53
2018
. ﺷﺘﺎء
1
اﻟﻌﺪد
أﻧّــﻪ ﻣﺪﻋــﻮّ إﱃ أرض ﺗﻈــﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴــﺒﺔ إﻟﻴــﻪ ﻣﺠﻬﻮﻟــﺔ ﺑــﻼ
رﺟﻌ ـﺔ، وﻋ ـﲆ اﻟﺮﻏ ـﻢ ﻣ ـﻦ ذﻟ ـﻚ ﻋﻠﻴ ـﻪ أن ﻳﺪﻋ ـﻮ ﻧﻔﺴ ـﻪ
وأﺑﻨــﺎءه إﻟﻴﻬــﺎ، إﱃ اﻷﺑــﺪ. وﻣــﺎ ﻳﺴــﻤﻴﻪ ﻟﻴﻔﻨــﺎس »أﺛــﺮ
اﻵﺧــﺮ« ﻫــﻮ أﺛــﺮ اﻹﻟــﻪ اﻟــﺬي ﻳﺪﻋــﻮ إﱃ أرض ﻣﺠﻬﻮﻟــﺔ،
ﻋـﲆ اﻹﺑﺮاﻫﻴﻤﻴـين أﻻ ﻳﻜﻔّـﻮا ﻋـﻦ اﻟﺮﺣﻠـﺔ إﻟﻴﻬـﺎ، دون أيّ
ﻣﻌﺮﻓ ـﺔ ﺑﻬ ـﺎ.
وﻷنّ اﻟﻨﺒــﻲ اﻹﺑﺮاﻫﻴﻤــﻲ ﻧﺒــﻲ دﻋــﻮيّ، ﻳُﻨﻔّــﺬ ﻣــﺎ
ﻳُﺆﻣَـﺮ ﺑـﻪ، ﻓﻬـﻮ ﻻ ﻳـﺮى أيّ أﻓـﻖ أﺧﻼﻗـﻲ ﻣﺤﺎﻳـﺚ ﻟﻠﻌﻘـﻞ،
أو ﻟﻠﻨــﻮع اﻟﺒــﴩي. ﻫــﻮ ﻻ ﻳﺴــﻜﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘــﻪ اﻟﺒﴩﻳــﺔ أو
ﻳﺴـﺘﻌﻤﻠﻬﺎ، ﻛـما ﻓﻌـﻞ اﻟﻴﻮﻧـﺎن؛ ﺑـﻞ ﻫـﻮ ﻳﺴـﺨّﺮﻫﺎ. واﻟﻔﺮق
ﺑـين اﺳـﺘﻌمال اﻷﺟﺴـﺎم وﺑـين ﺗﺴـﺨير اﻷﺟﺴـﺎد ﻫﻮ ﻧﻔﺴـﻪ
اﻟﻔـﺮق ﺑـين أوﻟﻴﺲ/اﻟﻌﺎﺋـﺪ إﱃ ﻣﻮﻃﻨـﻪ، ﺣﻴـﺚ ﺗﻨﺘﻈـﺮه ذاﻛـﺮة ﻣـﺎ، وﺑـين إﺑﺮاﻫﻴﻢ/اﳌﻬﺎﺟـﺮ إﱃ أرض ﻣﻮﻋـﻮدة
ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬـﺎ، ﻋﻠﻴـﻪ أن ﻳﺨﻠـﻖ اﻟﻘﺼّـﺔ اﻟﺘـﻲ ﺗﻨﺎﺳـﺒﻬﺎ. اﻟﻘﺼّـﺔ ﺿـﺪّ اﻟﺬاﻛـﺮة. ﻫـﺬا ﻫـﻮ اﻟﻔـﺮق ﺑـين آﻟﻬـﺔ اﻹﻏﺮﻳﻖ
وﺑـين إﻟـﻪ اﻹﺑﺮاﻫﻴﻤﻴـين.
وﻋﺎﻣﺔً،
إنّ »اﻟﺮﺳـﻮل« ﺑﺎﳌﻌﻨـﻰ اﻟﺪﻳﻨـﻲ اﳌﺤﺼـﻮر اﻧﺘﻬـﻰ ﺑﻮﺟـﻪ ﻣـﻦ اﻟﻮﺟـﻮه
ﻳﺒـﺪو أﻧّﻨـﺎ نمﻴـﻞ إﱃ ﻫـﺬا اﻻﻓـﱰاض:
ﺑﺎﻟﻨﺴـﺒﺔ إﻟﻴﻨـﺎ؛ أي ﺧـﺮج ﻋـﻦ أﻓﻘﻨـﺎ؛ ﻟﻜـﻦّ »اﻟﻨﺒـﻲّ«، ربمّـﺎ، لم ﻳﺒـﺪأ ﺑﻌـﺪُ ﺑﺎﻟﺸـﻜﻞ اﳌﻨﺎﺳـﺐ.
ﻫﻨــﺎ يمﻜﻨﻨــﺎ أن ﻧﺴــﺘﴤء ﺑﺎﻟﺘﻤﻴﻴــﺰ اﻟــﺪارج ﰲ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴــﺔ اﳌﺴــﻴﺤﻴﺔ واﻟﻠﻐــﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜــﺔ ﻛﺎﻟﻔﺮﻧﺴــﻴﺔ
وﻫـﻮ اﻻﺳـﻢ اﻟـﺬي أﻃﻠﻘـﻪ اﻟﻘﺪﻳـﺲ ﺑﻮﻟـﺲ ﻋـﲆ ﻧﻔﺴـﻪ، وﺑـين
(apostolos
« ﻣـﻦ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴـﺔ )
apôtre»
ﺑـين
)ﻣ ـﺆوّل اﻟ ـﻜﻼم اﻹﻟﻬ ـﻲ وﻻﺳ ـﻴما اﳌﻠﻬ ـﻢ ﺑﺎﻹﻧﺒ ـﺎء ﻋ ـﻦ أﺣ ـﺪاث
(prophêtês
« ﻣ ـﻦ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴ ـﺔ )
prophète»
اﻟﻴﻮﻧـﺎن؛ أي ﻣـﺎ ﺳـماّه اﻟﻌـﺮب ﻓـﻦّ
(mantikê tékhnê
اﻟﻼﺗـين و)
(divinatione De
ﰲ اﳌﺴـﺘﻘﺒﻞ(، وﺑـين )
اﻟﻜﻬﺎﻧـﺔ ﻋـﻦ اﳌﺴـﺘﻘﺒﻞ أو اﳌـﺎﴈ أو اﻟﻜﻨـﻮز أو اﻷﻣـﺮاض اﻟﺨﻔﻴـﺔ... وﺑﺤﺴـﺐ ﺗﻌﻠﻴـﻖ أﻏﺎﻣـبن ﻋـﲆ ﻣﺼﻄﻠـﺢ
le message
( ﻣــﻦ ﻳﺴــﻮع كي ﻳﺴــﻠّﻢ اﻟﺮﺳــﺎﻟﺔ اﳌﺴــﻴﺤﻴﺔ
un envoyé) ً
( ﻛﺎن ﺑﻮﻟــﺲ ﻣﺒﻌﻮﺛــﺎ
apostolos
)
((؛ ﻛﺎن ﻣﻜﻠّﻔــﺎ ﺑﺘﺒﻠﻴــﻎ ﳾء ﻣﺤــﺪّد، ولم ﻳﻜــﻦ ﻧﺒﻴّــﺎً؛ أي ﻣﺘﻜﻠّــماً رأﺳــﺎً ﺑﺎﻟﻜﻠﻤــﺔ اﻹﻟﻬﻴــﺔ.
messianique
اﳌﺒﻌـﻮث أو اﻟﺮﺳـﻮل ﻳﺘﻜﻠـﻢ ﰲ اﻟﺤـﺎﴐ؛ أي اﻧﻄﻼﻗـﺎً ﻣـﻦ وﺣـﻲ ﺗـﻢّ ﺑﺎﻟﻔﻌـﻞ، وﻫـﻮ ﻫﻨـﺎ ﻣﺠـﻲء اﳌﺴـﻴﺢ )أو
»اﳌﺎﺷـﻴﺢ« ﺣﺴـﺐ اﻟﻴﻬـﻮد(. أﻣّـﺎ اﻟﻨﺒـﻲّ ﻓﻬـﻮ ﰲ اﺗﺼـﺎل ﺑﺎﳌﺴـﺘﻘﺒﻞ.
زﻣ ـﻦ اﻟﺮﺳـﻮل ﻫـﻮ زﻣ ـﻦ اﻟﺒﻌﺜ ـﺔ أو اﻟﺒﻌ ـﺚ: ﺣـين ﻛُﻠ ّـﻒ بمﻬﻤ ّـﺔ. وﻫـﻮ ﻳﻮﺟـﺪ ﺑ ـين اﻟﺰﻣ ـﻦ اﻟﻮﺛﻨ ـﻲ
(. زﻣـﻦ اﻟﺮﺳـﻮل ﻫـﻮ »ﺑﻘﻴّـﺔ«، اﻟﻮﻗـﺖ اﻟـﺬي ﺗﺒﻘّـﻰ ﺑـين ﻫـﺬا
apocalypse)
وﺑـين ﻧﻬﺎﻳـﺔ اﻟﺰﻣـﺎن
،(chronos
)
اﻟﻌـﺎلم واﻟﻌـﺎلم اﻵﺧـﺮ. ﻫﻨـﺎ ﻳﺒـﺪو اﻟﻨـﺪاء اﳌﺴـﻴﺤﻲ أو اﳌﺸـﻴﺤﻲ ﻏـير ﻣﺤـﺪّد. وﻳﻌـﺎني ﻣـﻦ ﺗﻨـﺎهٍ ﻣﺮﻋـﺐ.
وأﻏﺎﻣـبن ﻳﻘﺎرﻧـﻪ ﺑﻴـﻮم اﻟﺴـﺒﺖ اﻟﻴﻬـﻮدي: ﻳـﻮم ﻳﻜﺘﻤـﻞ اﻟﻌﻤـﻞ ﺑﺎﻧﻘﻄﺎﻋـﻪ.
ﻓﺘﺤﻲ اﳌﺴﻜﻴﻨﻲ
ﻳﺠــﺪر ﺑﻨــﺎ ﻫﻨــﺎ أن ﻧﻮﺿّــﺢ أنّ اﻟﻘــﺮآن
ﻧﻔﺴ ـﻪ ﻗ ـﺪ ﺗﻐ ـيرّ ﻣﺼ ـيره ﻫ ـﻮ ﺑ ـﺪوره:
ﻟﻘــﺪ ﺗﺤــﻮّل إﱃ ﻣﻮﺿــﻮع؛ ﻣﻮﺿــﻮع
ﻟﻠﺪراﺳـﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴـﺔ ﺑﻠﻐـﺎت ﻋـﺪّة. ﻟﻜﻨّﻪ
أﻳﻀــﺎً ﻣﻮﺿــﻮع ﻟﻼﺳــﺘﻌمال اﳌﺆﺳﺴــﺎتي
أو اﻟﺪﻋـﻮي، ﺳـﻮاء ﺗﺤـﺖ ﻟـﻮاء اﻟﺪوﻟـﺔ،
أم ﻟــﻮاء اﻟﺤــﺮﻛﺎت اﻹﺳــﻼﻣﻮﻳﺔ.