اﻟﻌﺪد
(12)
47
وﻣما ﻻ ﺷﻚّ ﻓﻴﻪ أنّ اﻟﻨﺺّ ﺻِﻴﻎ ﺑَﻌﺪﻳﺎً، ولم ﻳﺠﺪ ﺻﺎﺣﺒﻪ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻟﻔﻈﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻟﻨﻌﺖ ﻣﺎﴈ
اﻟﻌﺮب، ﰲ ﺳﻴﺎقٍ ﻓﺮض ﻋﲆ اﳌﺴﻠﻤين اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ إﺳﻼﻣﻬﻢ ﺑﻜﻞ اﻟﺴﺒﻞ اﳌﻤﻜﻨﺔ، وأوّل ﻫﺬه اﻟﺴﺒﻞ
ﺗﺴﻮﻳﺪ ﻣﺎﺿﻴﻬﻢ ﻟﺘﺒﻴﻴﺾ ﺣﺎﴐﻫﻢ.
وﺳﻴُﻌﻴﺪ اﻟﻄﱪي ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ، ﻋﲆ ﻟﺴﺎن أﺣﺪ ﻗﺎدة اﻟﻔﺘﻮح. وﻟﱧ لم ﺗﺬﻛﺮ
ﰲ اﻟﺤﻮار ﻋﺒﺎرة اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻓﺈنّ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ، ﻣﻦ اﳌﺆﻛّﺪ، ﻳﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
أورد اﻟﻄﱪي، رواﻳﺔً ﻋﻦ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ، ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺤﻮار اﻟﺬي دار ﺑين وﻓﺪ اﳌﺴﻠﻤين وﻣﻠﻚ اﻟﻔﺮس
ﻫـ(. ﻧﺠﺘﺰئ ﻣﻨﻪ اﳌﻘﻄﻊ اﻵتي: »ﻗﺎل: ﻓﺘﻜﻠﻢ ﻳﺰدﺟﺮد، ﻓﻘﺎل:
14
ﻳﺰدﺟﺮد ﻗﺒﻴﻞ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﻘﺎدﺳﻴﺔ )اﻟﺴﻨﺔ
إنيّ ﻻ أﻋﻠﻢ ﰲ اﻷرض أﻣّﺔً ﻛﺎﻧﺖ أﺷﻘﻰ، وﻻ أﻗﻞّ ﻋﺪداً، وﻻ أﺳﻮأ ذات ﺑين، ﻣﻨﻜﻢ؛ ﻗﺪ ﻛﻨّﺎ ﻧﻮﻛّﻞ ﺑﻜﻢ
ﻗﺮى اﻟﻀﻮاﺣﻲ ﻓﻴﻜﻔﻮﻧﺎﻧﻜﻢ )ﻛﺬا(، ﻻ ﺗﻐﺰون ﻓﺎرس، وﻻ ﺗﻄﻤﻌﻮن أن ﺗﻘﻮﻣﻮا ﻟﻬﻢ، ﻓﺈن ﻛﺎن ﻋﺪد
ﻟﺤﻖ ﻓﻼ ﻳﻐﺮﻧّﻜﻢ ﻣﻨّﺎ، وإن ﻛﺎن اﻟﺠﻬﺪ دﻋﺎﻛﻢ ﻓﺮﺿﻨﺎ ﻟﻜﻢ ﻗﻮﺗﺎً إﱃ ﺧﺼﺒﻜﻢ؛ وأﻛﺮﻣﻨﺎ وﺟﻮﻫﻜﻢ وﻣﻠّﻜﻨﺎ
.
14
ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﻠﻜﺎً ﻳﺮﻓﻖ ﺑﻜﻢ«
»ﻓﺄﺳﻜﺖ اﻟﻘﻮمَ. ﻓﻘﺎم اﳌﻐيرة ﺑﻦ زرارة ﺑﻦ اﻟﻨﺒﺎش اﻷﺳﻴﺪي، ﻓﻘﺎل: )...( إﻧّﻚ ﻗﺪ وﺻﻔﺘﻨﺎ ﺻﻔﺔً لم
ﺗﻜﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﺎﳌﺎً، ﻓﺄﻣّﺎ ﻣﺎ ذﻛﺮت ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﺤﺎل، ﻓما ﻛﺎن أﺳﻮأ ﺣﺎﻻً ﻣﻨّﺎ، وأﻣّﺎ ﺟﻮﻋﻨﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺸﺒﻪ
اﻟﺠﻮع، ﻛﻨّﺎ ﻧﺄﻛﻞ اﻟﺨﻨﺎﻓﺲ واﻟﺠﻌﻼن واﻟﻌﻘﺎرب واﻟﺤﻴّﺎت؛ ﻓنرى ذﻟﻚ ﻃﻌﺎﻣﻨﺎ. وأﻣّﺎ اﳌﻨﺎزل ﻓﺈنمﺎ ﻫﻲ
ﻇﻬﺮ اﻷرض، وﻻ ﻧﻠﺒﺲ إﻻ ﻣﺎ ﻏﺰﻟﻨﺎ ﻣﻦ أوﺑﺎر اﻹﺑﻞ وأﺷﻌﺎر اﻟﻐﻨﻢ، دﻳﻨﻨﺎ أن ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎً، وﻳﻐير
.
15
ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ، وإن ﻛﺎن أﺣﺪﻧﺎ ﻟﻴﺪﻓﻦ اﺑﻨﺘﻪ وﻫﻲ ﺣﻴّﺔ ﻛﺮاﻫﻴﺔ أن ﺗﺄﻛﻞ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻣﻨﺎ«
ﻳﻌﺮض ﻫﺬا اﳌﻘﻄﻊ ﻣﻦ اﻟﺤﻮار ﺻﻮرﺗين ﳌﺎﴈ اﻟﻌﺮب ﰲ ﺟﺰﻳﺮﺗﻬﻢ: ﺻﻮرة ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ، أو ﻫﻲ
ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ، وﻫﻲ اﻟﺘﻲ وردت ﻋﲆ ﻟﺴﺎن ﻳﺰدﺟﺮد، وﻣﻠﺨّﺼﻬﺎ أنّ اﻟﻌﺮب ﻛﺎﻧﻮا ﰲ
ﺻﺤﺮاﺋﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺣﻴﺎةً ﻗﺎﺳﻴﺔً ﺑﺴﺒﺐ اﳌﻨﺎخ وﻗﻠّﺔ اﳌﻮارد اﳌﻌﻴﺸﻴﺔ؛ وأﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻣﺘﻨﺎﺣﺮة
ﻻ ﻳﺨﻀﻌﻮن ﻟﺴﻠﻄﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻮﺣﺪة؛ أي ﻳﻔﺘﻘﺪون دوﻟﺔً ﺗﻠﻢّ ﺷﻤﻠﻬﻢ؛ وأنّ اﻟﻔﺮس ﻗﺪ ﻋﻤﺪوا إﱃ
إﻧﺸﺎء ﻣﻨﺎﻃﻖ، أو ﻣماﻟﻚ، أو ﻗﺒﺎﺋﻞ، ﻋﺎزﻟﺔ أو ﺗﺎﺑﻌﺔ، ﻣﺜّﻠﺘﻬﺎ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﳌﻨﺎذرة أﺣﺴﻦ تمﺜﻴﻞ، ﻟﺘﻔﺎدي
. أﻣّﺎ اﻟﺼﻮرة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﻣُﺨﺘَﻠَﻘﺔ؛ إذ ﻗﺪّم ﻓﻴﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ اﻟﻌﺮب ﰲ ﺻﻮرة
16
ﻏﺎرات اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻴﻬﻢ
،1967 ،2
- اﻟﻄﱪي، ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﺮﻳﺮ، ﺗﺎرﻳﺦ اﻷﻣﻢ واﳌﻠﻮك، ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺤﻤﺪ أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ، ﺳﻠﺴﻠﺔ رواﺋﻊ اﻟﱰاث اﻟﻌﺮبي، ﺑيروت، ط
14
.499
، ص
3
ج
.499-500
، ص
3
- اﳌﺼﺪر ﻧﻔﺴﻪ، ج
15
- ﺗﺠﻤﻊ اﳌﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﲆ أنّ اﳌﻨﺎذرة، اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻜﻤﻮا اﻟﻌﺮاق ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ إﱃ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ اﳌﻴﻼدي،
16
ﻛﺎﻧﻮا دوﻟﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻔﺮس، وأدّوا دوراً ﰲ ﻛﻒّ ﻏﺎرات ﺑﺪو اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻋﲆ ﺑﻼد ﻓﺎرس؛ ﺑﻞ إن اﻟﻜﺜير ﻣﻦ ﻫﺬه اﳌﺼﺎدر ﺗﺪﻣﺞ ﺗﺎرﻳﺦ اﳌﻨﺎذرة )أو
ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮﺣﻤﻮني