واﻟﺒﻼد اﻟﻐﺎﺋﺒﺔ ﻋﻨﺎ، واﻟﻮﻗﺎﺋﻊ، واﳌﻠﻮك، واﻷﻧﺒﻴﺎء ﻋﻠﻴﻬﻢ
اﻟﺴﻼم ودﻳﺎﻧﺎﺗﻬﻢ، واﻟﻌﻠماء وأﻗﻮاﻟﻬﻢ، واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﺣﻜﻤﻬﻢ ﻻﺷﻚ ﻋﻨﺪ أﺣﻤﺪ ﻳﻮﰲ ﻋﻘﻠﻪ ﺣﻘﻪ ﰲ ﳾء
ﻣما ﻧﻘﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛما ذﻛﺮﻧﺎ وﺑﺎﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﱃ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ.
ﺗﺆﻛﺪ ﻫﺬه اﻟﻼﺋﺤﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻏير اﳌﺘﺠﺎﻧﺴﺔ اﻟﺒﺪﻳﻬﺔ اﻵﺗﻴﺔ: ﻧﻈﺮاً ﻷنّ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ، اﻟﺘﻲ ﻟﺴﻨﺎ ﺷﻬﻮداً
ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻻ ﺗﺒﻠﻐﻬﺎ اﻟﺤﻮاس وﻻ اﻟﺒﺪﻳﻬﻴﺎت اﳌﻨﻄﻘﻴﺔ اﻷوﱃ، ﻓﺈﻧّﻬﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﻮﺿﻮع ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔ. ﻓﺈﱃ
ﺟﺎﻧﺐ اﻻﺳﺘﺪﻻﻻت اﳌﺠﺮدة اﻟﺼﺎرﻣﺔ واﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ )»اﻟﻨﺎر ﺗﺤﺮق«(، ﺗﻮﺟﺪ ﻃﺮﻳﻖ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻧﺤﻮ
اﻟﻴﻘين: وﻫﻲ اﻟﺸﻬﺎدة اﳌﻮﺛﻮﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻋﺪد ﻻ ﻳﺤﴡ ﻣﻦ اﳌﻌﺎرف اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺪّﻫﺎ ﻳﻘﻴﻨﻴﺔ،
ﺑﺪءاً ﺑﺄﺣﺪاث اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﻊ ﺗﺤﺖ أﺑﺼﺎرﻧﺎ إﱃ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ واﻟﺪﻳﻦ.
ﻳﺤﺮص اﺑﻦ ﺣﺰم ﻋﲆ أن ﻻ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺎدة ﻣﻨﻬﺠﺎً ﺟﺪﻳﺪاً ﻗﺪ ﻳﺨﺮج ﻋﻦ اﻹﻃﺎر اﻷرﺳﻄﻲ اﻟﺬي
ﻗﺒﻞ ﺑﻪ؛ إذ ﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻬﺎدة ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺳﻮى ﺣﺎﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻧﻈﺮاً ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﱃ ﺣﺠﺔ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ
ﺧﺎﻟﺼﺔ: وﻫﻲ اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻟﺤﺼﻮل، دون ﺗﺸﺎور ﻣﺴﺒﻖ، ﻋﲆ ﺷﻬﺎدﺗين ﺧﺎﻃﺌﺘين وﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺘين ﰲ أدق
ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬما. وﻗﺪ أﻣﻜﻦ ﻻﺑﻦ ﺣﺰم، ﻣﻌﺰزاً ﺑﻬﺬه اﻟﺒﺪﻳﻬﻴﺔ اﻷوﱃ، أن ﻳﺴﺘﻨﺘﺞ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺻﺪق
. ﻓﻬﻮ، ﺑﺨﻼف ﻣﺆﻟﻔين أﻣﺜﺎل اﳌﻌﺘﺰﱄ أبي اﺳﺤﺎق إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻨﻈﺎم
20
اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻟﻘﺎئمﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬا اﳌﻌﻴﺎر
م(، ﻳﻨﻜﺮ ﴐورة اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻮﺟﻮد ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻀماﻧﺎت اﳌﻮﺛﻮﻗﺔ،
845/
ﻩ
231
)ﺗﻮﰲ ﻋﺎم
وﻳﻀﻴﻒ أن رﻓﺾ ﻗﺒﻮل اﻟﺸﻬﺎدة ﻣﺼﺪراً ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻳﺆدي إﱃ اﻧﺤﺮاﻓﺎت:
.39
، ص
1
- اﻟﻔﺼﻞ، ج
19
- ﻣﻦ اﳌﻌﻠﻮم أنّ ﺻﺪق اﻟﺸﻬﺎدات ﰲ ﻣﺠﺎل اﳌﻌﺮﻓﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ اﳌﺴﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ أﺛﺎرت ﺟﺪﻻً ﻛﺒيراً ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﳌﻌﺮﻓﺔ. ﺳﻴﻌﱪ دﻳﻜﺎرت
20
وﻟﻮك ﻋﻦ رﻓﻀﻬما اﻟﻮاﺿﺢ ﻟﻠﺸﻬﺎدات. ﻳﺸير اﻷول ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻷﻧﻮار اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ( إﱃ "اﻻﺧﺘﻼف اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑين اﻟﻌﻠﻮم
Descartes, Recherche de la) "
واﳌﻌﺎرف اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﺘﻲ يمﻜﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ دون اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻻﺳﺘﺪﻻل، ﻣﺜﻞ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ
(؛ وﻳﻌﱰف اﻟﺜﺎني ﺑﺄن اﻟﺸﻬﺎدة ﺗﻘﺪم أﺳﺒﺎﺑﺎً ﺟﻴﺪة ﻟﺘﺼﺪﻳﻖ
vérité par les lumières naturelles, éd. Adam-Tannery, vol.X, p.502
Human Understanding, IV, 15, § 4) (Locke, An Essay Concern-
ﻫﺬا اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ أو ذاك، إﻻ أﻧﻪ ﻳﻌﺪّﻫﺎ ﻏير ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ اﳌﻌﺮﻓﺔ
Plantinga, Warranted)
. ﻏير أن اﻟﻨﻘﺎش لم ﻳﻐﻠﻖ؛ إذ ﺳﻨﻼﺣﻆ أن دﻓﺎﻋﺎً ﺣﺪﻳﺜﺎً ﻋﻦ اﻟﺼﺪق اﻹﺑﺴﺘﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻠﺸﻬﺎدة، ﻗﺪّﻣﻬﺎ ﺑﻼﻧﺘﻴﻨﻐﺎ
ing
Pouivet, Epistémologie des :
(، ﻳﺴﺘﺄﻧﻒ ﺑﺮﻫﻨﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺑﺮﻫﻨﺔ اﺑﻦ ﺣﺰم. ﺣﻮل ﻫﺬه اﳌﺴﺎﺋﻞ، اﻧﻈﺮ
Christian Belief, ch. VII
.croyances religieuses, p. 77-92
ﻣﺂزق اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ...اﻹﺑﺴﺘﻤﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ ﻻﺑﻦ ﺣﺰم اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ